تختلف حكاية مستشفى الرئيس الياس الهراوي الحكومي في زحلة، الحديث العهد، عن باقي المستشفيات العامة في لبنان، التي صار حال بعضها أشبه بالأماكن التراثية، في حين ان مستشفى الرئيس الياس الهراوي الحكومي يمتاز بالبناء الحديث والاجنحة والاقسام المتطورة، التي لا تختلف عن الأقسام الموجودة في بعض المستشفيات الخاصة المجاورة، التي تحظى باهتمام رسمي يفوق ذاك الذي يحصل عليه هذا المستشفى. وهو ما أدى إلى توليد عقبات مالية أعاقت، ولا تزال، عمل المستشفى، منذ عام 2008. ويتجلى ذلك في الحصار الذي يتعرض له من قبل كل من وزارة الصحة وبعض الجهات الضامنة، وذلك من خلال حجز الأموال المستحقة له. الأمر الذي وجد ترجمته العملية في العجز الدائم عن سداد أجور الموظفين، الذين ينتظرون رواتبهم منذ ثلاثة أشهر.
وأبصر المستشفى النور في اواخر عام 2007 بعد طول انتظار من بقاعيين كانوا ولا زالوا يحلمون منذ عقود باستشفاء رسمي يعينهم في حياتهم أو يومياتهم الاجتماعية المثخنة بالامراض والمرارة اليومية، التي يتكبدها ابناء القرى والبلدات البقاعية، العالقون بين فكي كماشة الاستشفاء الخاص المكلف من جهة، والاستشفاء الرسمي المتعثر، من جهة ثانية.
إذ بعد تسع سنوات من التأخير، خرج مستشفى الرئيس الياس الهراوي الحكومي الى النور، وأقيم آنذاك احتفال ضخم تخللته مطولات شعرية ونثرية تسابق عليها المتكلمون، حتى خيل لبعض أبناء البقاع أنهم في حلم، وان الاستشفاء الرسمي أضحى واقعاً حقيقياً ولم يعد سراباً على ما كان عليه الحال دائماً. لكن وغداة انقضاء أشهر قليلة فحسب، تبخرت هذه الاحلام في الهواء، ونفض البقاعيون عن وعيهم الأوهام التي كادت لوهلة تستحكم برؤوسهم. اذ الدولة وخدماتها لن يكون لهما «مرقد عنزة» في هذه المنطقة، وإذا وجدت هذه الخدمات، كما هي حال المستشفى الحكومي، فإن العقبات ستستمر بالتناسل بعضها من بعض، والعراقيل ستتواصل الى ما لا نهاية.
اما ابرز العراقيل التي تعترض مسيرة مستشفى الرئيس الياس الهراوي فيأتي في مقدمتها عدم التزام وزارة الصحة بوعودها وموجباتها المالية ازاء هذا المستشفى، مما انعكس على الواقع الصحي لأبناء البقاع الفقراء الذين يعجزون عن تحمل تكاليف الاستشفاء الخاص الباهظة.
وبقيت مجمل الأموال التي وعد بها مستشفى الرئيس الهراوي الحكومي حبراً على ورق ولا تزال ادارة المستشفى تنتظر أموالا مستحقة لها منذ أعوام طويلة، منها تنفيذ بنود المصالحة المالية مع وزارة الصحة التي قضت بإعطاء مستشفى الرئيس الياس الهراوي الحكومي مستحقاته المالية التي تبلغ مليارين ومئتين وستين مليون ليرة لبنانية، فلم يصل الى مالية المستشفى سوى ثمانمئة مليون ليرة، كما أن المساهمة التشغيلية التي تبلغ ثلاثة مليارات ليرة، لم يستلم منها المستشفى سوى مليار وسبعمئة مليون ليرة. هذه الحسومات المالية وعدم تنفيذ الوعود المالية تجاه المستشفى تسببت بعجز مالي، مما انعكس جمودا في الخدمات الطبية في المستشفى، التي دفع ثمنها أبناء البقاع المحتاجين الى الاستشفاء الرسمي في ظل غياب المؤسسات الضامنة والمؤسسات التجارية والاقتصادية التي تقدم الخدمات الصحية والطبية.
