تفتتح مؤسسة الكفاءات اليوم مركزها الخامس، الذي يفترض أن يحتضن 650 شخصاً من مختلف الأعمار، بينهم 100 حالة توحد، و100 حالة مصابة بالشلل الدماغي، في ظل وجود 600 حالة على لائحة الانتظار
ربى أبو عمّو
اسمها « القرية». قد توحي بقرية رحبانية، لكن لا وجود لنبع أو جرّة ماء أو مختار، بعدما اختارت الحداثة في تكوين أحيائها، من دون أن تنسى الطبيعة. الحدائق الصغيرة تحيط بك أينما اتجهت. يشعرك اللون الأبيض بالهدوء، قبل أن تعيدك الألوان إلى الصخب. تتجلى الرحبانية في السلام الذي يمنحك إياه المكان.
هذه «القرية» تفتتح اليوم، لتمثل المركز الخامس ضمن سلسلة مراكز مؤسسة «الكفاءات». وهو سيضم 650 شخصاً من مختلف الأعمار، بينهم 100 حالة مصابة بالتوحد، و100 أخرى مصابة بالشلل الدماغي. تعمل المؤسسة على إنشاء مراكز جديدة لاستقبال المزيد من ذوي الحاجات الخاصة، وخصوصاً أنه يوجد حالياً نحو 600 شخص على لائحة الانتظار، حال بعضهم صعبة جداً.
القرية هي المكان الذي يخلد إليه الإنسان طلباً للراحة والاستجمام. من هنا جاءت تسمية هذا المشروع، الذي يهدف إلى خلق بيئة مريحة لقاطنيه. ليس هذا فقط، فخلال التجوال في المركز، يقول المدير العام للمشروع، رئيف شويري: «هؤلاء ليسوا معوقين. نحن من نعيق حركتهم ». تجد هذه العبارة في كلّ أنحاء القرية، التي استعانت بخبرات أوروبية لجعلها ملائمة لذوي الحاجات الخاصة. الأهم من كل ذلك أنهم عمّال ومنتجون. حتى إنهم يبيعون منتجاتهم. بعضهم ربما بات قادراً على ادّخار المال.
يلفت المدير الإداري في القرية، نزار طنوس، إلى اعتماد طريقة علاجية جديدة، تقوم أولاً على تقويم طاقات الشباب الإنتاجية، والاطلاع على حاجات المجتمع الاستهلاكية. ثم توزّع المهمّات الإنتاحية على أطفال وشباب القرية بحسب مهاراتهم، لخلق عملية إنتاجية متكاملة تعود بالربح على المنتجين. الفارق بين القرية وغيرها من المؤسسات التي تُعنى بتشغيل ذوي الاحتياجات الخاصة، يكمن في التركيز على مهاراتهم الإبداعية وثقلها. بمعنى أن المستهلك لن يشتري إنتاج «القرويين» لأنهم معوقون، بل لأن أعمالهم مميزة. لا وجود لعبارة «حرام» في مصطلحات المركز. الهدف أن يدرك هؤلاء أنهم يتوجهون يومياً إلى عملهم، «فالأهل لن يعيشوا مدى العمر»، بحسب طنوس.
قبل يومين من الافتتاح، بدا المركز أشبه بخلية نحل. حتى مسؤولة البرامج الهولندية كانت تساعد في التنظيفات بمبادرة منها. الأولاد شاركوا أيضاً في تنظيف الأثاث. آخرون بدأوا يأخذون أماكنهم في ممتلكاتهم أو مشاغلهم. الفرن، المطبخ، المسرح، غرف صناعة الصابون والسيراميك... إلخ.
المشروع عبارة عن شراكة بين « كفاءات» ومؤسسات بريطانية وهولندية وبلجيكية رسمية وخاصة. وخلال الافتتاح اليوم، ستوزع على المانحين صحون رسم عليها الأولاد رسوماً من وحي القرية، بيوتاً ملونة، أشجاراً، وأيادي متشابكة.
يصعب الحديث عن القرية من دون آل شويري. فرئيف هو ابن عائلة كرست طاقاتها وأموالها للكفاءات وذوي الحاجات الخاصة. وهب نديم الشويري الأب، ورجل الأعمال الثري، نحو 80 في المئة من أملاكه للكفاءات. هذا الرجل المتدين مارس تدينه من خلال هذه المؤسسة. واليوم، يتابع أولاده المسيرة. رئيف مثلاً، يكرس نحو 95 في المئة من طاقته للكفاءات. لماذا؟ يكتفي بالقول: «تربيت في ذلك المكان. جميعهم أصدقائي». رئيف وإخوته اختاروا اختصاصاتهم الجامعية انطلاقاً من حاجات الكفاءات.
افتتاح «القرية» اليوم يجسد المرحلة الأولى من المشروع، على أن تليه مرحلتان، إذ يفترض أن تتيح الثانية استضافة إصابات عقلية دون الـ14 عاماً، والثالثة إيواء المسنين من ذوي الحاجات الخاصة، الذين لم يعد لديهم معيل.
في ذلك المكان، أنت أمام ولادة دولة جديدة. قد تكون دولة أفلاطونية ضمن دولة غريبة. مع الوقت، ستعمل القرية على تأمين وظائف لبعض طلابها، بحسب قدراتهم، في الخارج، بوجود مساعدين. لا شك أن المجتمع لن يتقبل الأمر بسهولة، لكن قد يدرك مع الوقت أنه هو من ذوي الحاجات الخاصة، ويحتاج إلى «الشفقة».