تطرح المديرية العامة للتعليم المهني والتقني مشروع مرسوم لتنظيم حقول ومراحل وشهادات هذا القطاع بهدف تطويره. هدف يسبب خلافاً بين أهل البيت الواحد: بين المديرية العامة وأصحاب المعاهد الخاصة الخائفين على قطاعهم من «تحاملها»
ماذا لو أصبح النجاح في الشهادة المتوسطة شرطاً للقبول في معاهد التعليم المهني والتقني؟
العام المقبل، سيصبح هذا السؤال واقعاً، وستصبح الإجابة عنه ضرورية لمعرفة الاتجاه الجديد في هذا القطاع، فإما بقاء الواقع على ما هو عليه الآن، إذ لا يتطلب الالتحاق بالمعاهد المهنية تأمين هذا الشرط، وإما العودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل تسعينيات القرن الماضي، عندما كان النجاح في هذه الشهادة فرضاً واجباً للالتحاق.
بين الاتجاه الأول السائد والثاني المستحدَث من خلال مشروع مرسوم «تنظيم حقول ومراحل وشهادات التعليم المهني والتقني» الذي تعمل عليه المديرية العامة للتعليم المهني، ينقسم المعنيون بين مؤيّد ومعارض. أو بتعبير أدق، بين مدراء المعاهد والنقابات، أنصار الاتجاه الأول، والمديرية العامة، التي تقف على الطرف الآخر المنادي بالتطوّر.
وبما أن تحسين هذه الحقول، يتطلب إعادة الاعتبار للمهني عبر تنظيم الدخول إليه، كما تطرح المديرية، فالعودة إلى ما كان قبل التسعينيات لا يمكن أن يشبه اليوم في شيء، بحسب مديري المعاهد. ثمة ما تغيّر، وهو «نوعية» المنتسبين إلى المعاهد. فالإحصاءات الأخيرة تشير إلى أن «نسبة 67% من المنتسبين إلى المراحل الأولى من التعليم المهني، هم من الراسبين في الشهادة المتوسطة». ما يعني أن ثلثي تلك المراحل يقوم على الراسبين، مقابل ثلث فقط يملأه الناجحون. ما يعني أيضاً، أن حصر الدخول إلى المعاهد بالناجحين له نتيجة واحدة: رمي الثلثين خارجاً. وهي نتيجة على سوئها، قد تنتج ما هو أسوأ، وهو البدء بـ«إلغاء» معاهد بسبب تقلص أعداد المنتسبين إليها وربما فقدانهم، وخصوصاً في ظل وجود معاهد تعتمد في تركيبتها على الراسبين فقط.
اتجاهان لا ثالث لهما، ورأيان يكاد يكون الجمع بينهما صعباً، أقلّه إلى الآن، ولكلٍّ أسبابه. فالمديرية تسعى من خلال المرسوم إلى تغيير المفهوم السائد في المجتمع عن أن «التعليم المهني مأوى للراسبين»، كما يشير المدير العام للتعليم المهني والتقني أحمد دياب. أما مدراء المعاهد والنقابات، فيقبلون التطوير استناداً إلى شرطين «أن يلحق التنظيم القاعدة والهرم، وأن يكون مطواعاً يلائم واقع التعليم المهني»، بحسب مدير معهد الآفاق فادي ناصر. في المبدأ، لا خلاف على «طلب التنظيم». لكن، لحظة الدخول في مشروع المرسوم تبدأ الخلافات. وقد تكون النقطة الأولى فيه، تلك التي تشترط النجاح في الشهادة المتوسطة للانتساب، هي الأخطر، التي على أساسها يُقبل أو لا يقبل المرسوم.
وإن عدنا إلى المشروع، نقرأ في المادة السادسة منه أن «الانتساب إلى السنة الأولى من شهادة البكالوريا الفنية يتطلب من التلميذ أن يكون حائزاً شهادة التكميلية المهنية أو ما يعادلها في الاختصاص المناسب او الشهادة المتوسطة أو ما يعادلها». ويكمل «أو إفادة ترشيح لامتحانات البروفيه الرسمية، شرط أن لا يرفّع الطالب إلى السنة الثالثة من شهادة البكالوريا الفنية ما لم يكن حائزاً شهادة البروفيه أو التكميلية المهنية».
تواجه هذه المادة رفضاً شديداً من أصحاب المعاهد والنقابات. ويقول نقيب المدارس المهنية ريمون أبي كنعان، إنّه ليس من العدل «حصر اختصاصات المهني، التي تتعدى 132 اختصاصاً في شهادة البكالوريا الفنية بالناجحين في البروفيه الرسمية، فالمعادلة لا يمكن أن تبنى على أساس أن الراسب ليس قادراً على النجاح في شهادة البكالوريا المهنية». ثمة رأي آخر يطلقه رئيس رابطة المعاهد الفنية العالية عبد مكداشي، وهو «أن إبقاء هذه المادة من شأنه إلغاء القطاع المهني، وخصوصاً إذا ما أخذنا بالحسبان أن معظم الطلاب الناجحين بشهادة البروفيه لا يتخذون خيار الاتجاه نحو المهني». ثمة سؤال هنا يستولي على هؤلاء، وهو ما يقوله صراحةً ناصر «إن كان المرسوم يسمح للراسب في السنة الثانية من الشهادة المتوسطة بالانتساب إلى السنة الثالثة من الشهادة التكميلية، فلمَ لا يطبّق القانون نفسه على الراسبين في الشهادة المتوسطة؟».
