الأخطاء والمخالفات الطبية موضوع عالجه بحث بعنوان "مسؤولية الطبيب بين المفهومين النظري والتطبيقي"، اعدته الطالبة في الفرع الرابع لمعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية فاديا غنام لنيل شهادة الجدارة في "علم اجتماع التنمية". اشرف عليها الدكتور انطوان ساروفيم، الذي اعتبر خلال المناقشة، انه منذ سنوات طويلة لم يجرؤ طالب على معالجة موضوع يعتبر من المحظورات كما هو حال مخالفات قانون مهنة الطب وآدابها ومدى ارتقاء العقاب الى مستوى الخطأ.
وقد طرحت غنام في بحثها اشكالية مدى التزام الاطباء بمبادىء الطب وتطبيق هذه المبادىء والالتزام بالآداب الطبية والقوانين المسلكية.
واعتمدت غنام في بحثها منهج "دراسة الحالة"، متوسلة تقنية الملاحظة "كسمة من سمات الباحث لمعرفة واقع الظاهرة وحقيقتها"، وتقنية المقابلات من بينها مقابلة مع نقيب اطباء لبنان شرف ابو شرف الى مقابلة مع محام في النقابة.
وقد واجهت الطالبة صعوبات في البحث بدءا من تحفظ الجسم الطبي والاداري عن اعطائها المعلومات الا في ما يتعلق بالتنظيم النقابي والمهني، حتى ان احد الاطباء طردها من عيادته. وتردد بعض المسؤولين في الاجهزة القضائية والمدنية عن اعطائها تصاريح ووثائق تتضمن شكاوى مقدمة في حق اطباء، وصولا الى تردد افراد وعائلات كانوا ضحية خطأ طبي عن اعطائها شهاداتهم ومنهم من طلبوا عدم ذكر اسمائهم.
الدراسة مؤلفة من فصلين: الاول عالج تطور مهنة الطب وتنظيمها والثاني تناول اخطاء الاطباء وطبيعة مقاضاتهم.
في الدراسة توقفت الباحثة عند كيفية اختيار المريض لطبيبه، في ظل الحاجة الى توسيع نطاق ثقافة المجتمع والحماية الاجتماعية بما يزيل بعض الاسباب المؤدية الى نتائج تشبه الاخطاء الطبية، كالتردد في اللجوء الى خدمات طبيب قبل استفحال العوارض المرضية، شراء الدواء من الصيدلية من دون وصفة طبية وبناء على نصيحة او لسماع المريض بمفعول الدواء، غياب مفهوم طبيب العائلة الذي يوجه المريض الى المتخصص بحسب الحالة، وبالتالي اختيار اقرب طبيب من حيث السكن او لعلاقة صداقة او قربى، الطبيب الذي يتقاضى تعرفة متدنية، او اللجوء الى المستوصفات والعيادات الاهلية التي منها ما يهدف الى الربح. وايضا الاعتماد على اسماء يتداولها الناس، او الذهاب الى المستشفى حيث يرشده الممرضون الى الطبيب الذي يفضلونه.
يفيد البحث انه حتى نهاية العام 2010 بلغ عدد الاطباء العاملين فعليا في لبنان 10325 طبيبا، في مقابل الف طبيب مشطوبين من النقابة. اي ان هناك طبيب واحد لكل 350 شخصاً في لبنان، وهذا الرقم الى تزايد، في حين انه في اوروبا هناك طبيب واحد لكل 450 نسمة. وبان لبنان يعاني فائضا في بعض التخصصات الطبية ويفتقر الى كثير من التخصصات الاخرى مثل طب العائلة، وطب العمل والوقاية وطب الشيخوخة.
وفي اطار عرض تنظيم العمل الطبي في لبنان، تعرض البحث لاجراءات تحسين جودة المهنة التي تسعى اليها نقابة الاطباء، منها اقتراحها استبدال الامتحان الشفهي، الذي يشكل المرحلة الثانية من امتحان "الكولوكيوم"، بامتحان تطبيقي في المستشفيات، واخضاع الاطباء الممارسين كل سنتين الى امتحان وذلك بالاتفاق مع عمداء كليات الطب.
وبحسب ما جاء في البحث فان لجنة التحقيقات في نقابة الاطباء تنظر يوميا في 10 او 12 شكوى في حق اطباء وتحول المخالفات الى المجلس التأديبي. لكن الوثيقة التي حصلت عليها الباحثة واوردتها كمستند، عن احكام صادرة عن لجنة التأديب تعود الى العام 1998 اي قبل 13 سنة. 4 من الاحكام الثمانية تنص على التوقيف الموقت: لتقاسم اتعاب طبيبين، قلة احتراز في تشخيص مضاعفة خلال العملية مما ادى الى الوفاة، شهادة كاذبة بفض بكارة قاصر، عدم تشخيص مضاعفة ادت الى وفاة المريض.
وكانت الباحثة سألت عن الاخطاء الطبية "التي تطوى في لبنان من دون محاسبة ولا رقابة". "وتندر القضايا القانونية التي وصل فيها مريض او عائلته الى محاسبة الطبيب مرتكب الخطأ في مقابل كثرة في اخبار عن اخطاء تسبب مشكلات دائمة لمرضى او وفاة".
