«هل سترتفع أجورنا؟» عبارة أصبحت على ألسنة اللبنانيين منذ أن بدأت ولاية الحكومة الجديدة، ومنذ أن أعلن أن وزير العمل سيكون شربل نحاس. فالأجور لم تشهد أي تصحيح فعلي منذ 15 عاماً، باستثناء الزيادة المقطوعة وزيادة الحد الأدنى 200 ألف ليرة منذ ثلاث سنوات، الزيادة التي لم ترتق الى مصاف «التصحيح» ولم تتجاوز مستوى «الإسكات
مبدأ تصحيح الأجور قائم على نحو جدّي، والبحث الآن يطال آلية الوصول الى أرقام موحدة بين دفق الدراسات القائمة، وصولاً الى تحديد واضح لحجم التضخم، الذي على أساسه ستعلن لجنة المؤشر الخطوة الأولى لتحقيق تصحيح الأجور. إنها بشارة مؤكدة من وزير العمل شربل نحاس. الأخير شدد في حديث مع «الأخبار» على أنه يعمل بمواظبة على تجميع الأرقام التي تطال التضخم وستتم مقارنة دراسات شركات الأبحاث الخاصة وأرقام مديرية الإحصاء المركزي، وصولاً الى قاعدة موحدة وموثوقة للمعلومات، لتعتمد كمرتكز أساسي لتحديد نسبة غلاء المعيشة.
والرقم الموحد والعلمي الذي ستعلنه اللجنة سينتقل الى طاولة مجلس الوزراء، حيث سيتم بحث تحديد الزيادة على الحد الأدنى للأجور وتصحيح الأجور في لجنة مصغرة. هذه اللجنة وافق رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي على تشكيلها، وأعلن ذلك أمام وفد من الاتحاد العمالي العام، بحيث ستكون برئاسته، بعدما اعتبر أن مستوى الأجور في لبنان منخفض فعلاً، وأنه لا بد من بدء العمل على تصحيحه.
أما الهيئات الاقتصادية، فانقسمت بين: «نعم» و«كلا» لتصحيح الأجور؛ فجزء رأى أن زيادة الأجور انتحار، وجزء آخر اشترط أن تأتي الزيادة في سلة متكاملة لزيادة القدرة الشرائية للمواطنين، مع زيادة القدرة الإنتاجية للمؤسسات وشركات القطاع الخاص. فلنقرأ المواقف.
منذ عام 1996، لم يشهد لبنان أي تصحيح للأجور، باستثناء الزيادة المقطوعة التي أعطيت للقطاعين العام والخاص في عام 2008 بواقع 200 ألف ليرة على الرواتب والأجور، ورفع الحد الأدنى من 300 ألف ليرة إلى 500 ألف ليرة. وبالتالي فإن معدلات التضخم تتراكم منذ 15 عاماً من دون معالجة تأثيراتها على انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين. وقد شهدت أروقة مجلس الوزراء ومكاتب وزارة العمل محاولات عديدة لتصحيح الأجور، وغالباً ما كانت تجهض، وغالباً كذلك ما يكون سبب موت هذا المشروع نذر قطعته الحكومات اللبنانية بعدم إغضاب أصحاب العمل. الآن ماذا؟ بالطبع لم تتغير تركيبة المجتمع اللبناني. لا يزال أصحاب العمل هم الأقوى. إلا أن انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين أصبحت فضيحة فعلية، وإصرار نحاس على إجراء تصحيح للأجور خلق دينامية لدى الهيئات الاقتصادية للبدء بإعلان الموافقة على التصحيح مع بحث لخيارات تعويضهم. خيارات يجدها البعض في سير نحاس بتمويل مشروع الضمان الشامل من الضريبة على الربح العقاري، ما يخفف على أصحاب العمل إنفاقهم على اشتراكات الضمان، في مقابل الموافقة على تصحيح الأجور.
ويشير رئيس الاتحاد العمالي العام، غسان غصن، الى أن ميقاتي أكد خلال لقائه مع الاتحاد على أهمية انطلاق عمل لجنة المؤشر. ولفت ميقاتي الى أنه سيعمل على تشكيل لجنة وزارية برئاسته، إضافة الى درس زيادة بدل النقل «وكان مطلبنا مضاعفته من 8 آلاف الى 16 ألف ليرة»، وزيادة منح التعليم المدرسية والجامعية.
ويشرح غصن أن هذا الاجتماع حصل منذ أسبوعين، وقد لحقه تواصل مع نحاس ووزير الاقتصاد نقولا نحاس لتثبيت قرار التصحيح. أما الحد الأدنى للأجور المطروح من قبل الاتحاد فهو مليون و250 ألف ليرة، وذلك وفق نسبة تضخم تراكمية منذ عام 1996 وصلت الى ما بين 110 و120 في المئة. أما التصحيح على الأجور، فهو وفق اقتراح الاتحاد سيتألف من زيادة نسبتها 60 في المئة على الشطر الأول، و30 في المئة على الشطر الثاني، وأقل من 20 في المئة على الشطر الثالث.
