لو كانت المخيمات الفلسطينية تملك باباً مثل باب المسلسل السوري «باب الحارة»، لأغلقه الفلسطينيون على أنفسهم وحاصروا أنفسهم بدلاً من أن تحاصرهم الدولة اللبنانية بمراسيم وقوانين ستجعلهم يتأكدون من أنهم يعيشون في «غيتوات». غداً سيدرس مجلس الوزراء مشروع مرسوم مقدم من وزارتي الداخلية والدفاع يقضي بقوننة حصار المخيمات
قاسم س. قاسم
يدرس مجلس الوزراء غداً البند الرقم 39 الموضوع على جدول أعماله. في مضمون البند، ستعرض وزارة الداخلية والبلديات «موضوع تزايد عدد مخالفات البناء في الضاحية الجنوبية وفي مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة ومحيطهما، وطلب السماح بترميم الأبنية المعرضة للانهيار والمنشأة سابقاً بصورة مخالفة». هنا المكتوب لا يُقرأ من عنوانه، لأن العنوان العريض للبند يوحي بأنه سيساهم في حلّ أبرز ما يعانيه الفلسطينيون من مخاطر في مخيماتهم، وهي الأبنية الآيلة إلى السقوط والتي تبلغ في مخيم برج البراجنة وحده 3 آلاف منزل.
كما أن العنوان هنا هو ما دفع وزير الداخلية مروان شربل الى «رفع الملف إلى مجلس الوزراء بدون قراءة التفاصيل»، كما قالت مصادر قريبة منه. لكن، وبما أن الشيطان يكمن في التفاصيل، يتبين في تفاصيل الملف أن وزير الداخلية تقدم الى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بطلب إقرار «آليات ونظم تضبط عملية البناء في المخيمات الفلسطينية وتأمين السند القانوني لها من خلال أربع نقاط»، وهي أولاً: منع تشييد أي بناء في المخيمات من دون ترخيص قانوني يجيز الموافقة على إدخال مواد البناء الى المكان المحدد. ثانياً: إخضاع إدخال مواد البناء الى المخيمات (طلبات وكالة الأونروا) لموافقة السلطة السياسية (الحكومة)، بعد أخذ رأي وزارة الدفاع (قيادة الجيش) ومتابعة ومراقبة تنفيذ مشاريع هذه الوكالة داخل المخيمات من قبل الجيش وقوى الأمن الداخلي. ثالثاً: تقليص عدد المداخل الرئيسية والفرعية إلى المخيمات بعدد محدد وإقفال المداخل التي يمكن الاستغناء عنها بواسطة بلوكات من الاسمنت، بحيث تبقى سالكة للمشاة فقط. رابعاً: الإيعاز الى لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني إفهام الفلسطينيين بأن الإجراءات المتخذة هي لمصلحتهم أولاً وأخيراً.
الملف الذي سيبحثه مجلس الوزراء غداً يتضمن أيضاً رسالة من وزير الدفاع فايز غصن، تفصّل فيها وزارة الدفاع ما سيكون الوضع عليه على الأرض مباشرة إذا أقر المشروع. وتتضمن الرسالة طلب تكليف «الأجهزة الأمنية درس مداخل مخيم برج البراجنة، وعددها 3 رئيسية و16 فرعية، والعمل على إبقاء الثلاثة الرئيسية وخمسة مداخل فرعية لدخول السيارات والشاحنات منها الى المخيم المذكور، وتحويل بقية المداخل الى مداخل فرعية للمشاة فقط، وتركيز قوى الأمن الداخلي عناصر مراقبة على المداخل الرئيسية والفرعية لضبط دخول السيارات والشاحنات (البضائع) وخروجها. وتؤازر هذه القوى وحدات من الجيش جاهزة للتدخل». ولتطبيق كل هذا، تضيف رسالة غصن، تقضي الضرورة إجراء ما يأتي: أولاً، إقرار السلطة السياسية (الحكومة) وبالسرعة الممكنة آليات ونظم تضبط عملية البناء في المخيمات وتأمين السند القانوني لها. ثانياً، استكمال ومتابعة قوى الأمن الداخلي للإجراءات المطلوب تنفيذها حول كل مخيمات بيروت والضاحية.
