معركة الأقساط: «مفعول رجعي» على الأهل

لسجال بين الأهالي والمدارس، في قضية الأقساط، ليس حامياً. سيدفعون حتماً. وفيما تتذرّع المدارس الخاصة بزيادة درجات المعلمين لرفع الأقساط، تردّ نقابة المعلمين بالأرقام، مؤكدةً أن حجم الزيادة «أعلى بكثير مما تستلزمه درجات الأساتذة الثانويين المضافة أخيراً»
سيدفع علي إبراهيم لمدرسة أولاده «ولن يسأل». 300 ألف أو 500 ألف، لا فرق. في المحصلة، سيدفع. تعب الرجل من «الزيادة تلو الزيادة». ليس له إلا «الشتائم» يطلقها متذمراً من بلد «كل من إيدو إلو». يشتم وزارة التربية التي «لا تراقب ولا تهتم». ويُصدم، حين يعلم أن هناك قانوناً لتحديد قيمة الأقساط في المدارس الخاصة. أغلب الظن أن الأهالي، لو عرفوا مضمون القانون 515/96 (ربما)، لثاروا على المدارس. فهذا القانون ـــــ الذي لا يُذكر كثيراً في سجالات الأهل مع المدارس ـــــ موضوعُ، في الأساس، لتنظيم الموازنة المدرسية ووضع أصول تحديد الأقساط المدرسية في المدارسة الخاصة غير المجانية. أهم النقاط فيه هي توزيع قيمة الأقساط كما يأتي: 65% (في حد أدنى) رواتب للأساتذة، و 35% (في حد أقصى) لسائر النفقات والأعباء الأخرى. طبعاً لا يعني ذلك أن تكون الأقساط موحدة في جميع المدارس الخاصة.
لا ينفي نقيب المعلمين، نعمة محفوض، أن هناك مدارس «تزيد من رواتب أساتذتها». لكنه لفت إلى أن للأهل الحق في نقض هذه الزيادة، ليس من باب «المطالبة بإنقاص الرواتب، بل عبر محاسبة الإدارة». وهذه المحاسبة قابلة للحدوث، برأي محفوض، لو كانت لجان الأهل فاعلة، وراقبت الموازنة المدرسية التي لا تقبلها وزارة التربية قانوناً إلا بعد تصديق لجنة الأهل المعتمدة عليها. وفي كثير من المدارس، تجري معاملات كهذه «تحت الطاولة» إن كان في المدارس أو في وزارة التربية نفسها. والأنكى، على ذمة محفوض، «أن الأهالي لا يعرفون حقوقهم». فإذا أرادت المدارس أن ترفع أقساطها، بحجة زيادة رواتب المعلمين، يمكنها ذلك «من حصة النفقات الأخرى أو الـ35% المنصوص عليها في المادة 2 من القانون 515». الرواتب والأجور، المعرفة قانوناً، هي ـــــ حصراً ـــــ تلك المحدّدة رسمياً، وهي تلك التي خاض لأجلها المعلمون معركة الزيادة، وانتهت بتحصيل 4 درجات ونصف إضافية.
وكي لا يصوّر الأساتذة على أنهم سبب الزيادة، يهمّ محفوض أن يشدّد على أن الزيادة المدرسية في المدارس الخاصة مبالغ فيها كثيراً. بعض المدارس، تستغل «قلة متابعة الأهل». فالدرجات المضافة، أخيراً، بعد إضرابات الأساتذة الثانويين، أقرّت للأساتذة الثانويين. لذلك، من المنطقي أن تكون الزيادة على الأقساط الثانوية لا غيرها، فيما «تشطح» المدارس بزيادة الأقساط على تلامذة التعليم الأساسي والابتدائي أيضاً، تحت ذريعة درجات الأساتذة، علماً بأن مشروع قانون إعطاء أربع درجات ونصف لمعلمي المرحلة الأساسية ما زال في مجلس الوزراء، وقد ينتظر طويلاً .
وثمة نقطة «تلاعب» أخرى: المفعول الرجعي. فالمفعول الرجعي لزيادة الدرجات هو عام واحد إلى الخلف، وليس رسماً أبدياً يضاف إلى القسط السنوي، كما تدرجه المدارس في الأقساط. ويوضح محفوض أن ذلك يعني زيادة «100 ألف هذا العام، وحسم نصفها في الأعوام المقبلة بانتهاء المفعول الرجعي». ويستفيض النقيب في القول: «الزيادات الحالية في أقساط تلامذة الابتدائي التي لم تقرّ زيادة في درجات المعلمين فيها كمرحلة بعد». هو، نقيب المعلمين، يعلّم في مدرسة تضم 1491 تلميذاً و60 معلماً. وزيادة الدرجات، إن حصلت، تحصل على دفعات، أي أن تضاف درجتان في العام الواحد. الدرجات «تقسّط» أيضاً. وتراوح قيمة الدرجة لمعلم الابتدائي بين 29 ألف ليرة و60 ألف ليرة. وإذا أخذنا معدلاً وسطياً هو 45 ألف ليرة، ببساطة، يمكن حساب قيمة الزيادة المترتبة على قسط كل تلميذ، جراء زيادة درجتين في العام الواحد بقاعدة بسيطة: 45 ألفاً x 2 x 12 x 60 مقسوماً على مجموع عدد الطلاب (1491). الجواب 44 ألف ليرة. الزيادات، في معظم المدارس، فاقت هذا الرقم بأضعاف.
