إدارة أعمال «اللبنانية»: خفض المعدّل لحماية التشعيب؟

إذا كان التشعيب في كليات الجامعة اللبنانية خطأ، فالتوسع فيه خطيئة. هذا ما يعتقده أهل الجامعة، الذين ينتظرون أن تنصبّ الجهود على إنشاء مجمعات جامعية لائقة في المحافظات، لكن هل خُفض معدّل مباراة دخول كلية إدارة الأعمال خدمة لهذا التشعيب؟
يتناقل أهل الجامعة اللبنانية أنّ السبب الرئيسي لخفض المعدل العام لمباراة دخول كلية إدارة الأعمال والعلوم الاقتصادية هذا العام إلى 9 من 20، هو عدم تجاوز عدد الناجحين في فرع الكلية في منطقة راشيا 20 طالباً. ويروي هؤلاء كيف استنفر أنصار هذا الفرع الذي افتتح في العام الماضي مثل سائر شُعَب كليات الجامعة المتكاثرة كالفطر، خدمةً للزبائنية السياسية والطائفية. وطالب الأنصار بإجراء يحافظ على فرع راشيا، ومما قالوه «شو بدكن يانا نسكّر الفرع؟». الرواية ينفيها عميد الكلية د. كميل حبيب، لافتاً إلى أنّ طالباً واحداً فقط استفاد من خفض المعدّل، فيما بات الفرع يضمّ اليوم 62 طالباً. ويشرح حبيب أنّ تحديد معدل النجاح يتكيّف عادة مع الحاجة. ويؤكد العميد أنّ الهدف من الإجراء هو «إرساء ديموقراطية التعليم عبر استيعاب أكبر عدد ممكن من الطلاب الفقراء الذين يضطرون بعد رسوبهم في كليتنا إلى الذهاب إلى الجامعات الخاصة»، لكن ماذا عن تأثير الخطوة في حجم الاستيعاب في الفروع، ولا سيما في الفرع الأول، حيث وصل عدد المقبولين في المباراة هذا العام إلى 970 طالباً؟ يجزم حبيب بأنّه لن تكون هناك مشكلة، وكلّ ما في الأمر أنّه ستُزاد نصاب الأساتذة من 225 ساعة إلى 275 ساعة. أما اللافت في ما يقوله العميد، فهو «التوجه نحو افتتاح شعبة لكلية إدارة الأعمال في عكار، فأهل عكار يستحقون مثل هذه الشعبة»، متمنياً على مجلس الوزراء إقرار ذلك، «وخصوصاً بعدما أبدى مطران الأرثوذكس استعداده لتقديم المبنى!». وبدا بارزاً إجماع مدراء فروع الكلية على أنّ خفض المعدل يندرج في إطار «حق الطلاب الفقراء في التعلّم في الجامعة اللبنانية». فمدير فرع النبطية د. حسين بدران مقتنع بأنّ نسبة الرسوب الكبيرة في المباراة التي تنظّمها دائرة الامتحانات الرسمية في وزارة التربية ناتجة من المستوى القاسي للأسئلة. من هنا، لا يجد بدران مشكلة في خفض المعدّل، و«لا مبرّر للخوف على المستوى التعليمي العام، لأنّ من لا يستحق المتابعة «بينطحن» في السنوات الدراسية». الحذر الوحيد، في رأيه، هو الضغط اللوجستي على الفرع الأول تحديداً، لا على باقي الفروع. أما في موضوع التشعيب، فيؤيد بدران إنماء المناطق شرط أن يجري ذلك بصورة مدروسة ومنظمة ومنهجية، تتمثل في إقامة مجمعات جامعية في المحافظات. ماذا عن راشيا؟ يقول: «التفريع يتّخذه أصحاب النفوذ ولا أستطيع أن أضع نفسي مكانهم وأعلم بماذا يفكرون». ويردف: «أتصور أن هناك حاجات في المناطق، لكن هل وصل الأمر إلى حد إنشاء فروع لا تضم أكثر من 20 طالباً؟ لا أعلم». مدير الفرع الثاني د. سمير طنوس لا يخفي هو الآخر معارضته للتفريع العشوائي، الذي يضرّ بمصلحة الجامعة، لكنّه يوضح أنّها ليست المرة الأولى في تاريخ الكلية التي يجري فيها خفض للمعدل «فالمباراة كانت صعبة، وحالة الفقر التي يعانيها الطلاب أبكتنا». أما مدير الفرع الأول د. كامل كلاكش فبدا متفائلاً بإيجاد حلول لمشكلة الاستيعاب بالتعاون بين أهل الجامعة، طالما «أن الهدف هو فتح جامعة الوطن لكلّ أبنائه، وعدم الدفع بأولادنا إلى الجامعات الخاصة التي تنتظر مباراتنا لاستقطاب الطلاب».
لكن للأستاذ في الكلية، النقابي د. محمود خريباني، مقاربة أخرى، فالرجل يؤكد أنّ المفاعيل السياسية تخرق القرار التربوي حتى العظم، وتطيح المعايير المهنية والأكاديمية، وإلّا فما مبرر فتح فرع في راشيا أو في غيرها إذا لم يكن هناك حاجة إلى ذلك. الأمر لا يعدو، في رأيه، «فتح بازار توظيفي لتدمير الجامعة اللبنانية، التي لم تعد، في المناسبة، جامعة بل مدرسة ابتدائية». ويقول: «نريد مؤسسة تراعي المعايير العلمية العالمية لا مقاييس التقاسم السياسي والمذهبي»، معرباً عن اعتقاده بأنّ رفع شعار التنمية زوراً، «يخدم خلق فرص توظيف زبائن جدد لأهل السياسة، وهي ليست فرص عمل حقيقية». المشكلة، بحسب خريباني، ليست في خفض المعدل، بل في مبدأ التشعيب الذي لا علاقة له بتنمية المجتمع والتعليم .(الأخبار 7 أيلول2011)