دعمه خلال ست سنوات لم يلامس المئتي مليون ليرة تعطيل «مستشفى خربة قنافار» يحرم 200 ألف مواطن من خدماته

لم يشفع الواقع الأمني المؤلم، الذي عاشته منطقة البقاع الغربي في الربع الأخير من القرن الماضي، بفعل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وما نجم عنها من سقوط شهداء وجرحى ومعاقين، في لفت نظر الدولة اللبنانية الى الحاجة الإنسانية الملحة، لوجود مؤسسة صحية حكومية متخصصة تقوم بتقديم الخدمات الطبية لما يزيد على 200 ألف نسمة حرموا من العناية الرسمية بالكامل، بعد توقف العمل في مستشفى خربة قنافار الحكومي الوحيد، الذي لم يتعد دوره في أي مرحلة من مراحل تشغيله دور المستوصف القادر على إجراء بعض العمليات البسيطة جداً.
لكن المهزلة التي لا يستوعبها عقل، هي عملية التأهيل الجارية في مستشفى الخربة عن طريق الهبة المقدمة من الحكومة اليونانية، عبر عقد موقع مع مجلس الإنماء والإعمار، بحيث تستهدف حملة التأهيل هذه البنى التحتية من تمديدات صحية، ومراحيض ودورات المياه، واستبدال النوافذ والأبواب، لطابقين من أصل أربعة طوابق، خصوصاً ان هذه الدورات والتمديدات مرتبطة ارتباطاً جذرياً ببعضها البعض، فلا البنى القديمة صالحة للاستعمال، ولا المؤهلة منها يمكن استخدامها. أما المفارقة الأخطر فتكمن في إنشاء مبنى مؤلف من اربعة طوابق علوية، وطابقين سفليين في بلدة مشغرة على نفقة مجلس الجنوب، بهدف تحويله الى مستشفى حكومي قادر على تلبية الخدمات الصحية لأبناء هذه المنطقة، إلا ان هذا المبنى انجز عام 1997 وأقفلت ابوابه الداخلية والخارجية قبل أن يتم افتتاحه، وبات اليوم بحاجة لعملية ترميم وتأهيل واسعة النطاق في حال قررت الدولة وضع هذا المبنى على خارطة المستشفيات الحكومية في لبنان.
وبالعودة الى مستشفى خربة قنافار الحكومي فقد أنشئ في بداية الستينيات، بقدرة استيعابية تصل الى حدود الأربعين سريرا ً، وهو مبنى مؤلف من أربعة طوابق، وأضيف الى هذا المبنى مبنى مجاور، يستخدم منذ اكثر من عشر سنوات كمستوصف متقدم للجيش اللبناني، توقف المستشفى عن تقديم الخدمات الطبية عام 2002، لعدم توفر الإمكانيات المادية، وكانت ادارته قبل هذه المرحلة مؤلفة من لجنة دعم اهلية لمدة تراوحت بين خمس وست سنوات، مع ان هذا المستشفى وحتى في المراحل الزاهرة من عمله لم يتعد دوره أكثر من إجراء عمليات بسيطة كاستئصال الزائدة والمرارة وتقطيب بعض الجروح، وبنسبة تراوحت بين 30 الى 40 عملية في الشهر الواحد.
ظل المستشفى خاضعاً لإشراف الأخوات الراهبات، حتى عام 1998، حيث ادى التنازع على المسؤوليات بين الإدارات المتعاقبة والراهبات المشرفات الى إنهاء دور الإشراف للراهبات.
في أيار من عام 2005 شكلت وزارة الصحة مجلس إدارة لإدارة المستشفى تألف من الدكتور أنطوان فرحات رئيساً، والدكتور سعيد طربيه مفوضاً لدى الحكومة، والمهندس عمر زرزور عضواً.
مصادر مقربة من مجلس إدارة المستشفى ومطلعة على مجريات الأمور والواقع القائم فيه أكدت ان الهبة اليونانية المقدمة عبر مجلس الإنماء والإعمار لتأهيل البنى التحية لطابقين من اصل أربعة طوابق غير كافية، وحالة المستشفى تتطلب تأهيلاً كاملاً وناجزاً، وتجهيزاً حديثاً يتوافق مع المتطلبات والحاجات الفنية المتطورة، لافتة الى ان الهبة تستهدف تأهيل نصف المبنى وتجهيز غرفة عمليات وغرف المرضى وغرفة الأشعة والعيادات الطبية وتدريب الكادر البشري لاحقاً، على ان تستكمل وزارة الصحة عملية التأهيل للطوابق المتبقية، لكن وزارة الصحة تغاضت عن دورها وتنصلت من مسؤولياتها في استكمال عملية التأهيل والترميم وبقي الوضع على حاله، على الرغم من المراجعات والمذكرات التي تم تقديمها بهذا الصدد.
ووصفت المصادر عينها المبررات التي قدمتها وزارة الصحة بشأن استكمال عملية الترميم بعدم الوضوح، وبعدم الواقعية، وكأن هذه المبررات تأتي لغايات مبطنة، اقل ما يقال فيها هو إبقاء المستشفى على حاله (لامعلق ولا مطلق) على ما يقول المثل الشائع، وإلا لماذا تحرم الوزارة هذا المستشفى من الدعم المادي الكافي، على غرار دعمها للمستشفيات الأخرى في لبنان؟، وأكبر دليل على ذلك أن دعم المستشفى في خلال خمس او ست سنوات لم يلامس مبلغ المئتي مليون ليرة، بينما تتلقى بعض المستشفيات الحكومية مبالغ قد تصل الى المليار ليرة لبنانية سنوياً!