90 سريراً من أصل 144!
ويضم مستشفى الرئيس الياس الهراوي الحكومي 144 سريرا، لكن الإدارة لا تستطيع تشغيل أكثر من 60 سريرا، ما يعني العمل بنسبة لا تصل الى الخمسين في المئة من الطاقة التشغيلية للمستشفى، وهذا أقصى ما يمكن ان تقوم به الادارة في ظل الاموال المتوافرة وهي متدنية جدا، وذلك بموازاة كادر طبي ووظيفي لا يغطي ثلاثين في المئة من حاجة المستشفى. الواقع الحالي للمستشفى يشير الى وجود 84 سريرا لا تستطيع إدارة المستشفى تشغيلها بسبب العوائق المالية، في الوقت الذي يواجه فيه البقاعيون مشاكل جمة على ابواب بعض المستشفيات الخاصة التي تقنن الدخول الى غرفها، وتعاني نقصاً كبيراً في اسرتها، وخصوصا اذا كان المريض مسجلاً على عاتق وزارة الصحة أو بعض الجهات الضامنة الرسمية الأخرى. هذه المسيرة الطويلة من المعاناة مع العراقيل الصحية الرسمية ومآسي البقاعيين، ستكون على موعد قريب سيؤدي الى تفاقمها، لا سيما ان بوادرها باتت تلوح مع عجز مجلس الادارة عن دفع رواتب الموظفين الذين يبلغ عددهم حوالى 170 موظفاً. هذا في حين ان مجلس الادارة الذي يجهد للاستمرار بعمل هذا المستشفى، على الرغم من العقبات المالية، لا يطالب وفق رئيسه الدكتور ريمون خزاقة سوى بالإنصاف والاهتمام الرسمي بهذا الصرح البقاعي الذي من المقدر له فيما لو حلت المشاكل، المالية، ان يضاهي بخدماته الاستشفاء الخاص.
لكن، وبرغم كل العراقيل، وآخرها استمرار تأخر وصول المستحقات المالية العائدة للمستشفى من وزارة الصحة، والتي تبلغ اكثر من ثلاثة مليارات، عدا عقود المصالحة التي ينتظر الافراج عن اموالها منذ سنوات، رفع مجلس الادارة الطاقة التشغيلية للمستشفى الى حدود تسعين سريرا وعمل على فتح اقسام جديدة، منها غسيل الكلى، الى افتتاح عيادات جديدة متخصصة الى قسم التنظير المعوي والمصران الغليظ وتنظير القصبة الهوائية، الى قسم لتخطيط الجهد تابع لقسم القلب، الى تخطيط الدماغ وقسم لتفتيت الحصى.
كما يضم المستشفى عيادات ومراكز تصوير اشعة، والأهم جناح رعاية الام الحامل ومولودها، وهذا نتيجة تعاون بين وزارة الصحة والسفارة الايطالية، حيث تستفيد المرأة الحامل مقابل رسم مالي لا يتجاوز 20 الف ليرة، فضلاً عن رعاية من قبل اختصاصي ست مرات خلال فترة الحمل مع فحوصات مخبرية شاملة، تضاف اليها صورتان صوتيتان.
ألفا عملية جراحية
ويعمل هذا المشروع وفق خزاقة على تفادي الكثير من الوفيات ويسمح بمعالجة مبكرة للكثير من الحالات الطبية والصحية. سنوياً، يستقبل مستشفى الهراوي، اكثر من 6000 مريض مع اجراء اكثر من 2000 عملية جراحية في العيادات والاقسام، الى جانب استقبال اكثر من 36 الف مريض في العيادات والاقسام المختلفة من التصوير الشعاعي الى المختبرات.
هذا، ولا يطلب خزاقة اي سلفة مالية في الوقت الحالي، سوى الافراج عن المستحقات العائدة للمستشفى، والاهم عدم ربط مستشفى الرئيس الهراوي بأي سقف مالي من قبل وزارة الصحة، فالمطلوب والمنطقي ان يعمل هذا المستشفى بسقف مفتوح كونه مستشفى رسمياً .