هذه الرسالة التي بعث بها غصن إلى «مقام مجلس الوزراء» هي نسخة «طبق الأصل» عن تلك التي تقدم بها وزير الدفاع السابق الياس المر في 6 أيلول 2010، الى وزارة الداخلية والبلديات.
هكذا، وفي حال إقرار هذا البند، سيعيش الفلسطينيون في «غيتوات»، وسيُعلن المعلن بالنسبة إليهم. فـ«حالة الحصار» التي لطالما شعروا بها، أصبحت واقعاً له قوانينه وإجراءاته التي ستطبق على الأرض وستزيد الخناق عليهم أكثر. بالطبع، لن يؤثر هذا الواقع على النشاط الاجتماعي للفلسطينيين ولا على تحركاتهم وحسب، بل سيؤثر أيضاً على عمل وكالة الأونروا داخل المخيمات. إذ إن المشروع يتضمن موافقة السلطة السياسية، بالإضافة الى قيادة الجيش على المشاريع التي قد تقوم بها الوكالة داخل المخيمات، وهو ما كانت القوى الأمنية تمارسه على أرض الواقع من دون حاجة الى أي مرسوم. ففي العام الماضي أوقفت القوى الأمنية مشروع بناء خزان مياه في مخيم برج البراجنة بسبب ارتفاعه، طالبة من مسؤولي الأونروا واللجان الشعبية مراجعة قيادة الجيش، حينها أبلغت قيادة الجيش مسؤولي الأونروا أنه يمثل تهديداً لمطار رفيق الحريري الدولي، ومنعت إدخال مواد البناء لإكمال العمل فيه.
إضافة الى ذلك، فإن المشروع، في حال إقراره، سيؤثر على نوعية المشاريع التي تنفذها الأونروا. ففي رسالة مقدمة الى «رئيس شعبة المعلومات» العقيد وسام الحسن في 2 آب 2009، يرفع «أحدهم» تقريراً «معلومات» يقول فيه إن «الأونروا تقوم حالياً ببناء خزان مياه وتمديدات صحية وشبكات مياه لأهالي المخيم، وتستبدل شبكة المجاري والصرف الصحي، فضلاً عن إنشاء شبكة تصريف مياه الأمطار وإعادة تأهيل الأزقة والشوارع. والجدير ذكره أن قساطل شبكة المجاري من المستحسن أن يكون قطرها صغير الحجم كي لا تستعمل كأنفاق عند حصول أي عمل أمني». ويضيف التقرير إنه بسبب علو طبقات الأبنية داخل المخيم، وبسبب وجود «تنظيمات فلسطينية مسلحة ومجهزة بأسلحة ثقيلة، بالإضافة الى أشخاص خطيرين، ما يمثّل خطراً على السلامة العامة، فإن المناطق المحيطة بهذا المخيم أصبحت مكشوفة في حال حدوث أي خلل أمني داخل المخيم من شأنه أن يؤدي الى عواقب وخيمة». أما الحل المناسب لمعالجة ظاهرة مخالفات البناء داخل مخيم شاتيلا، الذي أصبح مدينة ذات أبنية عالية تطل على عدة أماكن حساسة أمنياً، فيكون عبر «وضع خطة عمل بالتنسيق بين جميع إدارات الدولة والمنظمات الفلسطينية والبلدية المعنية (...) وتأمين وسائل تنفيذ لهذه الخطة من عديد وعتاد وتجهيزات». أما خطة العمل التي وضعت فهي التي قدمتها وزارة الدفاع والقاضية بخفض عدد مداخل المخيم.
