إجماع على الضمان الشامل ممثلو الكتل النيابية يعلنون التزامهم تواقيعَهم فماذا عن الحكومة؟

نحو 4 سنوات مرت على توقيع جميع ممثلي الأحزاب التي تمثّل الكتل النيابية مشروعَ الضمان الصحّي الشامل الممول من الضرائب ومشروعَ ضمان الشيخوخة. وقد جاءت هذه التواقيع في اجتماع عقدته المفوضية الأوروبية لهذا الغرض في نيسان 2008. واليوم يعيد هؤلاء التزامهم تواقيعهم... فهل سيترجم هذا الالتزام «بزوغ فجر» الضمان الصحّي الشامل على المواطنين؟
رشا أبو زكي

عادة، يحاول السياسيون افتعال المواقف الإيجابية. فمنذ نيسان من عام 2008، أجرت «الأخبار» تحقيقات عدّة لتذكير ممثلي جميع الكتل النيابية، من دون استثناء، بما وقّعوه خلال اجتماعات المفوضية الأوروبية في العام المذكور، وهو تحديداً: «تأمين تغطية صحية شاملة لجميع اللبنانيين، بتمويل من الضرائب لا الاشتراكات، وإيجاد نظام ترسملي ـــــ تكافلي لضمان الشيخوخة يضم كذلك جميع اللبنانيين». وفي كل مرة تُطرح فيها هذه القضية، يبادر مَن وقّع الاتفاق هذا بالإشادة بمضمونه، ويؤكد الموقعون أنهم ملتزمون تواقيعهم. لكثرة تفاؤلهم، يتفاءل اللبنانيون. ولكن، وزارة تذهب ووزارة تأتي، مجلس نواب يأتي ومجلس نواب يذهب، حكومة تأتي حكومة تذهب، ويبقى الكلام حبراً على ورق. وكما تقول فرقة «الطفار» في إحدى

أغنياتها: «حبر عورق مو قانون»...

منذ أن جاء وزير العمل شربل نحاس إلى وزارة العمل، حاول أن يعيد إحياء الاتفاق الذي من المفترض أنه حمل موافقة جماعية من جميع الكتل النيابية، وجزء منها ممثل في الحكومة. فقد طرح موضوع الضمان الصحّي الشامل بتمويل من زيادة الضريبة على الربح العقاري. طرح يقدم للمواطنين حقهم في الضمان، ويعيد بعض العقلانية إلى أسعار العقارات التي فاقت الجنون إلى الهلوسة، والأهم أنه يُسهم في تصحيح النمط الاقتصادي وتوزيع الثروة. إلا أن هذا الطرح لا يلقى تشجيعاً فعلياً في الحكومة «المتلوّنة». وحين توجهت «الأخبار» إلى ممثلي الكتل النيابية المشاركين في منتدى المفوضية الأوروبية المذكور، وسألتهم عن استحقاق التزامهم تواقيعَهم اليوم، كانت الردود حماسية لجهة ضرورة إقرار الضمان الشامل فوراً. حماسة يمكن التعويل عليها، وكذلك يمكن اعتبارها من ضمن الافتعال نفسه للمواقف الإيجابية من دون أي فعل. وفي الحالتين، يمكن الخروج بعنوان: إجماع سياسي على الضمان الشامل.

المستقبل: ضروري

فقد جمعت بعثة المفوضية الأوروبية في لبنان ممثلي جميع الأحزاب الممثّلة في مجلس النواب، في نيسان من عام 2008. وقد خرج المجتمعون بورقة حملت تواقيعهم. الورقة تشير إلى التوافق على «تأمين تغطية صحية شاملة لجميع اللبنانيين، بتمويل من الضرائب لا الاشتراكات، وإيجاد نظام ترسملي ـــــ تكافلي لضمان الشيخوخة يضم كذلك جميع اللبنانيين».
ومن بين موقِّعي الاتفاق، ممثل تيار المستقبل الخبير الاقتصادي مازن حنا. وبعد نحو 4 سنوات، يؤكد حنّا لـ«الأخبار» أنه، كما التيار، ملتزم بمشروع الضمان الشامل وضمان الشيخوخة. فالوزير شربل نحاس يحاول إعادة إحياء المشروع، يقول حنا، ويلفت إلى أن الضمان الشامل حاجة، «وقد وافقنا عليه والتزمنا أن يكون تمويله من الموازنة العامة»، لا بل إن التيار مصرّ على تطبيقه. ويقول حنا إنه يجب إعادة دراسة المشروع من جديد لتحديثه، «كذلك لا بد من إبعاد هذا الملف عن السياسة والخلافات».