إلا أن هذه الأرقام محط تباين واختلاف مع الهيئات الاقتصادية، وتلفت مصادر مطلعة الى أن الخلاف ما بين العمال وأصحاب العمل سينسحب على اجتماعات لجنة المؤشر، وأن طرح رقم مليون و250 ألف ليرة للحد الأدنى للأجور مع التصحيحات المرافقة لن ينال موافقة أصحاب العمل.
وتلفت المصادر الى أن الرقم التقريبي للحد الأدنى للأجور الذي سيوافَق على بحثه يراوح بين 800 و900 ألف ليرة. ومن جهة أخرى تشير مصادر بحثية الى أن نسبة التضخم منذ عام 1996 حتى اليوم (وضمنها الزيادة المقطوعة ورفع الحد الأدنى في عام 2008) وصلت الى 100 في المئة، وأن هذه النسبة هي الانطلاقة العادلة للبحث في قيمة تصحيح الأجور. على أي حال، يعتبر غصن أن مجلس الوزراء سيكون هو الحكم في موضوع التباين بين العمال وأصحاب العمل، ومن هنا تأتي أهمية الإسراع في تشكيل اللجنة الوزارية، التي سيكون من مهماتها التقريب في وجهات النظر. ويلفت غصن الى أن الكهرباء والتعيينات الإدارية ليست أكثر أهمية من موضوع الأجور الذي سينعكس كذلك على كل اللبنانيين وسيحرك عجلة الاقتصاد مع زيادة القدرة الشرائية للمواطنين.
بالطبع، تختلف مقاربة هذا الموضوع بين العمال وأصحاب العمل، فرئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس (وهو عضو في الهيئات الاقتصادية) يشير الى أن الهيئات متوافقة على فكرة زيادة القدرة الشرائية للمواطنين. ويشرح أن زيادة القدرة الشرائية تتم تحت شعار تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية الذي أتى على ذكره البيان الوزاري للحكومة. ويقصد شماس بـ«العدالة الاقتصادية» إعادة العافية الاقتصادية لمؤسسات القطاع الخاص عبر إرساء بيئة مؤاتية للنمو الاقتصادي. ويعتبر أن العدالة الاقتصادية هي مدخل إلزامي للعدالة الاجتماعية.
ووفق شماس، فإن مبدأ تصحيح الأجور مقبول (بالنسبة إلى الجمعية)، لكن ضمن سلة متكاملة من التدابير لتحسين القدرة الشرائية، ومنها تفعيل الضمان الاجتماعي من خلال إعادة الملاءة الى الصناديق الثلاثة للضمان، وتبني النقل المشترك، وتحسين أداء المدرسة الرسمية. إذ إن الإنفاق على الاستشفاء والنقل والمدارس يرتّب أعباء كثيرة على ميزانية الأسر.
إلا أن شماس يرى أن الأرقام المطروحة من قبل العمال ليست منطقية، أي الانتقال بالحد الأدنى للأجور من 500 ألف ليرة الى مليون و250 ألف ليرة، بما يعني زيادة 150 في المئة على الحد الأدنى. ويلفت الى أن أي زيادة غير مدروسة تؤدي الى تضخم حتمي. وقال: «نعم لمشاركة فرقاء الإنتاج في لجنة المؤشر أو لجان أخرى توجد لهذا الغرض، لكن علينا مقارعة الحجة العلمية بحجة علمية».
333 دولاراً
هو الحد الأدنى للأجور المعمول به منذ عام 2008 بعدما ارتفع 200 ألف ليرة. كذلك، أُقرَّت زيادة مقطوعة على أجور الموظفين في القطاعين العام والخاص بواقع 200 ألف ليرة
صراع داخلي؟
يبدو ان الهيئات الاقتصادية على متفقة على موقفها من تصحيح الاجور، ففيما أعلن رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس الموافقة على تصحيح الأجور ضمن سلة متكاملة بالتوازي مع تحقيق «عدالة اقتصادية» لمؤسسات القطاع الخاص، أعلن رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان محمد شقير رفضه المطلق لـ«زيادة الأجور»، مشيراً إلى أن هذا الموضوع هو انتحار اقتصادي؛ لأن 90% من المؤسسات اللبنانية ستفلس أو ستصرف الموظفين، وأنه سيعقد اجتماع للهيئات الاقتصادية بعد عيد الفطر للخروج بموقف موحد. (الاخبار 25 آب 2011 )