يشتمّ، اليوم، المتعاقدون بالتراضي وبالفاتورة في المركز التربوي للبحوث والإنماء، رائحة تهريب عدد منهم بالطريقة نفسها التي اعتمدت لتحويل 14 شخصاً من التعاقد بالتراضي إلى التعاقد السنوي
هي حكاية126 متعاقداً بالتراضي وعاملاً على أساس الأجر اليومي وبالفاتورة في المركز التربوي للبحوث والإنماء التابع لوزارة التربية. يحمل هؤلاء بطاقة الضمان الاجتماعي، ولا يطبّق عليهم قانون العمل، يستفيدون من الاستشفاء والمعاينة الطبية، ويحرمون إجازة الأمومة والإجازتين السنوية والمرضية، رغم مرور 16 سنة على بداية الحكاية.
درب النضال بدأ عندما راح المتعاقدون يراجعون إدارتهم بشأن حقهم في الاستقرار الوظيفي عبر تحويل العقود بالتراضي وبالفاتورة إلى عقود سنوية، أسوة بغيرهم من موظفي المركز الذين هم بالمناسبة متعاقدون بغالبيتهم العظمى، ما عدا ثلاثة منهم فقط موجودين في الملاك. والمفارقة أن البعض شارف على التقاعد ولا يزال متعاقداً بالتراضي.
يومها، جرت محاولات لتقويض التحرك تحت حجة «ما تحكوا بيفلِّلوكم». لكن لو كان صحيحاً أنّ الدولة ليست بحاجة إلى طاقات هؤلاء المتعاقدين لاستغنت عنهم منذ اليوم الأول، أو هذا على الأقل ما يعتقدونه هم «لماذا ستنتظر الدولة 16 سنة لتقول إنّها تريدنا أو لا تريدنا؟». وحده وزير التربية آنذاك عبد الرحيم مراد طلب في أيار 2001 استشارة من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل بشأن مدى قانونية إفادة العاملين بالفاتورة والمتعاقدين رضائياً ويؤمنون دواماً كاملاً في المركز التربوي ودور المعلمين من الإجازات الإدارية والمرضية التي يستفيد منها الأجراء. الاستشارة أفادت أنّ حالة هؤلاء أجراء لدى الإدارات التي يعملون فيها، وبالتالي وجب إخضاعهم لنظام الأجراء.
لكن الاستشارة نامت في الأدراج، وساد الصمت طويلاً إلى أن «كمشناهم في بيت الياك»، على حد تعبير المتعاقدين. كان ذلك في تموز 2010 حين رفعت رئيسة المركز التربوي د. ليلى مليحة فياض كتاباً إلى وزير التربية آنذاك د. حسن منيمنة، بإيعاز من الوزارة نفسها، كما يقول المتعاقدون، يضم 14 اسماً فقط اختيروا بصورة استنسابية ومن كل الطوائف. يطلب الكتاب الإجازة للمركز التربوي تحويل عقود المتعاقدين رضائياً إلى عقود عادية لمتابعة تنفيذ مشاريع المكننة والمعلوماتية في المركز. ومن الأسباب الموجبة التي يسوقها الكتاب أن لكلّ من المتعاقدين الـ14 المبينة أسماؤهم في الجدول المرفق له، مهمته المحددة في مشاريع المركز ويؤمن دوامه بصورة طبيعية ويخضع للإجراءات الإدارية المطبقة في المؤسسة. والأهم أن تحويل المتعاقدين رضائياً المعنيين في الكتاب بالشروط ذاتها إلى متعاقدين عاديين لا يرتب أي أعباء مالية إضافية إلى المركز. «لكن هذه هي حال الـ112 الباقين!»، يجزم المتعاقدون.
بدوره، رفع منيمنة كتاباً إلى رئاسة مجلس الوزراء استند فيه إلى كتاب المركز التربوي وأمل عرضه على المجلس، مع الاقتراح بأن يجيز للمركز تحويل العقود بالتراضي العائدة لـ14 متعاقداً معه، مبيّنة أسماءهم ومهمّاتهم في اللائحة المرفقة بكتابه إلى عقود عادية من دون أي تغيير في الشروط المالية. الكتاب ردّه الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي لاستطلاع رأي كل من وزارة المال ومجلس الخدمة المدنية بشأنه، والإعادة تمهيداً لإعطاء الموضوع مجراه القانوني.
لكن المتعاقدين الباقين كانوا بالمرصاد، وحالفهم الحظ بأن علموا بالـ«التهريبة» في اللحظة نفسها التي عاد فيها الكتاب إلى المركز التربوي في 14 آب 2010. يومها، تداعى المتعاقدون إلى اجتماع في الطبقة الأولى من مبنى المركز في الدكوانة لوضع خطة تحرك. وهنا يروي هؤلاء كيف ساد التخبط صفوف المسؤولين في المركز التربوي. الاجتماع انتهى بتأليف لجنة بدأت جولة واسعة من الاتصالات مع الفعاليات السياسية (90 % من أعضاء مجلس الوزراء)، لكن اللجنة راجعت بصورة خاصة المرجعيات المسيحية لكون الملف مسيحياً إذا صح التعبير (65% مسيحيون و25 % مسلمون و10 % دروز). يؤكد المتعاقدون أن الجميع أعطانا الحق على قاعدة «إما أن يمر كل الموظفين أو لا يمر أحد».