وبالنظر إلى إحدى اللوائح، التي تشهرها موظفة في إحدى مدارس الضاحية، يبدو الأمر (الزيادات وفقاً لتقديرات تجارية) مسوغاً. ثمة مدارس «قريبة» زادت 500 ألف. رقم خيالي نظراً إلى حساب قيمة الدرجات المضافة للأساتذة. قلائل هي المدارس خارج «الكارتيل» فلم تزد أقساطها. تبدو الزيادة حالة عامة. لكن، في «غراند ليسيه» مثلاً، لا يتوقع الأهالي زيادة. «طرقوهم» 400 ألف ليرة في العام الفائت، فلا يتوقعون شيئاً مماثلاً هذا العام. وفي «الليسيه فردان»، حيث شهدت الأعوام الماضية زياداتٍ مستمرة استلزمت حراكاً من لجان الأهل، وتدخلات سياسية، يشعر الأهل بأن الزيادة آتية. وفي المدارس التي تستقطب طبقات اقتصادية «أرفع » كالمدرسة الألمانية، ارتفع القسط هذا العام 300 ألف ليرة، حتى على تلامذة التعليم الأساسي. في مدارس من هذا النوع، أقساطها مرتفعة أصلاً، لا تحدث المئتي دولار فارقاً، وخصوصاً أن الأهالي معتادون الزيادة تحت حجة «جودة التعليم الأفضل». ولا يفوت المدارس «الذكية» مسايرة زبائنها، فإذا كان هناك أكثر من طفل فيها، تقبل بحسم 10% على الطفل الثاني، و 15% على الطفل الثالث، ما يعني ذوبان الزيادة في الحسومات.
المدارس تخترع الحلول دائماً. ففي مدارس الجمعية الخيرية الإسلامية العاملية، مثلاً، يحسبون قيمة الزيادة من المساعدات. وفي هذا الإطار، يلفت الإداري في الجمعية، محمد حمادة، إلى أن المدرسة «تقتطع قيمة الزيادة من المساعدات التي تقدمها للطلاب في الأساس». يختلف الشكل قليلاً، إلا أن المحصلة تصبّ في النهاية بزيادة الأقساط، فالفارق الاسمي في توصيف الزيادة، لا يعني الأهل كثيراً. زيادة الأقساط، أو نقصان المساعدات، يؤدي في النهاية إلى نتيجة واحدة: مبلغ مالي أعلى من المدفوع في العام الفائت، وخصوصاً أن حمادة لم يذكر قيمة الزيادة المقرّرة هذا العام، أو حتى المساعدات التي تقدمها مؤسسته. اللهم إذا استثنينا الزيادة بسبب «زيادة 4 درجات ونصف على رواتب معلمي الثانوي». فتلك زيادة تصور على أنها «مقدسة»، تمهيداً لتصور المعلمين على أنهم «سبب الزيادة الرئيسي». النقاش في مسألة الدرجات يأخذ شكلاً آخر، يبدو غياب لجان الأهل عنه لافتاً للجميع، إلا للأهل أنفسهم .
وتبعاً لمصادر في اتحاد المؤسسات التربوية، ترتب درجات الأساتذة المضافة زيادة 300 ألف ليرة على أقل تقدير، وذلك مذكور في دراسة أعدها الاتحاد، واجهتها نقابة المعلمين بدراسة مضادة، تثبت أن القيمة القصوى للزيادة تبلغ 50 ألف ليرة على التلميذ الواحد، مع الجزم بأن هذه الزيادة ينبغي أن تكون على المرحلة الثانوية حصراً. ويوضح المعلمون في دراستهم أن مقاربة اتحاد المؤسسات التربوية تتضمن 3 أخطاء. الأولى، برأي المعلمين، هي زيادة 700 ألف ليرة شهرياً، كحساب لساعات إضافية للأساتذة. لا يعلق نقيب المعلمين على هذه الزيادة، لكنه «يستغربها». الرقم مرتفع وغير مقنع برأيه. وفي هذا الصدد، تشير الفقرة الثانية، في النقطة الأولى من المادة الثانية بقانون 515، إلى أن «الأجور الملحوظة للداخلين في الملاك بدل مهمات تعليمية تربوية تتجاوز نصاب عملهم الأسبوعي والمحسوبة على أساس ما يستحق لهم وفقاً لأحكام الفقرة الأولى، على ألا يتجاوز مجموع ساعات عملهم في المدرسة الدوام المعمول فيها، وذلك في حدود 35 ساعة أسبوعياً». لا حديث عن ساعات إضافية والنص القانوني واضح. وإلى ذلك، يصر محفوض على أن «الاتحاد في دراسته يجيز قبض المفعول الرجعي من الأهل إلى الأبد، عوضاً عن حسمه من قيمة الأقساط في الأعوام المقبلة». وطبعاً، يشدد محفوض على أن درجات معلمي الأساسي لم تقرّ بعد، فلا داعي إلى أن يدفع الأهالي ثمن درجات (أضعاف قيمته الحقيقية) قبل أن تقر أصلاً. لكن ثمة مشكلة رئيسية في هذا كله، هي الأهل. فموازنات المدارس، لا تقر ولا تقبل، إلا بتوقيع من لجان الأهل. لا أحد يفهم كيف تنتخب هذه اللجان أصلاً. ومعظم اللبنانيين مسكونون بشبح التعيينات والمحادل في الانتخابات أينما جرت. لذلك، وفقاً لإداريين في المدارس، لا يشاركون في اللجان. الأقساط ترتفع، وثمة سجال حاد يطعن في قانونية الزيادة، فأين الأهل؟ الأهل هناك، يصرخون من الواقع، وغالبهم لا يلجأ إلى القانون، رغم أنه في مصلحتهم، حتى وإن صحت «الشائعات» عن «تطنيش عالي المستوى» في وزارة التربية، في مراقبة ارتفاع الأقساط.(الأخبار 19 أيلول2011)