مع انتهاء كلّ عام دراسي، يرفع متخرّجو قضاء الكورة، من ثانويين وجامعيين، قبعات التخرّج، لـ«يطيروا» برفقتها إلى أبعد من سماء لبنان، باتجاه دول الخليج أو إلى ما وراء البحار. ترتسم أسئلة عديدة في عيون أولياء أمور الطلبة، كما خطّت فوق لافتات زيّنت مسرح واحدة من المدارس في حفل تخريج طلابها: «حنبقى هون؟»، و«أين فرص العمل؟»، و«نحن الشباب لنا الغد»...
تتجاذب الكورة اليوم مشكلتان، الأولى يعيشها الأهل إذ يرهنون الأرزاق ويبيعون الممتلكات وشجرات الزيتون، كي ينهي أولادهم التحصيل العلمي، فما ان تكاد أزمتهم المالية تصل الى خواتيمها، حتى تصيبهم أزمة جديدة: «خسارة الأولاد نتيجة توجههم الى سوق العمل في بلاد الاغتراب، بعد تقديم طلبات عمل لا تعد ولا تحصى في لبنان.. وانتظار الردود.. وتعب أعصاب»، بحسب ما يقول جوزيف منصور، وهو والد لشابين وفتاة.
أما الأزمة الثانية فيعيشها المتخرجون ما ان يضحوا على تماس مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، حتى تخفت حماستهم في لحظة ولادتها، نتيجة فقدان فرص العمل، وتدنّي الرواتب والأجور، وغياب التخطيط المنهجي، وتراجع الدور الحكومي كراع رئيسي ومباشر... وتلك هي الحال التي تعيشها الدكتورة أمل النجار، التي حصلت على شهادة الدكتوراه في علم الكيمياء من فرنسا منذ أكثر من سنة، ولم تجد بعد فرصة عمل، على الرغم من كفاءتها وصبرها وتصميمها على البقاء في وطنها.. ولكن، إلى متى؟
ونتيجة الواقع المذكور، الذي ينسحب على معظم أقضية لبنان، خلت غالبية القرى في قضاء الكورة من شبابها وشاباتها، وأقفلت بعض البيوت أبوابها، خاصة في بلدات بترومين وبطرام وبشمزين وفيع واميون وكفرحزير وأنفه، ولم يبق في بعضها إلا المسنون، ومن لم تسمح لهم ظروفهم بالهجرة.
ويشرح الباحث في شؤون الهجرة العلمية الدكتور الياس زين ان «السبب الرئيسي يعود إلى فشل مشاريع التنمية وخططها، فالتنمية تتقدّم عندما يحقق البلد مستوى من الإنمــــاء الشامل أو الكامل أو المتوازن. والحل الوحـــيد لتأمين فرص عمل لمتخرجي الجامـــعات وسواهم في بلدهم للحد من هجرتهم، يكون بالاســــتثمار في مشاريع إنمائية وتنفيذها بطـــريقة عملية وعلمية، كـــما تفعل البلدان المتــقدمة في العالم».
يـــذكر أن الكورة تحوّلت، خلال العقدين الأخـــيرين، إلى واحـــة مدارس، استهلّت بافتتاح ثانـــويات رسمية، تلــــتها فروع الكثـــير من المدارس الخاصة والمعـــاهد المهنية، ففروع الجـــامعات المرموقة التي فاق عددها العشر.(السفير18آب2011)