هكذا، سقط المشروع، فيما تابعت اللجنة نضالها للحصول على حقوق من تمثلهم. وعندما راجع المتعاقدون فياض بشأن الإجازات، نقلوا عنها قولها آنذاك «أنا مضغوط علي وليراجع كل شخص مرجعيته». وعندما كبرت القصة، يقولون إنها عمدت إلى الضغط على الموظفين عبر إصدار قرارات شفهية، ومنها منع أي موظف من الخروج من مكتبه إلّا بإذن من رئيس المركز. وعندما حاول المتعاقدون أن يقولوا للرئيسة إنهم موظفون في المركز ولا أحد يحارب المكان الذي يأكل منه، قالت لهم اذهبوا إلى وزير العمل وخذوا معكم محامية المركز. وهكذا صار، إذ طلب المتعاقدون من وزير العمل آنذاك بطرس حرب الاستفادة من الإجازة السنوية والإجازة المرضية وإجازة الأمومة، واستشارة قسم الشؤون القانونية والوصاية في الوزارة. وأظهرت الاستشارة التي وقعها رئيس القسم عادل ذبيان «أنّه من خلال ممارسة العمل تطبق على المتعاقدين رضائياً والعاملين على أساس الأجر اليومي وبالفاتورة أحكام الفقرة الأولى من المادة 624 من قانون الموجبات والعقود، ولا يعدّ العقد صفقة تقنية لكون الذين يقدمونها أناساً يترتب لهم حقوق. وإذا كان العقد شرعة المتعاقدين، فهذا لا يعني حرمان هؤلاء بعض الحقوق التي كرّستها الأنظمة، وعلى سبيل المثال الإجازات، لأنهم وفق أحكام المادة التاسعة من قانون الضمان الاجتماعي أجراء لبنانيون، وإن تعدّدت صفة العقد أو العمل، وأن المركز قام بما يترتب عليه في هذا الشأن ألا هو التصريح للضمان، يبقى حفظ حقوق هؤلاء بعقود أو بتنظيم يضمن لهم الحقوق التي أقرتها أنظمة الأجراء والمستخدمين والمتعاقدين في المؤسسات العامة».
وبناءً على نتائج هذه الاستشارة، طلبت اللجنة من حرب التدخل لإنصافهم ومساعدتهم على الحصول على حقوقهم بمخاطبته المباشرة لوزير التربية من جهة، والمركز التربوي للبحوث والإنماء من جهة ثانية، وإبلاغهما مضمون هذه الاستشارة، والطلب إليهما عبر توصية ملزمة تطبيق القوانين المرعية الإجراء. وهكذا كان، إذ رفع حرب كتابين جاء فيهما «بما أنّ لجنة المتابعة لأوضاع المتعاقدين رضائياً قد تقدمت بطلب استشارة قانونية من وزارة العمل بتاريخ 5 /11 /2010 من قبل رئيس قسم الشؤون القانونية والوصاية في وزارة العمل، نبلغكم هذه الاستشارة، آملين منكم الأخذ بمضمونها، والعمل على تسوية أوضاع الأشخاص المتعاقدين العاملين لدى المركز التربوي، وذلك استناداً إلى القوانين والأنظمة المرعية الإجراء». منيمنة رفع الكتاب بدوره إلى المركز التربوي للاطلاع وأخذ العلم وإجراء المقتضى، لكن المتعاقدين ينتظرون إجراء المقتضى منذ 8 أشهر، بل «إنّ فياض وعدتنا بدرجتين مع بداية عام 2011 وعلى الوعد يا كمون». يذكّر المتعاقدين بأنّ ملفهم ليس سياسياً، فهم ليسوا منتمين إلى أي حزب، هويتهم لبنانية ومكوّنين من كل الطوائف.
ملف المتعاقدين بيد الوزير الجديد
رفضت رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء د. ليلى مليحة فياض الإدلاء بأي تصريح بشأن قضية المتعاقدين رضائياً وبالفاتورة، وطلبت التريّث واكتفت بالقول: «الملف بيد وزير التربية، فلننتظر ماذا سيجري». وكانت فياض قد أصدرت تعميماً جاء فيه: «من خلال مراقبة سير العمل في مختلف مشاريع المركز تبين في الفترة الأخيرة أنّ بعض العاملين بموجب عقود رضائية، أو العاملين بموجب فاتورة أو حجز مالي يتقدمون بتقارير طبية بصورة متكررة. وحيث إنّ القوانين والأنظمة المرعية الإجراء لا تجيز لأصحاب العلاقة الاستفادة من إجازات صحية. يهم رئاسة المركز تذكير المعنيين بالأمر بما يلي: أولاً: يتعذّر قبول التقارير الطبية المقدمة من قبل العاملين بموجب عقود رضائية، أو بموجب فاتورة أو بموجب حجوزات إجمالية بسبب عدم إمكانية إفادتهم من إجازات صحية، على أن تحسم فترة التغيّب بسبب التقارير الطبية مهما كان نوعها. ثانياً: يعود لرئيسة المركز تقدير الحالات الطارئة التي تستوجب الدخول إلى المستشفى واتخاذ ما يلزم بشأنها، مع التأكيد على ضرورة قيام المعنيين بهذا الأمر بالخدمات المطلوبة منهم تجاه المركز، وضمن المهل المحددة لذلك».(الأخبار 17 آب2011)