الصفدي: تأكيد وتأييد

في عام 2008، كان التكتل الطرابلسي لا يزال قائماً، وكان يضم مجموعة من الشخصيات، من بينها وزير المال محمد الصفدي. وقد حضر اجتماع المفوضية الأوروبية ممثلاً عن التكتل أنطوان قسطنطين، الذي مثل كذلك الصفدي، حسب ما يقول. ويشرح قسطنطين أن الصفدي ملتزم التوقيع، فتوفير الضمان لكل اللبنانيين قرار لا يمكن الرجوع عنه. والصفدي «يعمل جدياً على عدة صيغ لتقديم الاستشفاء الشامل لكل اللبنانيين، إضافة إلى تحقيق ضمان الشيخوخة». أما آلية التطبيق والتمويل فهي من اختصاص مجلس الوزراء. وفي هذا السياق، سيقترح الصفدي صيغ للتمويل من ضرائب أو اتفاقيات أو تفاهمات أخرى.

التنمية والتحرير: نحن معه

«نحن مع الضمان الصحي الشامل وضمان الشيخوخة» يقولها عضو كتلة التنمية والتحرير النائب السابق ناصر نصر الله. وهذا التصريح يأتي رغم أن عضو الكتلة الوزير السابق محمد خليفة كان قد تقدم بمشروع البطاقة الصحية الذي لا يُعَدّ تغطية صحية شاملة. وبذلك، سجل الخروج العملي الأول عن الاتفاق الذي جرى في نيسان 2008. ويقول نصر الله إن مشروع الضمان الشامل يشهد تبايناً في وجهات النظر. «لا يزال قيد الدرس، وعلى اللجان النيابية أن تبحثه، وعلى الضمان الاجتماعي أن يقدم أفكاراً بشأنه». ويرى نصر الله أنه يجب البحث في فلسفة المشروع وسبب طرحه وهل سيكون شاملاً أم مبتوراً.

القوات: بحث جدي

القوات اللبنانية أطلقت لجنة متخصصة في الدراسات الاجتماعية والاقتصادية، وستخرج بدراسة تفصيلية عن الضمان الصحّي الشامل وضمان الشيخوخة. وتأتي هذه المبادرة التزاماً بما وُقِّع في نيسان 2008. فممثل القوات حينها جوزف نعمة، قال: «نحن نلتزم دائماً تواقيعنا، لا بل إننا لا نوقع إلا عن اقتناع، ومقررات هذا الاجتماع نلتزمها 100 في المئة». وعمل القوات لن يقتصر على تحديث الدراسة فقط؛ إذ ستُعَدّ مشاريع قوانين ومبادرات سياسية لإعادة تحريك هذا الملف، وستُعلَن تفاصيله في وقت قريب. ولا يمانع نعمة في تمويل هذا المشروع عبر ضريبة الربح العقاري «إلا أن دراستنا ستقارب هذا الموضوع من عدة زوايا، تتضمن اقتراحات بشأن مصادر التمويل وآلياته».

الكتائب والاشتراكي: معه

أما ممثل الكتائب في اجتماع نيسان 2008 ملحم سعد، فهو ملتزم كذلك ما وقّعه، «لم يحدث أي تغيير على هذا الاقتناع، فالضمان الصحّي الشامل ضروري، وهو محور نظرتنا الاجتماعية والاقتصادية. أما تفاصيل التمويل، فليست محط نقاش حالياً». أما ممثل اللقاء الديموقراطي، هنري حلو، فيشير إلى أن اللقاء لا يزال ملتزماً توقيعَه. «لن نغير في اقتناعاتنا بهذا المشروع أبداً، وهذا الموضوع قابل للتحقيق، ويجب أن يتحقق حكماً». فمشروع الضمان الشامل وضمان الشيخوخة حق لكل مواطن. «للأسف [يقول الحلو] لم يبحث اللقاء أخيراً هذا المشروع، إلا أن إعادة طرحه ستكون مناسبة لإعادة الاستفسار عن مصير هذا الملف».

50 في المئة

هي نسبة اللبنانيين غير المشمولين بأي نظام تغطية صحّية نظامية ودائمة، فيما 80% من الإنفاق الخاص على الصحّة مصدره ميزانيات الأسر، ما يمثّل عبئاً ثقيلاً

الخطوات العملية

طلب وزير العمل شربل نحّاس، من مجلس الوزراء إعطاء الموافقة المبدئية على مشروع التغطية الصحيّة الشاملة لجميع اللبنانيين، وإدراج مستلزمات تطبيقه في مشروع موازنة عام 2012. وطلب في كتاب رفعه إلى المجلس قبل أسبوع تأليف لجنة وزارية لصياغة مشروع تعديل قانون الضمان الاجتماعي ليتناسب مع تعميم تقديماته على الجميع وإلغاء نظام الاشتراكات وإقرار التمويل من الموازنة العامّة... إلا أن كتاب الوزير نحّاس لم يوزّع على الوزراء حتى الآن، وبالتالي لم يُدرج على جدول أعمال جلسة أمس الاثنين وجلسة الأربعاء المقبل .