لا يبدو جواب المديرية العامة مطمئناً، إذ لا مجال لإلغاء المادة كلياً، لكن «يمكن التفاوض». وعلى هذا الأساس، يشير دياب إلى بعض الحلول المقترحة، ومنها أن «التلميذ الراسب بإمكانه الالتحاق بالسنة الأولى من شهادة البكالوريا الفنية، على أن يخضع في آخر العام لامتحانين: أولهما مدرسي بكامل المواد ليقرّر نجاحه أو رسوبه في هذه السنة، وثانيهما مركزي، بحيث يختار من مواد سنته الدراسية 4 او 5 مواد اختصاص ويجري فيها الامتحان، فإن نجح ينتقل إلى السنة الثالثة، وإن رسب فأمامه خياران، إما الإعادة أو الالتحاق بالمشاغل الفنية وفق نظام التعليم المزدوج».
حلّ مبدئي يحتمل نقاشاً آخر، لكن على ما يبدو أنه لا يرضي الطرف الآخر، فهؤلاء مطلبهم واحد: «فصل قضية الراسبين والناجحين عن المرسوم»، بحسب ناصر، أو «نعمل على إيجاد مخرج، كأن نتبع على سبيل المثال أسلوب الوزارة، بالموازاة بين الشهادتين الرسمية والمهنية، فإن كانت الوزارة ترفّع تلامذة المهني بمعدل 7 من 20، فلم لا يؤخذ بالحسبان إلحاق طالب شهادة البروفيه الحائز معدل 7 من 20 بقطاع التعليم المهني».
لكن، الحل لا يقبل «التجزئة»، يقول دياب. ولهذا السبب، إن كان لا بد من التطوير «فليس علينا التعليق على نقطة دون أخرى». وعلى هذا الأساس، يؤيد المرسوم «ككل متكامل، كأن يعوّض بند عن بند»، يقول دياب. وإن كان الأخير لا يطرح «بديلاً»، إلا أنه يشير إلى أنه «يمكن التعويض عن الراسبين بإعطاء منح دراسية شهرية بقيمة 225 ألف ليرة للحائزين معدل 14 من 20 وما فوق في الامتحانات الرسمية، والذين ينتسبون إلى التعليم المهني والتقني الرسمي». ولئن قبل «التعويض»، إلا أن ما لن يقبل هو حصر تلك المنح بالرسمي، دون الخاص. وهو حل «لن ينجح»، بحسب مكداشي، والسبب أنه «جرت تجربة هذا الأمر في وقت سابق، إذ عملنا طيلة خمس سنوات على إعطاء منح كاملة للمتفوقين في الشهادة المتوسطة، لكن لا أحد تسجل لدينا». ويسأل «ما الذي سيدفع متفوقاً في الشهادة الرسمية إلى بناء طموح في قطاع لا يحظى بكثير من الصدقية». وعلى هذا الأساس، ثمة خوف من جهة أخرى، وهو خوف أصحاب المعاهد من أن يكون الحل «حرباً على القطاع المهني الخاص»، وخصوصاً إن كان المنتسبون إلى الخاص يفوقون بكثير ما يحويه المهني الرسمي. ويعطي ناصر مثالاً عن هذا الاختلاف «وهو أنه في العام الدراسي الماضي كان عدد طلاب الرسمي 38100 مقابل 73786 في الخاص».
شرط وشرط مقابل، وطرفان لا يتنازلان، فأيهما سيفرض «التطوير»؟ الجواب رهن بالأعوام المقبلة، فعلى ما يبدو أن الخلافات أرجأت هذه النقاشات حرصاً على تمرير العام الدراسي المقبل، وأرجأت الخوف إلى ما بعد هذه «التمريرة».
طفرة أوائل
22 متفوقاً وعشرات المراتب الأولى. «51 أوّل واللي بدو يتحدى». 7 أوائل. تخمة في الصور... والمراتب في شارع بالكاد تتسع الأعمدة المنصوبة على أرصفته لها. شارع، هو واحد من شوارع كثيرة تمتلئ في مثل هذه الأيام، مع بداية التسجيل للعام الدراسي المقبل، بصور الفائزين بالأوليّة في المعاهد. محاولة قد تبدو جيدة، في رأي الكثيرين، في مجال الدعاية والتسويق لجذب منتسبين جدد قد تغريهم الأرقام، لكن ما لا يبدو جيداً هو التلاعب بكيفية وضع هذه الأرقام. فإن كان لا يبدو لافتاً كمّ الفائزين بتلك المراتب، وخصوصاً في ظل الحديث عن 130 اختصاصاً مهنيا، إلا أن ما يثير الانتباه والريبة أيضاً هو اشتراك طالبين أو أكثر من أكثر من معهد في اختصاص واحد. السؤال يصبح ضرورياً هنا: كيف يمكن أن يحصل ذلك؟ في مرة سابقة، قبل بضع سنوات، بدأت القصة: طالبان من معهدين مختلفين يجمعهما الاختصاص الواحد والرقم 1.. ولبنان. يومها، حصلت بلبلة و«تأدّب» الفاعلون، لكنهم، لم يتوبوا كلياً. فهم، إن امتنعوا عن مثل هذا الخطأ، إلا أنهم لم يمتنعوا عن «الإغراء».(الأخبار 23 أيلول2011)