هكذا، سيجري تأكيد المؤكد في حال إقرار المشروع. حينها سيصبح للتصرفات التي كان يقوم بها عناصر قوى الأمن غطاء قانوني. فالفلسطينيون كانوا يلمسون ازدواجية في إدخال مواد البناء، إذ كان بعضها يدخل تحت أنظار القوى الأمنية الى المخيم. فقبل خمسة أيام، حجزت دورية من قوى الأمن الداخلي رافعة كانت متوجهة الى مخيم برج البراجنة لصيانة مضخة مياه في بئر ارتوازية داخل المخيم، بحجة عدم الحصول على ترخيص، وخشية استخدام الرافعة لحفر بئر ارتوازية غير شرعية. وبعد اعتراض شعبي وإحراق مستوعبات نفايات على المدخل الرئيسي للمخيم، أجرى أعضاء اللجان الشعبية سلسلة اتصالات أدت الى وعد بالسماح للرافعة بإنجاز مهمتها، شرط أن يرافقها عنصر من القوى الأمنية الى داخل المخيم لمراقبة عملها. وحتى يوم أمس، كانت البئر التي توزع مياهها المالحة على 350 منزلاً في المخيم، لا تزال متوقفة عن العمل. في حال إقرار الحكومة البند 39، سيصبح ما قام به عناصر قوى الأمن مقونناً، أما ما قام به الفلسطينيون على باب المخيم فسيكون «بروفة» لما يمكن أن يتطور إليه الوضع. إذ يقول مسؤول بارز في تحالف القوى الفلسطينية إنه «سيكون هناك عصيان مدني في المخيمات، وسنقوم بتظاهرات سلمية وسنغلق المخيمات على أنفسنا».
أما في وزارة الداخلية، فلفتت مصادر معنية إلى أن الوزير شربل لم يكن يعلم بتفاصيل المشروع. واطلع عليها بعدما اتصلت «الأخبار» بالوزارة. وبناءً على ذلك، أكدت المصادر أن شربل سيطلب سحب البند عن طاولة مجلس الوزراء، «لأنه لم يكن قد اطلع على تفاصيله. وهو أراد أن يستمع الى آراء الوزراء بخصوص هذا الموضوع». وأوضحت أن الوزير أحال هذا البند «بعدما اعتبر أنه سيسهل حياة اللاجئين في المخيمات. لكنه عندما قرأ التفاصيل، فإنه سيعمل على تأجيله، مؤكداً أنه لا يمكن بناء حائط برلين جديد يحاصر المخيمات، وخصوصاً أن المخيمين المقصودين، أي شاتيلا والبرج، متداخلان عمرانياً وسكانياً مع محيطهما اللبناني». وأكدت المصادر أن الوزير «سيعدّ دراسة أفضل للواقع». ولفتت المصادر إلى أن هذا المشروع لم يتقدم به الوزير شربل، بل كان محفوظاً في أدراج الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وأعيد الى وزارة الداخلية قبل أيام، لأخذ رأي الوزير. وتنبه المصادر إلى أن شربل يؤيد «ضبط عمليات البناء غير الشرعي في المخيمات وعلى أطرافها». هكذا، يصبح من الممنوع على المخيمات أن تتسع عمودياً، إضافة إلى كونها ممنوعة من الاتساع أفقياً. فكما هو معروف، إن للمخيمات مساحتها المحددة التي استأجرتها الأونروا إما من أصحابها أو من الدولة اللبنانية. ومنذ 63 عاماً، بقيت المساحة على ما هي عليه، فيما ازدادت الكثافة السكانية. فكان الفلسطينيون يلجأون الى البناء فوق منازلهم التي كانت قائمة في الأساس. إذ ماذا يمكن أن يفعل الفلسطيني الممنوع من التملك والممنوع من التمدد أفقياً، غير البناء فوق ما يملكه؟ هكذا، وفي حال إقرار هذه المشاريع وعدم تأجيلها، فإن مخيمات بيروت التي لطالما حسدها أبناء مخيمات الجنوب بسبب سهولة التحرك فيها ستتحول الى «غيتوات» هي الأخرى مثل قرينتها الجنوبية.
داخل الحكومة، لفتت مصادر وزارية إلى أن عدداً من الوزراء سيرفضون المشروع من أصله، وبينهم وزراء قوى الثامن من آذار. أما الحزب الاشتراكي، فلفتت مصادره إلى أن وزراءه «لا يزالون يدرسون الملف. وبالنسبة إليهم، فإن المعيار سيكون تطبيق القانون، مع الحرص الشديد على عدم تضييق الخناق على الفلسطينيين».
