أدوية الأمراض المستعصية غير متوافرة وتسحب من وزارة الصحة بلا رقابة

مشكلة فقدان ادوية الامراض المستعصية وكلفتها الباهظة لا توفر احدا من الذين يحتاجونها بما فيهم الاطباء. فوضى التعامل لا تميز وتطاول الجميع حتى لو كان من العقول العلمية الاكاديمية. حكاية هذا الملف لا تنتهي، وصفات مبالغ فيها، وسماسرة دواء، وبيع في السوق السوداء، ولا من يحاسب.

تقسّم الادوية التي توزعها وزارة الصحة الى نوعين: ادوية الامراض المزمنة كامراض القلب والشرايين والسكري، تقدمها الدولة اللبنانية عبر مراكز الرعاية الصحية الاولية التابعة لوزارة الصحة في كل المحافظات من خلال البرنامج المشترك لجمعية الشبان المسيحيين. وهي ادوية جينيريك (جنيسة) تتم مراجعتها سنويا، وتأتي من خارج لبنان، وتخضع لفحص في بلد المنشأ، ثم في احد المختبرات الجامعية المتعاقدة مع الوزارة، في غياب المختبر المركزي.
وادوية الامراض المستعصية الباهظة الثمن، والتي لا يمكن التفريط فيها لان كلفتها في الشهر قد تصل الى 10 ملايين ليرة، مثل ادوية سرطان التلاسيميا، التصلب اللويحي، النزف المستمر، مناعة زراعة الاعضاء.
عن تأخير حصول المواطنين على ادوية الامراض المستعصية في الوقت المحدد، يقول وزير الصحة السابق الدكتور محمد خليفة لـ"النهار" انه في الاساس لا يمكن للدولة ان تمتلك مخزونا منها، فمركز الكرنتينا ليس صيدلية. الدواء مقطوع لانه لا يمكننا تخزين الدواء ولا تستطيع الدولة شراء الادوية لان لا اموال لديها، ولا موازنة منذ خمس سنوات اذ ان آخر موازنة صدرت عام 2005.
وقال ان المراكز في مستشفيات طرابلس وزحلة والنبطية وصيدا وبيت الدين الحكومية تعمل تحت اشراف صيدلي، "فقد جهزنا كل مركز بسيارة ونظام مبرمج على الكومبيوتر، محاولة لعمل لامركزي، لتخفيف الضغط عن الكرنتينا. هذه المراكز تعمل لكن المشكلة تكمن في ان المواطن يعتقد انه يستطيع الحصول على دواء من خلال البطاقة، وهذا غير ممكن لان الكرنتينا ليست مخزنا، فمريض غسيل الكلى والتصلب اللويحي ومرضى التلاسيميا يأخذون ادويتهم من دون معاملات، وصرنا نشتري كل اول سنة الدواء لاننا نعرف عدد المرضى. اما المشكلة فهي في مرضى السرطان، لأن العلاجات تتغير بحسب الدرجة ووفق تطور المرض واستجابة المريض، فعند اعطاء الدواء قد يتغير بعد 10 ايام واحيانا يتم وصف دواء آخر، ولذلك تلتزم وزارات الصحة في العالم أدوية معينة اول السنة، كما اننا لا نعرف عدد مرضى السرطان إلا في حالات سرطان الدم. وتقدم طلبات الدواء في المراكز فيما المفتش الصيدلي يؤمن الدواء. وفي بعض المراكز يصل المريض قبل ليلة من دخول المستشفى ليطلب الدواء فلا يكون متوافرا.
واشار خليفة الى "تواطؤ بعض الاطباء، الذين يطلبون ادوية اكثر من التي يحتاجها المريض، ومنهم من يصف علاجات غير موافق عليها عالميا وما زالت في طور البحث، واصلا لا تغطيها وزارات الصحة، فيحصل ارباك.
وهناك عدد من المواطنين الذين يزوّرون وصفات ومعاملات للحصول على الادوية، وهذا يتم بعلم بعض الموظفين واحيانا من دون علمهم".
ولفت الى ان حالات تتعلق بسوء وصف الدواء وسوء استعماله، وتوقعات المواطن ان يأخذ دواءه على حساب الدولة.
وتحدث عن القرار الذي يقارن بموجبه كل دواء مسعر في لبنان مع كل الادوية في دول المنطقة، وكل دواء موجود في لبنان منذ مدة طويلة يجب اعادة تسعيره. وقال: "كان يسعّر الدواء بإضافة 1٫70 في المئة عن سعر بلد المنشأ، الا ان التسعيرة التي وضعت في العام 2007 ادت الى خفض السعر واصبحت التسعيرة 1،40 في المئة مما وفر 200 مليار ليرة سنويا بسعر الفاتورة الدوائية.
وتحدث عن اصدار مرسوم في العام 2010 يحدد بناء مختبر مركزي في الكرنتينا تحت اشراف هيئة المباني في وزارة الاشغال وتم رسم خريطة المختبر مع منظمة الصحة العالمية بمواصفات دولية لكي يكون مختبرا معترفا به دوليا ولحظ له تمويل في مشروع موازنة العام 2010.

