أين دور «المؤسسة الوطنية للاستخدام» في رسم سياسات التشغيل ومكافحة البطالة؟

عُطّلت لمصلحة أكثر من مئة مكتب استخدام خاص تعمل من دون ترخيص!
ثمة في دول العالم كافة مؤسسات وإدارات عامة تمتاز بفعالية وقوة تأثير، في مقابل مؤسسات وإدارات أقل فعالية وأضعف تأثيراً. لكن، في لبنان وحده من بين كل دول العالم ثمة مؤسسات شبه منسية، مهملة، معلّقة ما بين السماء والأرض. يكاد لا يعرف الناس العاديون ولا حتى المسؤولون الرسميون، شيئاً عنها أو عن طبيعتها. وبعضهم، كيلا نقول غالبيتهم، يجهل وجودها أصلاً، ظناً منه أنها ألغيت بالمرة قبل سنوات، أو أنها، كما غيرها، بلا حول ولا قوة.
ذلك كلّه طبعاً على الرغم من أهمية هذه المؤسسات الفائقة ووظائفها العملية الحيوية، إن لجهة دورها في تفعيل عجلة الإدارة العامة والاقتصاد اللبناني على السواء، أو لجهة قدرتها على معالجة الكثير من مشاكل سوق العمل، لا سيما منها البطالة المزمنة. المؤسسة الوطنية للاستخدام واحدة من هذه المؤسسات المنسية، ولعلّها أهمّها! لذلك، ربما، جرى العمل طيلة عقود على طمس معالمها، وعلى حجب حضورها في ساح الفعل. ذاك أن الكثرة الساحقة من مسؤولينا الكرام لديها مكاتب استخدام غير قانونية تعنى بتوظيف الأزلام والمحاسيب، ما يتعارض كلياً مع القانون الذي أناط بالمؤسسة حصرياً حق استحداث مكاتب الاستخدام، ولعب دور الوساطة بين طالبي العمل وعارضيه في القطاع الخاص.
وذات يوم سيكشف «الصندوق الأسود» للدولة اللبنانية أسرار الضرب المنظّم لهذه المؤسسة وغيرها. أمّا في الوقت الراهن فيبدو مجدياً وذا منفعة عامة السؤال عن طبيعة عمل هذه المؤسسة وأهميتها؟

41 موظفاً جديداً بانتظار مجلس الخدمة

أنشئت المؤسسة الوطنية للاستخدام بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 80 الصادر في 27 حزيران 1977، ومذّاك يمكن القول إن مسلسل التهميش والإهمال قد بدأ. وأنيط بالمؤسسة وفق القانون رسم سياسات التشغيل في لبنان، عبر استحداث مكاتب استخدام في مختلف المناطق. هذه المكاتب القليلة العدد قياساً بالمهام الملقاة على عاتقها أبصرت النور، ولكنها لم تتلمس طريقها إلى ساحات الفعل المنتج بفعل فاعل غير مجهول الهوية. ويقول المدير العام للمؤسسة نبيل تابت لـ«السفير» إن هذه المؤسسة، على أهمية دورها المنوّه عنه في قانون إنشائها، إلا أنها منذ استحداثها في 1977 لم تمنح الإمكانيات البشرية والمادية اللازمة لتثبت أنها فاعلة، وأن دورها هو الأهم لناحية رسم سياسات التشغيل ومكافحة البطالة، فضلاً عن إجراء دراسات شاملة ومسوحات لأوضاع سوق العمل في لبنان ولنسب البطالة بين قواه العاملة.
فموازنة المؤسسة التي لا تتجاوز الملياري ليرة، والتي يذهب شطرها الأكبر لدفع رواتب العاملين فيها، علاوة على التعويضات والإيجارات والنفقات الدائمة، لا تكفي بطبيعة الحال لمعالجة ملف ضخم بحجم ملف التشغيل ومكافحة البطالة، يشدّد تابت. على أن ذلك لا يلغي أهمية هذه المؤسسة التي تمتاز بأولويتها في كل دول العالم، ما عدا لبنان.
فالأخير، بحسب تابت، فيه حوالى مئة مكتب استخدام خاص يعمل أصحابها من دون ترخيص قانوني. إذ أعطت المادة الثامنة من مرسوم إنشاء المؤسسة الحق الحصري باستحداث مكاتب الاستخدام بغية التوظيف في القطاع الخاص لها وحدها دون غيرها.

مؤسسة غير مجدية!

