تسعى مبادرة فلسطينية جديدة، بدعم من الاتحاد الأوروبي، إلى تحسين نوعية حياة سكان المخيمات الفلسطينية في لبنان. فمن المعروف أن جزءاً من الأموال التي صُرفت في المخيمات الفلسطينية في لبنان على مدى السنوات العشرين الأخيرة لم تظهر آثارها التراكمية بشكل واضح. فالمشكلات كانت تتفاقم، والحاجات الإنسانية تزداد، بينما لم تتحسن الأمور بالمقدار الكافي. ولعل جانباً من الأسباب يعود إلى أن كثيراً من الأموال تدفقت من الجهات المانحة إلى المخيمات الفلسطينية، بصورة الإحسان أو الدعم، ولم تصب إيجابياً في مشروعات حيوية متكاملة يقررها الفلسطينيون بإرادتهم الحرة والواعية وبحسب أولوياتهم.
وعلاوة على ذلك، يلاحظ المعنيون بالشأن الفلسطيني في لبنان أن هناك أموالاً تُنفق في الوسط الفلسطيني على أمور مهمة ربما، لكنها ليست من أولويات الناس، ولا تُلمس آثارها في المجتمع الفلسطيني في معظم الحالات. فهذه الأمور تندرج في مجرى تعميم مفاهيم تكاد تتنافر، ولو جزئياً، مع المصالح الحيوية للشعب الفلسطيني مثل تمويل ورش عمل لدراسة «حل النزاعات» مثلاً أو «بناء تصورات لعملية التسوية»، أو «ثقافة التسامح»... الخ. لكن المجتمع الفلسطيني في لبنان لديه أسئلة كثيرة ولجوجة، ومع ان الإجابات كثيرة، إلا أن الخطوات العملية نحو حلها محدودة جداً. ومن هذه الأسئلة:
ـ ما هي المشاريع التي تحتاج إليها المخيمات الفلسطينية؟ وكيف يمكن ترتيب هذه المشاريع بحسب الأولويات؟
ـ ما هي المشكلات التي تواجه تنفيذ المشاريع الخدماتية؟
ـ كيف يمكن تحسين عمل اللجان الشعبية كي تتمكن من القيام بوظائفها الإدارية؟
ـ هل ثمة إمكانية لربط المخيمات حضرياً مع الجوار الجغرافي اللبناني؟
ـ كيف يمكن تحسين الإدارة في المخيمات ومشروعيتها لتقديم خدمات أفضل تلبي حاجات سكان المخيمات؟
اللجنة الفلسطينية للدعم التقني
إن هذه الأسئلة، وأخرى كثيرة غيرها، حفزت فكرة تأسيس لجنة فلسطينية تقنية من شأنها السعي والبحث ثم العمل في سبيل إيجاد نقطة ارتكاز جديدة يمكن الانطلاق منها لمعالجة بعض المشكلات المتفاقمة في المخيمات الفلسطينية. ونتيجة حوارات مطولة، أمكن الحصول على اعتراف من الرئيس الأسبق للجنة الحوار السفير خليل مكاوي بأن اللجان الشعبية الفلسطينية هي في منزلة الإدارة المحلية الشرعية للمخيمات. ما يعني، بديهياً، أن هذه اللجان صار في إمكانها ممارسة جوانب من عملها بالتنسيق مع البلديات اللبنانية المجاورة ومع المؤسسات الرسمية اللبنانية بصورة شرعية، وبحسب ما تقتضيه الأحوال.
لكن الأمور لم تجرِ على هذا المنوال تماماً. لذلك، راحت فكرة تأسيس لجنة دعم تقنية تتبلور أكثر فأكثر في أثناء إعادة إعمار مخيم نهر البارد. وفي خضم هذا الجدل، تألفت لجنة فلسطينية تحظى بالشرعية الرسمية من منظمة التحرير الفلسطينية هي «اللجنة الفلسطينية للدعم التقني» «Palestinian Technical Support committee» غايتها السعي لصوغ هذه المشروعات ولا سيما الضرورية منها، وتمكين اللجان الشعبية من الإشراف على تنفيذ هذه المشروعات. أما الهدف الأبعد فهو تحويل المجتمع الفلسطيني، بقدر الإمكان، من مجتمع يتلقى المساعدات الدولية بصورة إتكالية إلى مجتمع يبادر أفراده إلى دراسة مشكلاتهم والتفتيش عن حلول لها. بمعنى آخر، ان يتم تحفيز فكرة المجتمع المنتج والمتحرك، وعدم قبول صورة المجتمع الراكد والمتلقي.