ويتناول الفصل الثاني من البحث اخطاء الاطباء الجسيمة وطبيعة مقاضاتهم. فيفند بداية المخالفات الطبية في الاطار الاداري، بناء على شهادات وامثلة وبعض الوثائق.
ومن هذه المخالفات في الطب الشرعي: اعطاء تقرير كاذب لقاء مبلغ من المال. وقد اوردت الباحثة مثلين موثّقين عن اعطاء شهادة كاذبة، بان قاصرة فضت بكارتها اوقف فيها المجلس التأديبي الطبيب عن مزاولة عمله لفترة. وحكم للجنة التحقيقات المهنية بادانة طبيب وقّع على شهادة بياض لاحد مكاتب تعليم السوق.
وفي مخالفات الرقابة الطبية في وزارة الصحة: التوقيع على ملفات المرضى من دون الاطلاع عليها. "فبمساومة من المستشفى ومقابل مبلغ من المال يتخطى اطباء المهمات الموكلة اليهم من حفظ حق المرضى الى حفظ حق المستشفى".
ثم دور المال في تصنيف المستشفيات، ورواية لمدير سابق لمستشفى عن تصنيف احد موظفي وزارة الصحة لمستشفى من الدرجة الاولى لقاء مبلغ من المال فاوقف من عمله ليعود كونه محسوبا على احد الجهات السياسية.
ومن مخالفات الرقابة الطبية في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي: التوقيع على ملف مريض من دون الاطلاع عليه ومدى مطابقة الاجراءات التي خضع لها مع حالته. دخول اشخاص الى المستشفى باسماء آخرين مسجلين في صندوق الضمان. وتلفت الباحثة الى عدم "وجود ارقام تبين حجم الدور الذي يقوم به الطبيب المراقب في الصندوق في الاحصاءات السنوية. كما لا توجد دراسة تبين اهمية المراقبة الطبية في ضبط فاتورة الانفاق الصحي، ويحرص المسؤولون في الصندوق على عدم تسليط الاضواء على المراقبة الطبية". وتنقل عن مدير سابق لمستشفى بقاعي ان "الضمان اكثر المؤسسات هدراً على الصعيد الصحي، وان المستشفيات تتفق في ما بينها على وسيلة لايصال الهدايا والتقادم في شكل منظم الى الطبيب المراقب والمراقب الاداري لتغطية المخالفات الطبية والادارية".
ويفيدها طبيب مراقب احيل على التقاعد بان "مستوى المخالفات في فواتير الاستشفاء في البقاع مرتفع للغاية حيث تناهز الزيادات الوهمية على الفواتير 50 في المئة من القيمة الفعلية".
وفي مخالفات الرقابة الطبية في تعاونية موظفي الدولة:
افادة لمدير سابق لمستشفى في البقاع عن بناء الطبيب المراقب المخالف علاقة مصالح مع المستشفيات قائمة على المنفعة المتبادلة. فيتغاضى غالبا عن الفواتير المقدمة من المستشفى لقبضها من التعاونية.
وعن مدير مكتب طبي في احدى مستشفيات البقاع ان الطبيب المراقب يعمد غالبا الى اقناع المرضى في ان العلاج المطلوب من الطبيب المعالج وبعض الفحوص لا تخضع لنظام التعاونية ويفترض دفعها مباشرة الى الطبيب المعالج او المستشفى.
وفي الشق المتعلق بالمخالفات في الاطار الطبي، رصدت الباحثة بناء على شهادات وافادات ووثائق الآتي: رفض اطباء معاينة مريض بسبب عدم قدرته على تسديد الاتعاب، "وهو موضوع لا يطرح بالضرورة لدى المحاكم". اختلاف التعرفة من طبيب الى آخر ودرجة الاستشفاء وموقع الطبيب، بحيث يتفاوت التزام الاطباء بالتعرفة التي تحددها وزارة الصحة بالتعاون مع نقابة الاطباء فتصل احيانا الى 150 الف ليرة. يذكر ان المجلس التأديبي اصدر العام 2008 تنبيها لاحد الاطباء لتقاضيه بدلا ادنى من التعرفة. اطباء يحولون عياداتهم الى مستوصفات اما لغايات انسانية واما لجذب المرضى او لغايات سياسية. "احد الاطباء لا يتقاضى بدل اتعاب من مرضاه لكنه في الوقت نفسه يطلب منهم فحوصا مخبرية كونه يملك مختبرا". ومن المخالفات ايضا، اجراء عمليات وهمية، ومثل عن طبيب اوهم مريضه بانه اخضعه لعملية جراحة البروستات قبل ان يضطر المريض ان يخضع الى عملية حقيقية بعدما عادت عوارض البروستات الى الظهور لديه.
ومثل آخر نقلا عن المحامي في النقابة شارل غفري عن طبيب اوقف موقتا عن مزاولة المهنة بعدما اجرى عملية غدة غير مبررة لمريض.
وهناك الخطأ في التخدير: شهادة لزوج مريضة توفيت نتيجة حساسية شديدة لديها تجاه البنج رغم التأكيد بعد خضوعها لفحوص بانه في امكانها ان تجري العملية من دون عواقب.(النهار2آب2011)