لم يكن مستشفى سير الضنية الحكومي يوماً بمنأى عن التجاذبات السياسية وصراعات النفوذ، التي رافقته منذ ولادته القيصرية قبل تسع سنوات، ولا تزال حتى يومنا هذا متحكمة بكل تفاصيل ومراحل نشأته، الأمر الذي افقد المستشفى الكثير من قدراته وطاقته، التي كان من شأنها أن تسهم في وضع حد نهائي لمعاناة أبناء المنطقة، من خلال مرفق حيوي أنشىء ليكون مركزاً للعلاج والاستشفاء، لا غرفة عمليات انتخابية، ومنبراً لتوجيه الرسائل السياسية وتبادل الاتهامات وتصفية الحسابات.
وعلى الرغم من كل المحاولات التي بذلت في السنوات الماضية لتحسين وضعه على مستوى التقديمات والخدمات الصحية بأحدث الوسائل والتقنيات، إلا انها جاءت بمثابة جرعة «مورفين» أعطيت كبديل عن العلاج الشافي لأصل المعضلة، والمتمثلة بغياب الرؤية الموحدة لدى السياسيين حول طبيعة عمل المستشفى ودوره في تلبية احتياجات أبناء المنطقة الصحية.
على ان البحث في تفاصيل ما يدور من صراعات سياسية في أروقة هذا المستشفى الوحيد في المنطقة وانعكاساتها المستمرة على أدائه، لا يلغي حقائق كثيرة تتمثل، في الشكل، بوضع المستشفى البنيوي حيث يعتبر من بين اصغر المستشفيات الحكومية في لبنان، فضلا عن فريق عمله غير المتجانس، وهو الأمر الذي يعتبر من ابرز المشاكل، نظرا لحالات الاعتراض الموسمية التي تحصل بين مجلس الإدارة ولجنة متابعة شؤون الموظفين والتي أصدرت مؤخراً بياناً، انتقدت فيه رئيس مجلس الإدارة ومديره العام الدكتور عمر فتفت (المنتهية ولايته) باتخاذ قرارات غير قانونية.
وكان مستشفى سير الضنية الحكومي انشىء في بلدة عاصون على ارتفاع 1200 متر عن سطح البحر قبل نحو عشر سنوات بهبة مالية مقدمة من دولة الكويت، واستلمته وزارة الصحة في حينها، حيث تناوب على إدارته أربعة مجالس إدارة كان يتم تعيينهم والإطاحة بهم من قبل نواب المنطقة وفق الظروف السياسية العامة.
ويضم المستشفى المؤلف من طابقين ارضي وعلوي، 20 غرفة و38 سريرا، ويعمل فيه 120 موظفا تم انتدابهم معظمهم من قبل القوى السياسية النافذة في المنطقة، وتعرض خلال سنوات الأولى لمشاكل عدة، كان أخطرها حالات الوفاة التي سجلت في الأعوام الماضية لعدد من المرضى، واتهم ذووهم إدارة المستشفى الحالية بالتقصير وعدم تقديم العلاج اللازم لهم.
لكن مصادر المستشفى أكدت بأن مجلس الإدارة الحالي المقرب من النائب احمد فتفت، بذل كل ما بوسعه لتطوير المستشفى ورفده بأهم التجهيزات والمعدات الطبية، ولفتت إلى»ان بعض المتضررين من نجاح هذه المؤسسة الحكومية يحاولون الإيحاء بأن عهداً جديداً سيبدأ مع الحكومة الجديدة عبر الاتيان بمجلس إدارة جديد من نفس الخط السياسي الذي لم يتمكن ان يقدم للمستشفى أي شيء».
وأوضحت المصادر:«ان إدارة المستشفى عملت على تطوير عمل جميع الموظفين خاصة رؤساء الأقسام من خلال برنامج تعليمي شامل متكامل داخل وخارج المستشفى، وتم تنظيم كل شق من العمل الإداري وفقاً للأصول العلمية، وعملت على مكننة العمل بالمستشفى وإدخال الكمبيوتر إلى كل غرفة وتوصيل خدمة الإنترنت وخلق شبكة اتصال داخلي للمستشفى، كما جرى تسديد كل الديون القديمة البالغة مليار ومئة مليون ليرة التي تراكمت على المستشفى أثناء عمل المجالس السابقة، وان الوضع المالي الحالي للمستشفى، في حال تم تسليم المستحقات المتوجبة له، سيكون فائضاً مالياً يبلغ مليون دولار تقريباً وفي حالة تسديد الكهرباء القديمة يبلغ 800 ألف دولار تقريباً.
