يعمل بثلث إمكانياته ويتخطى السقف المالي نتيجة الإقبال الكثيف مطالب بتأهيل وتجهيز المستشفى الحكومي الوحيد في عكار لـ400 ألف نسمة

يسعى «مستشفى عبد الله الراسي الحكومي» في حلبا جاهداً لإبقاء أبوابه مفتوحة أمام المواطنين، الذين يقصدونه من مختلف المناطق العكارية لتأمين الخدمات الصحية التي يعجزون عن تأمينها في المستشفيات الخاصة، بسبب فاتورة الاستشفاء الباهظة. الأمر الذي يجعل المستشفى الحكومي حاجة ملحة لأكثر من 400 ألف نسمة وهو عدد سكان عكار الموزعين على أربع مناطق مترامية الأطراف (الجومة، السهل، الدريب، والقيطع). ما يستدعي وجود أربعة مستشفيات حكومية، على اعتبار طبي يحق بموجبه أن يكون لكل مئة ألف مواطن مستشفى مسؤول عن توفير الخدمات الطبية المختلفة، إلا أن العكاريين ما زالوا حتى اليوم يطالبون بتأهيل وتجهيز مستشفاهم الحكومي الوحيد، ولا من يسمع!
ويعدّ تأهيل وتجهيز «المستشفى الحكومي في حلبا» من المطالب الرئيسة التي يسعى العكاريون الى الحصول عليها، كونهم يعانون الأمرين في تأمين كلفة علاجهم في المستشفيات الخاصة الموجودة في المنطقة، كما يضطر العديد منهم الى الانتقال الى المستشفى الحكومي في طرابلس وبيروت بهدف الحصول على الخدمات الصحية غير المتوفرة في «مستشفى عبد الله الراسي الحكومي» بسبب عدم تجهيزه بالشكل المطلوب، برغم مضي 5 سنوات على افتتاحه و13 سنة على انتهاء الأشغال فيه.
كل هذه المطالب لم تلق آذاناً صاغية لدى «مجلس الإنماء والاعمار» الجهة المخولة منذ البداية الاشراف على المشروع وتجهيزه بالشكل المطلوب. وتضاف الى كل هذه العقبات الخلافات السياسية التي حالت طيلة ثماني سنوات، وبرغم انتهاء أعمال البناء من افتتاحه امام المرضى، وهو يعاني حتى اليوم من شغور في منصب المدير الأصيل، كما تعاقب على إدارته منذ العام 2006 ثلاثة مدراء، حيث شهد عدة اعتصامات لموظفيه بسبب التأخير في دفع رواتبهم.
55 سريراً في الخدمة
ويعمل المستشفى بثلث إمكانياته حيث يضم 76 سريراً الا أن 55 سريراً فقط موضوعة في الخدمة بسبب عدم توفر الامكانيات المطلوبة، كما يفتقر الى قسم رعاية الأطفال وقسم عناية فائقة (الانعاش) ومرضى القلب وغيرها، اضافة الى عدم تجهيزه بمعدات وآلات التصوير المتطورة. وتحاول إدارة المستشفى تدبر، ضمن الموازنة المخصصة لها، تأمين الخدمات للمواطنين، وتحديداً للحالات الطارئة التي لا تحتمل الانتظار، الأمر الذي يدفع المستشفى في العديد من الأحيان الى رفض بعض العمليات غير المستعجلة.
