كتب «تواجه» العلم والفلسفة.. وتفرض أجوبة بديلة نمـاذج ممـا يدرسـه أبنـاء الوطـن فـي مـدارس الطوائـف

تساهم بعض الأنشطة المرتبطة بالتعليم الديني في تكوين شخصية التلميذ، انطلاقاً من كونه فرداً في رعية دينية، لا مواطناً. فيقترح كتاب التربية الدينية، في مدرسة مسيحية تابعة لإحدى الرهبانيات، نشاطاً يتوجب خلاله على التلميذ ملء بطاقة شخصية تشبه في صياغتها بطاقة الهوية، تمّ فيها إبدال الصورة الفردية بصورة المعمودية، والإسم والعائلة باسمي العراب والعرابة، وبإضافة مكان الرعية والأبرشية كبديل عن مكان السكن. ومثلما تقفل بطاقة الهوية التي تصدرها الدولة اللبنانية على عبارة «لبناني منذ أكثر من عشر سنوات»، تختتم البطاقة الشخصية التي تقترحها المدرسة الدينية المسيحية بالعبارة التي يلفظها الكاهن في العمادة: «هكذا أنتمي إلى عائلة المسيح، إلى شعب الله».
وفي القسم الثاني من النشاط ذاته، تعرض خريطة لبنان على كل تلميذ، ويطلب منه أن يحدد عليها إسم بلدته، وإسم الكنيسة التي تعمد فيها، وموقعها، وإسم الأبرشية التي ينتمي إليها، فتتجزأ الخريطة بلا جهد يذكر، وتتحول من أرض جامعة إلى مناطق خاصة.
ويرى الدكتور علي خليفة أن أنشطة مماثلة تبرز قوة الانتماء الديني كأساس للانتماء الوطني. إذ يتعلم التلامذة أن ينتموا إلى لبنان عبر هويتهم المسيحية من دون الأخذ بالاعتبار أن الهوية اللبنانية ليست دينية، نظراً لتعدد الانتماءات الدينية في لبنان. وبالتالي، ينشأ التلامذة معزولين عن الإطار التعددي للمجتمع اللبناني.
وهنا، يمكن ربط التعليم الديني، مسيحياً كان أو إسلامياً، وأنشطتهما ذات الصلة، بمسألة الانتماء، حيث يتعلم التلامذة الانتماء إلى طائفتهم الدينية في طليعة شعور انتمائهم الجماعي، وكتقديم للانتماء الطائفي على الانتماء الوطني.
ويؤكد خليفة أن مضامين كتب التعليم الديني لا تقتصر على تشكيل انتماء الفرد، بل تتعداه إلى نواح حياتية مختلفة. ففي بعض المدارس التابعة لجهات دينية، يقترن تعليم الفلسفة مع تعليم مبادئ التشريع الديني، ويتم تعليم الفلسفة ضمن إطار المشككين في واقعهم والتائهين عن الحقيقة، بينما يبنى تعليم الشرع، من وجهة نظرهم، على اليقين، وعلى الصراط المستقيم، ومن سعى عليه. ولذا، يقولون إنه «يجدر بالمتعلم أن يميز تمييزاً دقيقاً بين من اهتدى وسار وفق مبادئ الشرع فامتلك الحقيقة، وبين من اختار التيه بين مختلف النظريات الفلسفية المشككة التي تحث على النقد والشك وعدم التسليم والقبول بما يملى علينا من دون التفكير فيه والاقتناع به». ويشير خليفة إلى أنه «إمعاناً في قتل الحس النقدي والتفكير المعمق والشك عند الأجيال، يستبعد مثلاً الفلاسفة ابن رشد والمعري والحلاج الذين يعززون الحس النقدي ويحثون الناشئة على عدم القبول بالمنزّلات، بل بمساءلة الواقع كطريقة للاقتناع. وهذا ينطبق على المدارس كافة، رسمية وخاصة».

