فرحة ناقصة في البارد: من يُموّل الباقي؟

طغى غياب سفراء الدول المانحة وأهالي المخيم على حفل افتتاح الرزمة الأولى وثلاث مدارس للأونروا في مخيم نهر البارد، ما يبقي التساؤلات بشأن مصير إعمار المخيم مشروعة دائماً
عبد الكافي الصمد

كانت المشاعر متباينة أمس في مخيم نهر البارد، في حفل افتتاح الرزمة الأولى و3 مدارس للأونروا، مع بروز مشهدين. الأول غياب سفراء للدول المانحة عنه، والثاني بقاء أكثر من نصف المقاعد التي خُصّصت لأهالي المخيم فارغة، بعد مقاطعتهم الاحتفال لأسباب تنظيمية. منذ البداية اتّضح أن الأونروا استنفرت قدراتها لإنجاح الحفل، فوجّهت 4 آلاف دعوة لحضوره، وجيّشت كل عناصرها لإخراج الحفل بنجاح، ما دفع بعض ممثلي الفصائل الفلسطينية إلى اتهام الأونروا بـ«البذخ والتبذير، لأن الحفل الذي كلّف 120 ألف دولار كان يمكن الاستفادة منه في إعمار المخيم».
لكن الأونروا تلقّت ضربة قد لا تساعدها مستقبلاً في استكمال إعمار المخيم، تمثّلت في غياب أغلب سفراء الدول والمؤسسات المانحة عن الاحتفال باستثناء قلة منهم، ما دفع بعض المعنيين إلى إبداء تخوّفهم من غيابهم.
وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور الذي مثّل الرئيس نجيب ميقاتي في رعاية الحفل، لم يخفِ لـ«الأخبار» قلقه من «انعكاس الأزمات المالية العالمية على دعم بعض الجهات المانحة لإعادة إعمار المخيم»، مع أنه شدّد على أن القضية الفلسطينية «مسؤولية دولية، وأن لبنان ليس قادراً وحده على معالجتها».
الخوف من عدم توفير التمويل الباقي كان موجوداً أيضاً لدى رئيس لجنة الحوار اللبناني ــــ الفلسطيني السفير خليل مكاوي الذي رأى أن «توفير بقية الأموال أمر يحتاج إلى جهد، وهذه مهمة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي». هذه المخاوف عبّر عنها كذلك مسؤول ملف المخيم مروان عبد العال الذي، وإنْ أبدى ارتياحه «لما أنجز حتى الآن»، إلا أنه لاحظ أن «عدد الحضور كان أقلّ من المتوقع، وتحديداً ممثّلي الجهات المانحة».
لكن ضعف الحضور لم يقتصر على المانحين والرسميين فقط، لأن المقاعد المخصصة لأهالي المخيم وفاعلياته بقيت بمعظمها فارغة، وذلك بعدما وُزّع نموذجان من بطاقات الدعوة، الأول لونه أصفر مخصّص للرسميين الذين سلكوا طريق البحر اختصاراً، وصولاً إلى مكان الاحتفال، والثاني لونه أبيض مُخصّص لسكان المخيم الذين كان عليهم العبور من جهة المقر القديم للتعاونية وصولاً إلى المكان، وهي طريق ترابية وطويلة، ما دفع كثيرين إلى العودة، فضلاً عن استياء بعض حملة البطاقة البيضاء من تمزيق عناصر الجيش جانباً من البطاقة قبل دخوله، وقال: «شو أنا داخل على سينما حتى يعملوا هيك؟!».
احتجاج أهالي المخيم على ما حصل لم يغب عن أجواء الاحتفال. فقرب المنصة الرئيسية تجمّع بعضهم وأخذوا يردّدون هتافات تقول: «الشعب يريد إلغاء التصاريح»، «الشعب يريد بيئة آمنة لا أمنية»، «الشعب يريد العودة إلى فلسطين»، في موازاة لافتات رفعوها للغاية نفسها.
وكان أبو فاعور قد اعتلى المنصّة متحدثاً على وقع هتافات المعتصمين: «يا حكومة وينك وينك، نهر البارد قدّام عينك». وقد أعلن أبو فاعور تعهّد حكومة ميقاتي بأنها «لن تتأخر في توفير مستلزمات إعمار المخيم، ربما على شكل عقد مؤتمر جديد للمانحين، أو عبر آليات أخرى».
أما السفير الفلسطيني عبد الله عبد الله، فقد بدأ كلمته بالقول: «معالي الوزير فؤاد...»، قبل أن يتوقف قليلاً ويذكر اسم أبو فاعور، بعدما ذكّره به أحد الحاضرين. يضحك الحضور، في حين يعلّق أحدهم قائلاً بصوت مسموع: «يبدو أن اسم فؤاد السنيورة لن يفارقنا!».
يكمل الخطباء كلماتهم، فيتحدث المفوّض العام للأونروا فيليبو غراندي، وسفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان إنجلينا إيخورست التي تعلن تقديم 12 مليون دولار منحة للأونروا، فيهتف المحتجّون: «يا خليجي وينك وينك»، قبل صعود ممثّل الصندوق السعودي للتنمية حسن العطاس ليعلن تقديم بلاده منحة بقيمة 10 ملايين دولار، فينال هتافات تأييد من المحتجّين الذين صفّقوا كثيراً لممثل صندوق أوبك للتنمية الدولية سليمان بن جاسم آل حربش عندما ختم كلمته بقوله: «مخيم نهر البارد هو أسوأ مثال لانتصار حق على شعب بريء بدم بارد».
في طريق العودة، يبدي كثيرون شكواهم من الطريق المؤدية إلى المدارس لأنها ترابية بمعظمها ومحاطة بأسلاك، فيسأل أحدهم: «إذا هطلت الأمطار، فكيف سيصل الطلاب إلى المدارس ولا باصات تنقلهم»، قبل أن يقول آخر: «هذه الأسلاك تجعل الطلاب يظنون أنهم ذاهبون إلى معكسر اعتقال!».