ما كاد السواد الأعظم من المواطنين ذوي الدخل المحدود من أبناء منطقة النبطية يتخففون من شهر رمضان وأثقاله المادية المرهقة التي لاحقتهم لشهر بعده، حتى فوجئوا بحلول العام الدراسي الحالي مبكراً، فارضاً عليهم المزيد من الأعباء والمتطلبات المضاعفة، التي توزعت على بدلات تسجيل الأولاد وشراء الكتب والقرطاسية والثياب لهم، إضافة للمصاريف والمدفوعات الأخرى التي يئنون تحتها، ولا طاقة لهم على تحملها، ما فاقم من أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي يعانون منها أصلا.
تلك الصورة تجسدها حالة لميا سلامة وأولادها الأربعة، بعدما اقتصدت مما تتقاضاه لقاء عملها في تنظيف المدارس والمنازل مبلغ 250 ألف ليرة، لتسجيل ولدين في المرحلة الابتدائية، فيما أبقت على الولدين الآخرين من دون تسجيل بانتظار تأمين المال اللازم، وهي تنتظر مساعدتها من قبل الخيرين والمحسنين، وتتمنى الاهتمام بها والنظر بحالتها، كي لا يضيع مستقبل أولادها.
ويعتاش محمود حمزة وزوجته وأولاده الثلاثة من إنتاج بقرة يقتنيها، وليس له أي معيل غيرها، ولو لم يجمع له بعض الخيرين والمحسنين من أبناء بلدته بدل تسجيل أولاده الثلاثة في المرحلة الابتدائية، وثمن شراء الكتب والقرطاسية لهم، لما تمكن من إدخالهم إلى المدرسة في العام الحالي، ولكانوا بقوا من دون دراسة، وهو يشكر كل الذين ساهموا في إنقاذ أولاده.
لا تختلف أوضاع محمد ظاهر الذي يعمل في مهنة البناء كثيراً عن حمزة، لأنه أحياناً يعمل، وأحياناً كثيرة لا يعمل، لذلك فإن أوضاعه الاقتصادية والمعيشية صعبة للغاية، واعتمد على مساعدات الجمعيات الخيرية في تسجيل ولديه، وتأمين القرطاسية والكتب لهم، لأنه لا يستطيع تلبية احتياجاتهم، وبالكاد يقدر على تأمين الطعام والشراب لهم. «يجب أن يكون التعليم مجانيا في مراحله الابتدائية والتكميلية والثانوية والجامعية، أسوة بالدول العربية المجاورة»، بحسب محمد بدر الدين، لأن «الفقراء والمساكين وذوي الدخل المحدود لم يعد باستطاعتهم إدخال أولادهم إلى المدارس ودفع بدلات التسجيل والنقل والكتب والقرطاسية والثياب لهم، لأننا بالكاد نحصل على الطعام والشراب، ويجب وضع ذلك الأمر موضع التنفيذ في أسرع وقت، تلافياً للمشاكل التربوية المتفاقمة».
وتطالب مريم ذيب النواب والحكومة ووزارة التربية والسياسيين الجنوبيين بمساعدة الفقراء لتسجيل أولادهم في المدارس الرسمية، رحمة بأبنائهم وحفاظاً على مستقبلهم المهدد بالضياع ومنعا لتسربهم المدرسي. أما ضحى نادر فقصدت عددا من الجمعيات والمؤسسات الخيرية والإنسانية، طالبة مساعدتها في تسجيل أولادها، لكنهم كانوا يقولون لها انها موظفة، ولا تجوز مساعدتها، بينما هي تعمل بالأجرة اليومية، ولا تعرف ماذا تفعل بعدما أقفلت جميع الأبواب في وجهها.
وعلى الرغم من تلك الحالات، إلا أن الدراسة في المدارس والثانويات الرسمية في منطقة النبطية انتظمت منذ اليوم الأول من العام الدراسي بنسبة 75 في المئة، ووصلت تلك النسبة إلى مئة في المئة بحلول الأسبوع الحالي، بعد اكتمال عقد تسجيل من تخلف من الطلاب لأسباب مادية، فيما المباني المدرسية وتجهيزاتها تعتبر مقبولة في حدها الأدنى، وهي صالحة للتدريس، في 130 مدرسة وثانوية في نطاق المحافظة، والتي تضم نحو 30 ألف تلميذ في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية.
وتأتي في طليعة تلك المدارس «ثانوية حسن كامل الصباح الرسمية المختلطة» في مدينة النبطية، التي تعتبر من أكبر ثانويات المنطقة لاحتضانها 1200 طالب، ومئة معلم موزعين على 40 شعبة. وهي تتعرض لضغط كبير من الطلاب الراغبين في الانضمام إليها مرده لمستواها العلمي والتربوي الرفيع، الذي تؤكده نتائج الامتحانات الرسمية، والذي قارب المئة في المئة، وحصول إدارة الثانوية على تنويه مديرية التعليم الثانوي والهيئة الوطنية للمدارس الرسمية لجهودها للنجاحات الباهرة التي حققها طلابها في الامتحانات الرسمية. وتشير المصادر إلى أن الأولوية في قبول الطلاب في الثانوية هو للطلاب القدامى أولاً، وللمحور الجغرافي القريب منها ثانياً، فيما خضع طلاب المدارس الخاصة لامتحانات الدخول التي بموجبها يتم تسجيلهم. كما انتظمت الدراسة بشكل طبيعي في ثانوية البنات في كفررمان، والتي يوازي مستواها التربوي والعلمي ثانوية الصباح، وحصولها على التنويهات التربوية المماثلة لنتائج طالباتها في الامتحانات الرسمية. وقد تسجلت فيها حتى تاريخه حوالى 300 طالبة، وفق المصادر التربوية.
أما علي صعيد المعلمين، فيبلغ عددهم نحو 40 معلماً، بعد توفر العدد الكافي منذ تثبيت المعلمين المتعاقدين قبل سنوات عدة، وبعكس ثانوية الصباح لم تشهد ثانوية البنات ضغطاً يذكر من قبل الطالبات بسبب العدد القليل لقاعات التدريس الأربع عشرة فيها، في حين تحتاج الثانوية لضعف ذلك العدد من القاعات، ما يشكل معضلة مزمنة تعاني منها الثانوية منذ إنشائها. وتعتبر المصادر أن الحل الجذري لتلك المعضلة «يكمن في إنشاء المبنى الجديد للثانوية المزمع بنائه بالقرب من ثانوية الصباح الرسمية، لأن من شأنه حلّ مشكلة استيعاب الطلاب الثانويين في مدينة النبطية والمناطق المجاورة لها».(السفير 8 تشرين الاول2011)