يُشار إلى أن القوى الفلسطينية تواصلت مع معظم الكتل النيابية الممثلة في مجلس الوزراء، مطالبة بتأجيل التصويت على المشروع. وقال مسؤول في التحالف إن «الحوار يجب أن يكون على جميع الحقوق الفلسطينية من دون تجزئة، لأنه لا يمكننا أن نناقش موضوع منع مخالفات البناء، فيما نحن ممنوعون من التملك». هكذا، سينتظر الفلسطينيون نتيجة الاتصالات السياسية التي ستقوم بها القيادة الفلسطينية مع الدولة اللبنانية. فإذا أرجئ بحث المشروع، تؤجل الاحتجاجات على الأرض. وإذا جرى التصويت على المشروع، فسيكون وضع اللاجئين كما قال الشاعر محمود درويش: «حاصر حصارك بالجنون، فإما أن تكون أو لا تكون».
رسالة المر
جانب وزارة الداخلية والبلديات
الموضوع: معالجة موضوع إدخال مواد البناء إلى بعض المخيمات الفلسطينية.
المستند: إحالة وزارة الداخلية والبلديات الرقم 3047 تاريخ 22/3/2010. بالإشارة إلى الموضوع والمستند (...) حول معالجة التوسّع العمراني الحاصل وتمدّد الفلسطينيين إلى خارج حدود مخيم برج البراجنة والتعدي على عقارات عائدة لمواطنين لبنانيين. تشير هذه الوزارة إلى ما يأتي: أطلقت الدولة اللبنانية بتاريخ 6/5/2006 مبادرة لتحسين الأوضاع المعيشية للاجئين الفلسطينيين. إن عملية البناء في المخيمات لا تحكمها الأنظمة والقوانين التي يخضع لها المواطن اللبناني (رخصة البناء، إثبات الملكية، الموافقات المسبقة) بسبب تعذّر تأمين المستندات المطلوبة. مع تبدّل الظروف السياسية والأمنية بدءاً من سنة 1948 ولغاية اليوم، تراوحت الإجراءات المتعلقة بإدخال مواد البناء بين المنع وغض الطرف والتقنين، بحيث تتم مراقبة إدخال مواد البناء بعد التقصّي عن صاحب العلاقة وإعطائه إذناً بذلك.
يتم إدخال كميات كبيرة من مواد البناء إلى المخيمات (أبنية خاصة أو مشاريع بنى تحتية تنفّذها وكالة الأونروا) دون التأكد من وجهة استعمالها التي يخشى أن تكون في أعمال تحصين وبناء دشم وملاجئ.
تقضي الضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمراقبة عملية إدخال مواد البناء إلى المخيمات منعاً لتكرار تجربة نهر البارد، وحصر قرار إدخال هذه المواد بموافقة السلطة السياسية. بناءً على ما تقدّم، للتفضّل بتكليف الأجهزة العسكرية التابعة لكم بالتنسيق مع البلديات والدوائر الرسمية وقوى الجيش ترسيم حدود المخيمات في بيروت مع تبيان الحدود السابقة لها (1948) وفقاً لمساحة الأرض المستأجرة من قبل الأونروا والأحياء التي توجد فيها تجمعات لبنانية متداخلة مع المخيمات. كما تكلف الأجهزة الأمنية درس مداخل مخيم برج البراجنة وعددها /3/ رئيسة و/16/ فرعية والعمل على إبقاء الثلاثة الرئيسة وخمسة مداخل فرعية لدخول السيارات والشاحنات منها وتحويل باقي المداخل الفرعية مداخل للمشاة فقط، والإيعاز لقوى الأمن الداخلي تركيز عناصر مراقبة على المداخل الرئيسة والفرعية للمخيمات في بيروت لضبط دخول وخروج السيارات والشاحنات (البضائع) وتؤازر هذه القوى وحدات من الجيش جاهزة للتدخل.(الأخبار 1 آب2011)