إن هذه الخطة المنشودة تعني، في بعض وجوهها، أن الفلسطينيين في لبنان يتجهون، لأول مرة، إلى تقرير حاجاتهم الحيوية بأنفسهم، وما عادوا ينتظرون الجهات المانحة لتقرر عنهم ما هي المشروعات الضرورية لهم، وكيفية التنفيذ، ومن هم الذين سيشرفون على التنفيذ. فاللجنة تصر على أن تكون اللجنة الشعبية في كل مخيم هي المشرفة على إدارة أي مشروع. ولا ريب في أن تحسين الإدارة في داخل أي مخيم يشكل المقدمة التي لا بد من إتمامها قبل تنفيذ المشاريع، فضلاً عن ان تحسين العلاقة بين اللجان الشعبية والسكان وتوطيد الثقة بين الجهتين من شأنهما تكريس مشروعية اللجان الشعبية، وهو الأمر الذي سيؤدي تلقائياً إلى إرساء التشاركية التفاعلية بين اللجان الشعبية والسكان، وإلى تحسين التواصل مع الجهات المعنية الرسمية اللبنانية. وفي أي حال، فإن الغاية الجوهرية لهذه الخطة هي تحسين الأوضاع في المخيمات، وتقليص المشكلات، ودعم اللجان الشعبية كي تتمكن من القيام بأعباء الإدارة الرشيدة، وتنمية قدرات هذه اللجان في المجالات المختلفة الإدارية والتقنية والمعرفية، بالإضافة إلى تحديث آليات لإدارة المخيم من خلال منهج تشاركي مع الأطراف المعنية من جهات مانحة وفصائل ولجان ومؤسسات... إلخ.
الخطة
تبدأ الخطة ببرنامج مدته ثلاثة أشهر ينتهي بإعداد تقرير شامل يتضمن الحاجات الحيوية للفلسطينيين بالتفصيل. وهذا التقرير عبارة عن مخطط توجيهي يتضمن وصفاً عملياً لبعض المشروعات الضرورية في الميادين المختلفة مثل البيئة، والصحة، والخدمات كالكهرباء والماء، والتعليم والتدريب... الخ. ولهذه الغاية جرى تشكيل فرق محلية في المخيمات مهمتها إجراء سلسلة من الاستشارات لتحديد الحاجات الملحة للسكان، علاوة على التعرف إلى الناشطين في المخيمات كي يتسنى لاحقاً اختيار الأفضل من بين هؤلاء لتنفيذ المشاريع المقترحة. وستدير اللجنة الأساسية حوارات متعددة، وستعقد ورش عمل في كافة المخيمات (12 ورشة) بمشاركة الاتحادات والروابط الأهلية والنوادي الثقافية والرياضية والجمعيات الأهلية والأونروا وجمعيات حقوق الإنسان والمنظمات السياسية والوجهاء وغيرهم من الفعاليات، كي يتمكن الجميع من تحديد الحاجات الحيوية للمخيمات والطريقة الفضلى لتلبيتها كمجتمع، وتحديد الشركاء المحتملين. وستتسع دائرة الحوارات لتشمل البلديات اللبنانية المجاورة حيثما تقتضي ضرورة العمل. وسيصدر عن اللجنة مقترحات للدعم التقني للجان الشعبية ومقترحات لبناء خطة طويلة الأجل لدعم المخيمات في لبنان، الأمر الذي سيضع بين أيدي المسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية، فضلاً عن الأونروا ولجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني وبقية المعنيين، أداة تفصيلية لحاجات المخيمات. ومن شأن ذلك ان يزيد فرص وإمكانيات الحصول على التمويل اللازم للمشروعات المقترحة من المجتمع الدولي. ومـــهما يكن الأمر، فهذا الجهـــد ربما يبني جسراً للشراكة الفاعلة بين جميع المعنيين بأحوال المجتمع الفلسطيني.
لقد انطلقت أعمال اللجنة الفلسطينية للدعم التقني بحيوية وجرى تأليف الفرق المسحية، وبدأت حواراتها مع اللجان الشعبية الفلسطينية، وهي في طريقها لإنجاز جدول أعمالها تباعاً.(السفير 26آب2011)