«لم يصدر عن أي مسؤول أو مرجع قضائي، معلومات تشير إلى أن مرتكب جريمة رأس النبع، التي وقعت في الثامن عشر من الشهر الحالي، وأودت بحياة عائلة من سبعة أشخاص، مصاب بحالة التوحّد، ولا تمتّ جميع الإشاعات والتكهّنات التي تداولتها بعض وسائل الإعلام إلى الحقيقة بصلة، بل تسيء إلى جميع الأشخاص الذين يعانون من حالة التوّحد»، قال وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده أمس في مكتبه، لإطلاق الحملة الوطنيّة للتوعية حول حالة التوحّد. وتأتي الحملة بتنظيم من «اللجنة التنسيقيّة للتوحد»، التي تضمّ عشرين مؤسسة وجمعية تعنى بحالات التوحّد، وبالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعيّة.
ودعا أبو فاعور وسائل الإعلام إلى «توضيح هذه الصورة والتعاطي مع موضوع التوحّد بمسؤولية لعدم إلحاق الأذى بالمصابين بالتوحّد». كما أكّد «ضرورة توعية المجتمع اللبناني في جميع المناطق، بما فيها الفقيرة والبعيدة، حول التوحّد، وتوثيق المعرفة بأعراضه ومضاعفاته واحتياجات المصابين به، خاصة بعدما قامت وزارة الشؤون الاجتماعيّة خلال الشهر الفائت، بتصنيف حالة التوحّد كحالة منفصلة عن الإعاقات الأخرى وإدراجها ضمن أولويات الوزارة».
خصائص التوحّد
تعتبر حالة التوحّد اضطراباً في النمو، يؤدّي إلى مشاكل في التعبيراللغوي والبصري، وفي التواصل الاجتماعي مع المحيط. كما تتسبب بصعوبات في القدرة اللغوية، وبتكرار حركات غير هادفة، وتصرّفات نمطيّة، وبتفاعل أكبر مع الإثارات الحسيّة كالضوء والصوت. وتنتج بعض حالات التوحّد عن خلل في الجهاز العصبي، أو سبب وراثي جيني، أو عوامل بيئية، فيما تبقى حالات كثيرة غير واضحة الأسباب.
وفي حزيران من العام 2010، نشرت مجلة «نايتشر» العلميّة بحثاً علميّاً حول اكتشاف أسباب جينيّة لمرض التوحّد، شارك فيه مئة وسبعة عشر باحثاً، من إحدى عشرة دولة، وألفين وثلاثمئة شخص، من بينهم ألف فرد متوحّد. وتشير نتائج البحث إلى أن مرض التوحّد مرتبط ببعض الطفرات الجينيّة، التي يمكن أن يرثها الأبناء عن الأهل، كما يمكن أن تظهر لدى الأبناء، من دون أن يتمّ توريثها. وبحسب الباحثين، تساهم تلك النتائج في تحديد الأسباب البيولوجيّة لمرض التوحّد، وبالتالي، في تطوير العلاجات المناسبة له. وتذكر الدراسة أنه يتمّ تشخيص حالة التوحّد عند طفل واحد من أصل مئة وعشرة أطفال، بمعدّل أربعة أضعاف أكثر بين الذكور منه بين الإناث. وفي الغالب، تظهر العوارض قبل عمر الثالثة، ولا يوجد علاج شافٍ منها، بل يجب الاعتماد على الاكتشاف والتدخّل المبكرين لتأمين الرعاية المتخصصة للمصابين بالتوحّد.
الرعاية «الرسمية»
في إطار الرعاية، أشار أبو فاعور إلى أن «الوزارة تعمل على تحسين المستوى المعيشي والتعليمي للأشخاص المصابين بالتوّحد وعائلاتهم، وعلى توفير الدعم المادي للمؤسسات والجمعيات المعنيّة بحالات التوحّد، كما أن الأمور تجري وفقا للأصول الإداريّة لإضافة عقود تأمين الرعاية المتخصصة للأطفال المتوحدين في مطلع العام 2012».
وأضاف أبو فاعور أن الوزارة، وبالتنسيق مع مؤسسات القطاع الأهلي، «ستبدأ في السادس من شهر تشرين الأول المقبل بتنظيم الندوات التثقيفيّة حول مرض التوحّد في ثلاثة عشر مركزاً تابعاً للوزارة في الشمال والجنوب والبقاع وبيروت والجبل». وشجّع أبو فاعور سكان القرى والبلدات المحيطة بتلك المراكز على الحضور، والمشاركة في حلقات التوعية.
وتهدف تلك النشاطات، بحسب رئيسة «اللجنة التنسيقيّة للتوحّد» أروى الأمين حلاوي، إلى «نشر الوعي حول حالة التوحّد، والتشديد على أهمية الاكتشاف المبكر لتحقيق أفضل النتائج في عملية الدمج وتطوير المهارات، علماً أن عدد المصابين بالتوحد في لبنان يبلغ ما يقارب أربعمئة وخمسين فردا».
وقال أبو فاعور إن «هذه الحملة هي خطوة أولى سيتمّ الأخذ بنتائجها للشروع في خطوات أخرى مستقبليّة».
ليس كل خجول متوحداً
على هامش المؤتمر الصحافي، لفتت رئيسة «الجمعية العلميّة للتوحّد والتحليل السلوكي» الدكتورة شفيقة غربيّة، «السفير» إلى أن «ليس كل طفل خجول أو منزو أو يظهر حركة مفرطة هو طفل متوحّد، فتشخيص حالة التوحد يرتكز على معايير تشخيصيّة عالميّة، وتختلف العوارض بين حالة وأخرى. كما أن المصابين بالتوحد قادرين على التعلّم وعلى متابعة تحصيلهم المدرسي والجامعي، وهم أشخاص يتسمون باللطف، غير عنيفين أو عدوانيين». وتضيف غربيّة أن «تطوير المهارات عند الأولاد المصابين بمرض التوحّد يتطلّب متابعة تربويّة، وتحليلا سلوكيّا يساعد الأولاد في تغيير سلوكياتهم وفي الاعتماد على أنفسهم في حياتهم اليومية وفي الكشف عن مواهبهم وإبداعاتهم».
وتتوفّر في لبنان تلك البرامج المتخصّصة بمتابعة الأولاد المتوحدين، وبدمجهم الاجتماعي: فعلى سبيل المثال، أكدت العضوة المؤسّسة في «جمعية التوحد للدمج الاجتماعي» ريما ضومط لـ«السفير» أن التجربة التي بدأتها الجمعية منذ سنتين على مستوى دمج الأولاد المصابين بحالة التوحد في مدرسة عادية، «تحظى بنجاح هام، إذ يتمكّن الأولاد من متابعة الدروس مع زملائهم ومشاركتهم أوقات الفرص واللعب».