ولفتت المصادر الى ان اللجنة التي تتولى إدارة المستشفى تسعى مع وزير الصحة علي حسن خليل ونواب ووزراء وفعاليات المنطقة من اجل توفير الدعم المادي لاستكمال عمليات التأهيل في المستشفى وتأمين التجهيزات الفنية الحديثة والمتطورة، حتى يتمكن المستشفى من أخذ دوره الحقيقي في تأمين الخدمات الطبية للمواطنين، الذين يتكبدون المشقات، ويعانون في الانتقال من البقاع الغربي الى مستشفيات في البقاع او في بيروت ومناطق أخرى.
وأوضحت المصادر ان لجنة التلف في وزارة الصحة أخذت قراراً بتلف المعدات القديمة غير الصالحة للاستعمال في المستشفى، في حين ان المعدات المتبقية هي معدات بدائية لا يمكن الاستفادة منها في حال تشغيل المستشفى إلا بنسبة عشرين في المئة.
واستغربت هذه المصادر المفارقة القائمة في المستشفى، بحيث يتم تأهيل نصف البنى التحتية، ويترك النصف الباقي، وقالت: هل هذه الأمور منطقية؟، وهل يستوعبها عاقل؟ وتابعت من المخجل أن تصل الدولة الى هذا الدرك من التفكير، وهو أمر مضحك ومبك في آن، فلا البنى الجديدة يمكن استخدامها، ولا البنى القديمة صالحة، والأمور باتت تتطلب منجّماً قادراً على حل اللغز الذي تخفيه وزارة الصحة وراء الأكمة.
المواطنون: هل تريد
الحكومة تشغيل المستشفى حقاً؟
المواطن سليمان عزام (خربة قنافار) تساءل عن مصداقية الحكومة في إعادة تشغيل مستشفى الخربة، وهي تعمل على تأهيل نصف المبنى، وتترك النصف الباقي سائباً، واصفاً ما يحصل بالمهزلة، داعياً من بيدهم الأمر الى إعادة النظر بالموضوع وإيلائه الاهتمام الكافي، واستكمال ترميم المبنى بأكمله، ودعم المستشفى ماديا ً ومعنويا ً وفنيا ً، وتشغيله بقدرات طبية وتمريضية وإدارية كفوءة، خصوصاً انه المستشفى الحكومي الوحيد في منطقة البقاع الغربي، وهو حاجة ملحة لأكثر من مئتي ألف نسمة، حرمتهم الحكومات المتعاقبة من أبسط مقومات الحياة، وزعزعت استقرارهم الحياتي وأمنهم الصحي.
وفي مشغرة أكد المواطن جمال العنقوني أن مجلس الجنوب انجز عام 1997، بناء مؤلفا ً من اربعة طوابق علوية وطابقين سفليين، على قطعة ارض تبلغ مساحتها 3600 متر مربع، اشتراها اهالي مشغرة وتم تسجيلها باسم كامل العمار، الذي عاد وتنازل عنها لمصلحة وزارة الصحة عبر بلدية مشغرة، بغية تحويل هذا المبنى الى مستشفى حكومي، يتسع الى 44 سريراً، مع قسم للولادة وصيدلية وكافتيريا، واقسام للإدارة والميكانيك، إلا أن حساب الحقل لم يتطابق مع حسابات بيادر السياسيين. أضاف «فلا المبنى تحوّل الى مستشفى ولا السياسيون ضغطوا بهذا الاتجاه، لا بل على العكس فقد نمي إلينا ان الخلافات حول تقاسم الحصص، اجهضت ولادة المستشفى قبل ان يصبح الجنين طفلاً».
أما ابو علي اسعد (مشغرة) فقد تحدث بمرارة عن هذا الموضوع، اذ قال: هذه المنطقة التي عاشت واقعاً امنياً مؤلماً ومؤثرا ً في الربع الأخير من القرن الماضي، بفعل الاعتداءات الإسرائيلية وسقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمعاقين، تستحق ان تنال حقوقها كاملة بعيدا ً من المحاصصات والمزايدات، وتستحق أن يكون لديها مرفق صحي، يقوم بتقديم الخدمات الطبية لأبنائها، الذين عاشوا المرارة والألم والمعاناة، لكنه استدرك: الدولة غائبة عن السمع وعن النظر، وهي تعيش في واد وأبناؤها يعيشون في واد آخر، ودعا المعنيين الى الترفع عن المناكفات والخلافات والوقوف على حاجات المواطنين، لأن الأمور لم تعد تحتمل وتطاق.
ولفت أبو علي الى انه عام 2009، صدر مرسوم جمهوري يحمل الرقم 1304، يقضي بقبول هبة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية لصالح وزارة الصحة، من اجل ترميم مبنيي مستشفيي السكسكية ومشغرة، لكن هذا الأمر لم ينفذ، نظرا ً لبروز مشاكل قانونية حول الترخيص الى جانب التدخلات السياسية ما أوقف العمل بالاستفادة من الهبة