وعن أسباب تغييب دور المؤسسة، يقول تابت ثمة عقلية سائدة لدى بعض المرجعيات لا تؤمن بدور هذه المؤسسة، على أساس أنه مكلف وغير مجد ويصنف في خانة الهدر المالي، فيما الواقع المزري اليوم في سوق العمل يشكل أبلغ دليل على إلحاحية دورها وأولويته.
ففي 30 حزيران 2010 اتخذ مجلس الوزراء بناء على طلب وزير العمل بطرس حرب، القرار رقم 42 والقاضي بتوظيف 41 مستخدماً في ملاك المؤسسة، يتوزعون على فئتين هما: اختصاصيون فنيون من جهة، وإداريون من جهة ثانية. ويتوزع الموظفون على مكاتب الاستخدام التابعة للمؤسسة، وفق تابت. وهذه المكاتب يبلغ عددها اليوم ثلاثة فحسب، في بيروت وطرابلس وصيدا. وينحصر دورها بالوساطة بين طالبي العمل وعارضيه. وثمة مشروع جديد لاستحداث مكتبين في البقاع وجبل لبنان، إنما جرى تعليق تنفيذه في انتظار دعوة مجلس الخدمة المدنية لإجراء مباراة دخول للراغبين بالانضمام إلى ملاك المؤسسة. علماً أن نسبة الشغور الحالي في المؤسسة تتجاوز الـ70 في المئة حيث يعمل فيها 30 مستخدماً من أصل 108. وإضافة إلى ذلك، ترتبط المؤسسة بعقود مع حوالى 26 جمعية (لا تبغي الربح) منتشرة على مختلف الأراضي اللبنانية. وتتولى هذه الجمعيات، تحت رعاية المؤسسة، تدريب الأشخاص المتسربين، ممّن لم يتح لهم إكمال تحصيلهم العلمي، على 40 مهنة. وتستغرق الدورة 6 أشهر، ينال بعدها المتدرب شهادة بوصفه عاملاً ماهراً، تشكل دفعة قوية له في سوق العمل.
بالعودة إلى مباراة الدخول إلى ملاك المؤسسة، لا يجد تابت سبباً يمنع مجلس الخدمة من الدعوة إلى إجراء المباراة برغم موافقة مجلس الوزراء على إجرائها. لكنه يستطرد بالقول «في العام 2005 كان ثمة مشروع قانون يهدف إلى إلغاء المؤسسة موجود في أدراج وزارة المالية. وعندما تولى الوزارة الوزير الياس سابا وقّعه محولاً إياه إلى وزير العمل آنذاك طراد حمادة. والأخير رفض توقيع المشروع. ما يعني انه غير نافذ».

دور المؤسسة المعطّل؟

وتضطلع المؤسسة وفقاً للمادة 3 من مرسوم إنشائها بـ«رسم وتنفيذ سياسة الاستخدام في لبنان بصورة عامة، كما تتولى بصورة خاصة وعلى سبيل المثال، لا الحصر، المهام التالية تأمينا لتحقيق أهدافها:
- إنشاء مكاتب استخدام في بيروت والمناطق اللبنانية كافة والإشراف عليها.
- مكافحة البطالة عن طريق تأمين نسبة مرتفعة للاستخدام.
- المساهمة في تحسين تنظيم سوق العمل.
- المساهمة في تشجيع المشاريع ذات الانعكاس على سوق العمل.
- المساهمة في كل ما من شأنه رفع مستوى اليد العاملة.
ـ القيام بالدراسات والأبحاث الرامية إلى تحديد السياسة العامة للاستخدام».
وفي ضوء عجز المؤسسة عن القيام بمهامها المنصوص عليها أعلاه، بفعل عدم رصد الاعتمادات الضرورية لذلك، تبرز الى الواجهة مسألة غياب الدراسات حول سوق العمل في لبنان، لا سيما ما يتعلق بنسب البطالة. فبرأي تابت «لا أحد في القطاعين العام والخاص يملك دراسة شاملة ودقيقة حول نسب البطالة في لبنان. وكل الأرقام غير ناتجة من دراسات معمقة لواقع السوق اللبناني. ما يحتّم أن تتسم السياسات المبنية على تشخيص خاطئ ومعلومات غير صحيحة بالقصور التام عن معالجة جذر المشكلة وفي أغلب الأحيان نتائجها أيضاً».
بناء على ما تقدّم، يبقى السؤال ضرورياً عما إذا كان وزير العمل الحالي شربل نحاس، بوصفه وزير الوصاية، سيكمل ما كان سلفه بطرس حرب قد بادر إليه في الطريق إلى إعادة الاعتبار لهذه المؤسسة وصولاً إلى تفعيلها تدريجياً بصورة مطلقة. وقد يكون مجدياً كمرحلة أولى ممارسة الضغط على مجلس الخدمة المدنية لإجراء مباراة الدخول إلى ملاك المؤسسة لـ41 مستخدماً وافق مجلس الوزراء على توظيفهم في قراره الصادر بتاريخ 30/6/2010.
في ذلك ما قد يسهم في نفض، ولو القليل، من طبقات الغبار الشديدة الكثافة، والمتراكمة فوق هياكل دولة كرتونية يتآكلها التحاصص الطائفي، وتشلّها ذهنية: لا للعمل!
حسن الحاف