نقابة الاطباء
لنقابة الاطباء رأي في الموضوع اوجزه النقيب البروفسور شرف ابو شرف الذي قال: "كل الموضوع خطأ بخطأ لانه ليس من الطبيعي ان تكون الادوية غالية الثمن والمريض في حاجة ماسة اليها، وهي مفقودة معظم الوقت. يقال للمريض ادفع ثمنها هذا الشهر لنعطيك الشهرالمقبل. ولا شك في ان الامر تجارة من بعض الذين يضعون ايديهم على الادوية فيخفونها ليعيدوا بيعها، والاسماء معروفة ولا من يحرك ساكنا، اضاف: "بالدرجة الاولى على الوزير ان يتصرف، لا اعرف اذا كانت الامور خارج السيطرة او اكبر منه او هناك ظروف معينة. من يدفع الثمن؟ المريض، ماذا يفعل يستدين؟ ينتحر؟ هناك من يختار الموت على الذل. ولا شك في ان هناك من يحصل على دوائه يذل للحصول على حقه، واذا كان الوزير يعمل على الموضوع، انما ذلك لا يكفي، وعلى الدولة ان تعاقب المخالفين.
مركز سرطان الاطفال "السانت جود" يدفع مليون دولار ادوية شهريا ليغطي مرضاه، لأن الدولة عاجزة عن تأمين المبلغ. ونحن
كنقابة نعمل مع الوزارة لتأمين الدواء مراقبا بشفافية ليصل الى المواطن من دون اذلال واستعطاء او تجارة".
واوضح ان "دورنا التوعية، وندعم من يعمل بطريقة علمية واخلاقية، ولا نستطيع ان نعمل اكثر من ذلك، واذا سمينا الاشياء باسمائها، فان العواقب كبيرة، والجميع يعرف من المسؤول عن ذلك".

15 سنة على معركة سكرية
"ملف عمره 15 سنة، حققت فيه ومضات عابرة من التحسينات لتبريد الاعلام ولم ينجز اي شيء جدي. فمن حيث النوعية والاسعار نراوح مكاننا، اسعار الدوار لا تزال باهظة وهي باضعاف ما تباع في بلد المنشأ ولا تشكل اكثر من نحو 20 الى 25 في المئة لكنها متداولة بنسبة 80 في المئة. السبب يعود الى القرار السياسي الوزاري الذي بدل ان يحمي مصلحة المواطن بتحديد السعر كما اقره القانون، (سعر بلد المنشأ وتضاف اليه المصاريف الاخرى) وهذا مشروع، انما المصيبة عندما نسف الوزراء شهادة اسعار بلد المنشأ التي تبنى عليها الاضافات والنسب اصبحت خاضعة لشطارة التواطؤ ما بين المستورد والمصنع مباشرة، لذلك تسجل هذه الادوية في الوزارة سلفا مرتفعة السعر، واحيانا باضعاف". هذا ما قاله الدكتور اسماعيل سكرية عن مشكلة الدواء.
وعن الدواء المحلي قال: "لا تشدي ايدك" لانه اصلا لا مختبر مركزي يراقب الادوية ونوعيتها وتركيبتها وجودتها وامانها وتوافرها الحيوي. كما يستغل عدد من شركات الادوية المحلية عنوان الدواء الجينيريك (الجنيسي) تحت عنوان الارخص، لتمرير ما هب ودب من الادوية المشبوهة والقليلة الفاعلية، منها من شرق آسيا ومن اميركا اللاتينية، مستفيدة من غياب مختبر الرقابة.
وللاسف هناك مئات الاصناف من الادوية تراوح ما بين المزور والمجهول المصدر او المسحوب من التداول في السوق العالمية وما زال موجودا في لبنان، الى الدواء المقلد.
ومنذ عام وبضعة اشهر، وضعت بتصرف القضاء 33 سؤالا عن السياسة الصحية من استشفائية ودوائية والمختبر، والى الان لم يصدر شيء، لأن كل سؤال يعتبر اشكالا، مثل موضوع المختبر، ادوية حرب تموز، وسيارات الاسعاف وغيرها.
ولخص مشكلات انقطاع ادوية السرطان خلال السنوات الماضية بالآتي:
مركزية التوزيع: المحصور بمستشفى الكرنتينا، وهذا يسبب متاعب وعذابا للمرضى من المناطق خصوصا والوقوف في طوابير، عدا الانتظار، وعدم توافر الدواء عموما. هناك مركز في مستشفى رفيق الحريري، لكن للاسف الشديد حصلت فيه تجاوزات وتسلم كمية اكبر من المطلوب مع بيع جزء منها بالتواطوء مع المعنيين داخل الوزارة.
تهريب الادوية الى الخارج وبيعها في السوق السوداء باسم مرضى وهميين، وهذا موجود في القضاء ومعه تقارير التفتيش المركزي التي اكدت صحة هذا الكلام.
النوعية: تم استيراد ادوية سرطانية من شرق آسيا، تحديدا الهند، مشبوهة وقليلة الفاعلية والنوعية، اضافة الى وجود ادوية سرطانية هي مجرد عبوات مياه تباع على اساس انها ادوية لمعالجة السرطان والتحقيق اظهر تورط 11 مستشفى فيها، وانتهى التحقيق الى لا شيء ومن دون وجود مذنبين".
وختم قائلا: "في غياب اي محاسبة، لا نتقدم لان لا وجود لمن يراقب ولا من يحاسب بدءا باعلى سلطة رقابية وهي مجلس النواب، وصولا الى اجهزة الرقابة، ومرورا بالقضاء، وكل هذه المؤسسات الرقابية ممسوكة ومصادرة بالارادة السياسية والقرار السياسي والتدخل السياسي".