مدارس «إسلامية»
بعد دراسته لمحتوى بعض كتب إحدى الجمعيات الإسلامية المتشددة سنيّاً، يقول خليفة إن «هذه الكتب تحتوي على ثلاثة محاور: عقائدية واجتماعية وعلمية». ويستفيض المحور العقائدي في تقديم معتقدات الدين من زاوية امتلاك الحقيقة المطلقة، وفق خليفة، «وأنه لا عمل على الأرض إلاّ ويكون مرتبطاً بأحكام التكليف، ويصنف من ليس مسلماً من بين انواع الكافرين غير المرتدين، ولا عذاب كعذاب غير المسلمين». وطبعاً، يشمل المحتوى العقائدي أيضاً الفرائض والسنن وشروط الطهارة وأحكام الاستنجاء وغيرها.
ويسأل خليفة هنا عن سبب «هجومية التعليم الديني أو بعض نواحيه على التربية على المواطنية التي تساوي بين المواطنين ولا تصنفهم فئات؟».
أما المحتوى الاجتماعي فيشمل، إلى النواحي السلوكية، «آراء في تحريم لعب النرد وتحريم فن الرسم والتصوير لكل ذي روح». ويتساءل خليفة هنا عن سبب «تحميل التعليم الديني ما لا طائل للنفس على احتماله، ومواقف من الفن والتصوير؟».
وعلى مستوى المحتوى العلمي، يفنّد خليفة مجموعة من المعلومات المغايرة لمعطيات العلم الحديث، مثل قول: «كالسموات السبع والسبع أرضين والقلم الأعلى واللوح المحفوظ والعرش والمسافات التي تقاس على مسيرة أعوام بخفقان الطير المسرع»، ليقول إن «هذه كلها لا تتفق مع المعلوم عن اتساع الكون ومسافاته التي تقاس بالسنوات الضوئية وقياسه وموجوداته، وفي هذا هجومية للتعليم الديني على العلم وتحميل دلالاته الرمزية أكثر مما تحتمل».

مدارس «حزب الله»
تصدر جمعيّة مختصة بالتعليم الديني الإسلامي معتمدة في المدارس التابعة لـ«حزب الله» سلسلة كتب يلاحظ فيها خليفة «بذل مجهود واضح على صعيد التأليف والإخراج، كما على صعيد انتهاج الطرق التربويّة الحديثة في تركيز المحتوى وتنويع النشاطات وتعدّد أساليب التعليم ووسائله». ويلاحظ الاعتماد على «العامل النَّفسي للتأثير على الطالب وإثارة رغبته في منحى مدروس مسبقًا، كل ذلك بهدف إعادة إنتاج مجتمع مؤيّد لفِكر ونهج وسلوك وطريقة عَيش يسعى لها حزب الله ويعمل على تنفيذها في إطار تصوّر عام لمجتمع إسلامي – تغض الدولة طرْفَها عنه إسوةً بموقفها تجاه المدارس الدينيّة الاخرى». ومع الإشارة إلى تفوّق واضح من ناحية المقاربة التربويّة والمعرفة الشاملة المتقدّمة، يقول خليفة إن معدي السلسة «يشيرون بشكل مباشر ومن دون إبهام إلى «تأمين أجواء التَّوجيه والتربية لتصوغ عقل [المتعلّم[ وتحرّك مشاعِرَهُ وتُوجِّه سلوكه وترسم المعالم الرَّئيسيّة من شخصيّتِهِ»، ليؤكد أن «هذا المنحى يقود بشكلٍ مدروس ومقصود إلى الأدلجة».
وضمن السلسلة نفسها، وفي أكثر من بابٍ يندرج غالبًا تحت عناوين عامّة كـ«أخلاق الإسلام» و«أدب المعاملات بين الناس»، و«قيم الجهاد»... إلخ، يُأخَذُ المتعلمون، وفق خليفة، «إلى خيارات ثقافيّة وإيديولوجيّة كاقتران التضحية بالنَّفس بقيم الإخلاص، بغض النَّظر عن كون هذه القضيّة مربوطة أو لا بمقاومة المحتَل، مقاومة بالمطلق من دون ارتباطها بمدى زمني محدّد واقترانها الدائم بصورة مقاتل يحمل السلاح، مع الإشارة الدّائمة إلى وصاية رجل الدين ووكيله الشَّرعيّ كمرجعيّة لأخذ القرار في شؤون الحياة كافة».(السفير 6 أيلول2011)