التعثر المدرسي" يتوسع في لبنان. هو واقع لا مفر منه في حياة عدد كبير من التلامذة في لبنان. ليس السبب الفقر فقط، بل الحرمان الذي يعانيه التلميذ في البيت وعدم اهتمام الأهل أو لمجرد خضوعه لوصاية الخادمة التي تكون الراعية الرئيسة له في غياب أهله بسبب أعمالهم أو إنشغالهم عنه.
في غياب أي إحصاءات رسمية في لبنان، تشير الدراسات العالمية الى أن حالات التعثر المدرسي تصل إلى ثلث أعداد التلامذة في الصف الواحد أي إلى نسبة 20 أو 30 في المئة من مجمل تلامذة الصف.
أما تشخيص حالة المتعثر فبسيطة. فادي "تلميذ إجتماعي" يتفاعل مع محيطه ومع رفاقه في النادي الرياضي ويمضي أجمل أوقاته مع أولاد الجيران. فادي يشتاق إلى والده، فهو يعمل خارج لبنان ويعاني في الحقيقة من إنفصال والده عن أمه لأسباب لم يفهمها إلى اليوم. هو خارج الصف ولد ذكي، لكنه داخل الصف تلميذ لا يحب واجبات المدرسة، ولا يكترث للمواد ويكتفي بتحصيل دفتر علامات لا يتعدى معدله السنوي العام الـ 20 /9,50 أو الـ20/10.
بين التقويم والحلول
هذا التلميذ هو بنظر بعض أفراد عائلته متعثر. فللتعثر المدرسي وجوه عدة. وللمناسبة،أعدّ طلاب كلية العلوم التربوية في جامعة القديس يوسف بحوثاً إجرائية تناولت الموضوع من زاوية جديدة وكانت بإشراف الدكتور سمير حويك الأستاذ الباحث في كلية العلوم التربوية في الجامعة والمشرف على البحث الإجرائي عن معالجة التعثر المدرسي. على أن المشكلة لا تدخل في قائمة التلامذة الذين يعانون صعوبات تعليمية أو إضطربات سلوكية ونفسية بل هي تقارب واقع التلميذ "المتعثر". إن هذا النوع من التعثر يقلق الأوساط التربوية المحلية ويفرض على أهل الإختصاص دراسة الواقع ومرتجاه، واقتراح الحلول والعلاج، إذ لا تملك الجهات الرسمية إحصاءات عن نسبة التسرب المدرسي، فكيف بالتعثر المدرسي في لبنان كما قال لنا المدير العام للتربية فادي يرق. لكنه يؤكد أن هذا الموضوع أصبح في غاية الأهمية لأن المعلومات المتوافرة تشير إلى أن التعثر المدرسي الى إرتفاع ملحوظ في المرحلة الإبتدائية، أي الحلقة الأولى من التعليم الأساسي". ويستعيد يرق بعض فصول كلمته التي ألقاها في الورشة التي نظمتها الكلية للمناسبة، مشيراً إلى أن قاعدة المعلومات تبرز أن نسبة التعثر في لبنان مرتفعة في المرحلة الإبتدائية. ويلفت الى أن الإقبال على التسجيل يتراجع نسبياً في الحلقتين الأولى والثالثة في مرحلة التعليم الأساسي، ويصل إلى تراجع أكبر في الحلقة الثالثة بسبب واقع التعثر المدرسي. وعليه، تطلق الوزارة، كما قال، مشروع إصدار بطاقة تعريف عن التلميذ، وهي وسيلة لرصد معلومات عنه وعن وضعه التربوي. كما أكد "أننا أقرينا خطة عمل للدعم المدرسي في صفوف الحلقة الأولى بهدف ضبط "إيقاع" التعثر المدرسي". وقال: "المشروع يأتي كهبة من الإتحاد الأوروبي وهدفه جمع المعلومات عن نتائج التلامذة في الصف الرابع