ويتحدث عضو مجلس الإدارة، المكلف بالأعمال الإدارية في المستشفى حسين المصري عن «الضغوطات السياسية والخلافات التي حالت دون افتتاح المستشفى، برغم انتهاء العمل فيه منذ عام 1998»، لافتاً إلى أن «مجلس الإدارة الذي تم تعيينه آنذاك بقرار من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، استلم عام 2006 (تاريخ افتتاح المستشفى) كارثة من حيث البناء والتجهيزات، فالبناء كان في حالة يرثى لها، على الرغم من أن كلفته فاقت ثلاثة أضعاف المبلغ المخصص، كما أن الادارة امتنعت عن استلام المعدات الطبية المتهرئة، والتي ما زالت حتى اليوم موجودة في المستودعات، وكل ذلك يعود إلى إهمال مجلس الإنماء والاعمار، الذي لم يمارس صلاحياته بالشكل المطلوب». وأشار الى «وجود خلاف بين وكيل المعدات الطبية، والمجلس لم يحل حتى اليوم، وبالتالي بقي المستشفى من دون تجهيزات، الأمر الذي وضعنا أمام حالة حرجة اضطررنا على أثرها وبمجهودنا الخاص ودعم وزير الصحة السابق محمد جواد خليفة، الذي حرص على بقاء المستشفى مفتوحاً أمام المواطنين، وتأمين المعدات عبر تعاون ما بين الشركات الموردة وإدارة المستشفى، حيث تؤمن تلك الشركات المعدات والآلات الطبية، شرط أن يقوم المستشفى بشراء المواد والمستلزمات الطبية من تلك الشركات».
إهمال مجلس الإنماء والاعمار
ويلفت المصري إلى «وجود أكثر من مئتي طلب مقدم من قبل المستشفى، بإشراف مهندسي مجلس الإنماء والإعمار، الذين قاموا بأنفسهم بالكشف على حاجات المستشفى وإعداد التقارير، إلا أن المجلس لم يلبّ طلباً واحداً خاصا بمستشفى عبد الله الراسي الحكومي»، متسائلاً «لماذا تلك الاستنسابية في التعاطي مع المستشفيات، حيث يصار إلى تجهيز وتأهيل المستشفيات الحكومية في مختلف المناطق اللبنانية، ومنها طرابلس والضنية وغيرها، بينما تحرم عكار من أبسط حقوقها؟ حتى أنها تحرم من الهبات المقدمة من الدول الأجنبية».
ويلفت «المدير الطبي» في المستشفى محمد خضرين الى «أننا استطعنا من ضمن الموازنة الشهرية المخصصة للمستشفى توفير جزء بسيط تم استثماره في تجهيز وتأهيل أربع غرف عناية أطفال، لكن ليس باستطاعتنا تشغيلها لأن الموازنة لا تكفي لتشغيل هذا القسم وتقديم الخدمة الصحية للمواطنين»، مشيراً الى «الاقبال الكثيف على المستشفى لأن غالبة المواطنين لا يستطيعون تحمل كلفة المستشفيات الخاصة ويلجأون للاستفادة من خدمات وزارة الصحة، الأمر الذي يضطرنا الى تجاوز السقف المالي المخصص لنا ويوقعنا في عجز نتيجة عدم رفضنا للحالات الطارئة».
وتؤكد مصادر «مجلس الإنماء والإعمار» على «أنه تم تسليم مبنى المستشفى الى وزارة الصحة العامة التي قامت بدورها بتسليمه إلى إدارة المستشفى عام 2000، كما تم تجهيزه بالمعدات والتجهيزات الطبية والأثاث عام 2004. وقد وقع مدير المستشفى آنذاك على الاستلام النهائي للمعدات والتجهيزات الطبية عام 2006، مع التأكيد على أنه تم إجراء الاستلام النهائي للمعدات والتجهيزات الطبية عام 2009، بعد تصحيح المتعهد الملاحظات كافة لجهة الاستلام، وذلك بناء على طلبات وردت من قبل وزارة الصحة العامة».
وتضيف المصادر نفسها «أنه تم تكليف استشاري من قبل المجلس للكشف على تسعة مستشفيات حكومية تم تنفيذها من قبل المجلس في الأعوام الماضية ومن بينها مستشفى حلبا الحكومي، حيث تبين خلال الكشف أن معظم الأشغال المطلوبة للمستشفى هي أشغال صيانة عامة للمبنى»، لافتة إلى أن «إدارة المستشفى طلبت استحداث قسم للعناية الفائقة، وقسم لغسيل الكلى، الذي لم يتضمنهما البرنامج الطبي الأساسي للمستشفى الموافق عليه من قبل وزارة الصحة العامة، إضافة إلى طلب بتزويدها بمعدات وتجهيزات طبية إضافية. وذلك يتطلب أخذ موافقة وزارة الصحة وفق الأصول المرعية ".