وأكدت المصادر: «انه تم إيجاد مصادر جديدة للدخل من خلال زيادة المدخول الخارجي، وإضافة تعاقدات جديدة مع معظم الجهات الضامنة، كما تم تجهيز المستشفى بالتالي: جهاز سكانر، جهاز موجات صوتية للقلب، جهاز موجات صوتية متعدد الأغراض مع جهاز ملون للأوردة، جهاز أشعة متطور، إعادة تجهيز المختبر بأجهزة أكثر حداثة، تجهيز غرفة العمليات، إضافة أجهزة تعقيم جديدة، إضافة إلى تفعيل أقسام وتطوير عمليات العظام، وإدخال جراحة العيون إلى المستشفى، وتفعيل قسم المناظير الطبية، وتفعيل قسم المناظير الجراحية، وإدخال خدمة العلاج الطبيعي للمستشفى، والحصول على سيارة إسعاف إضافية، وتجهيز الغرف ووضع اسرة كهربائية».
إلا ان المعترضين يعتبرون ان كل ما يحكى عن انجازات هو مجرد كلام للترويج الإعلامي، وان المستشفى بوضعه الحالي لا يلبي طموحات أبناء المنطقة ولا ينسجم مع ما قدم من مساعدات لهذا المستشفى كان من شانها ان تحوله الى اهم مستشفى لو أحسنت إدارة شؤونه.
وجاء في بيان لجنة متابعة شؤون الموظفين: إن «الممارسات التي تجري في المستشفى لم تعد مقبولة، وليس بالإمكان السكوت عنها بعد اليوم، نظراً لانعكاسها سلباً على سمعة المستشفى». وتشير اللجنة الى «ممارسات ومخالفات عدّة تغطيها إدارة المستشفى، منها توظيف أكثر من 60 موظفاً جديداً بناءً على طلب نائبي المنطقة وأصدقاء المدير، علماً أن عدد أسرة المستشفى 38 سريراً فقط، ما جعل عدد الموظفين يصل إلى 120 موظفاً، وليس هناك أموال تكفي لدفع رواتبهم».
وأوضح بيان اللجنة أن «أطباء يتفقون مع مسؤول العمليات ليقوم الأخير بإجراء العملية بدل الطبيب المختص، على أن يعطيه الأخير بدل أتعاب، وهو ما أدى إلى حصول أخطاء طبية فادحة، من دون حسيب او رقيب، ما أثّر سلباً على سمعة المستشفى، والإدارة تعلم بكل ذلك، فضلاً عن إجراء عمليات جراحية لمرضى برغم رفض أطباء القلب إجراءها، وقد نقل عدد من المرضى إلى مستشفيات أخرى ووضعوا في قسم الإنعاش لأن اللجنة الطبية الموجودة في المستشفى وهمية وتعمل بأوامر المدير، وهي أثبتت فشلها التام بسب عدم قيامها في التحقيق». وأشارت اللجنة إلى أن «ضغوطاً تمارس على جميع الموظفين لترهيبهم، ومنها فصلهم عن العمل وقطع لقمة عيشهم، إذا لم ينفذوا قرارات الإدارة، التي كثير منها غير قانوني، كما أنه يوجد في المستشفى موظف من قبل وزارة الصحة مسؤول عن تسهيل الملفات التابعة للمريض الذي يعالج على نفقة الوزارة، ومع ذلك يقوم موظف آخر من المستشفى وبعلم الإدارة بأخذ مبلغ 15 ألف ليرة من كل مريض، إضافة إلى عمولته من أطباء جراحين في المستشفى». واتهمت اللجنة الإدارة «بهدر المال العام وصرف أموال الصندوق على ملف التصنيف، ودفع مبلغ 300 دولار لمنسقة ملف التصنيف بدل أتعاب يومي، وشراء الزيت والزيتون من والد منسقة التصنيف دون استدراج عروض، والتلاعب بفواتير المرضى على الصندوق، وكل ذلك بأوامر من المدير، عدا أن «فاتورة الهاتف الثابت تبلغ شهرياً أكثر من 7 ملايين ليرة».
وأشارت اللجنة إلى أنه «طلبنا عدة مرات من التفتيش العام التأكد من ملفات المحاسبة، إلا أنهم كانوا يتصلون بالمدير قبل عدة أيام ويبلغونه أنهم سيقومون بالتدقيق بالملفات الإدارية».