ووضع آلية للدعم، تربوية وإدارية وتدريبية". وتابع قائلاً: "البرنامج يأتي للحد من التعثر، وتشرف عليه لجنة مسؤولة وهي تعد دورات متخصصة للتلامذة الذين يعانون ضعفاً تربوياً في متابعة مواد اللغات والعلوم والرياضيات". من جهته، يحدد الأستاذ الباحث في كلية العلوم التربوية في جامعة القديس يوسف والمشرف على البحث الإجرائي عن معالجة التعثر المدرسي الدكتور سمير حويك في حديث لـ"النهار" سمات التلامذة المتعثرين، وهم من الذين يواجهون صعوبات مدرسية تعود الى حرمان عاطفي أو الى تعرضهم للإهانة أو لوضعهم في مكان واحد مع أحد الأخوة أو الأقارب. كما اعتبر أن الأسباب الموجبة تعود الى حصر علاقة التلميذ "المتعثر" في المنزل مع الخادمة أو غياب أي تعامل مع محيط التلميذ، أي المدرسة أو العائلة كقيمة في حد ذاتها أو كإنسان. كما أن البعض منهم يعانون عاهة جسدية أو نفسية، أو يتصرف التلميذ بشيء من الأنوثة أو تتمسك الفتاة بخشونة لافتة تجعلها عرضة لإنتقاد لاذع في المدرسة وخارجها.من جهة اخرى، اعتبر حويك أن نتائج هذه الدراسة تدخل ضمن إطار البحث الإجرائي وأهميته، لأنه ينطلق من حاجات المجتمع. ويشير في هذا السياق إلى أن عميدة الكلية الدكتورة ندى مغيزل نصر والإداريين فيها أقروا سياسة رئيسة تكمن في إعداد دراسات بحثية تلبي حاجات مجتمعنا. وتحدث عن أهمية الأبحاث الإجرائية التي تهدف إلى تحسين الواقع التربوي.توقف عند القيمة المضافة للبحوث الإجرائية، وقال: "يواصل ستة طلاب من كليتنا مع 21 أستاذاً متطوعاً في أربع مدارس خاصة، حيث إختار كل أستاذ مرافقة تلميذ وتخصيص وقت له ليشعر أنه مميز وغير منبوذ. فما قمنا به يتعدى أهمية تلقي المعلومات، بل يصب في خانة تنمية الكفايات عند الجسم التعليمي، إنطلاقاً من معرفتنا للواقع". وأضاف: "إن مشروع تمهين المعلمين يهدف إلى صقل مهاراتهم ليتفاعلوا مع التلامذة المتعثرين".وأوضح: "إن الخطة التربوية التي رافقت إعادة الإعتبار للولد المتعثر في المدرسة قضت بإعادة الثقة والتركيز عليها بالذات، وعكست صورة جميلة عن التلميذ. فقد رافق أحد المعلمين تلميذاً في دروس خاصة عززت مكانته ورافقهما في التجربة التربوية تلميذ متفوق من الصف نفسه". وتابع قائلاً: "عمل التلميذان معاً جنباً إلى جنب مع المعلم ليدرك المتعثر بعد التجربة أنه قادر على أن يتفوق بعدما تغيرت نظرته إلى ذاته وتعرف على مهاراته". ورأى حويك أن "نتائج تحصيل المتعثرين تغيرت وأعطوا بعد هذه التجربة أفضل ما لديهم ونالوا علامات مدهشة".وخلص إلى إعتبار "أننا بنينا علاقة صداقة بين التلميذ والمدرسة، والفضل يعود إلى الدورات التدريبية التي خضع إليها الجسم التعليمي للتمرس من خلال صقل مهارات تعليمية للمتعثرين. وتتابع المسيرة التربوية في أيلول المقبل مع دورات تدريبية لإنقاذ مستقبل متعثرين جدد وإطلاقهم نحو حياة أكثر إنتاجية(النهار26 آب2011)