تختار رئيسة مؤسسة «فرانكوفونيا-لبنان» كلوتيلد دو فوشيكور كلماتها بدقة، وهي تتحدث عمّا أسمته «موزاييك» التعليم في لبنان.
تتجنب السيدة الفرنسية الساعية إلى «تعزيز تشارك قيم الثورة الفرنسية ولغة بلادها بين الدول الفرنكوفونية، ومن بينها لبنان»، إطلاق أي توصيف يسيء إلى ما تعتبره «الغنى والتنوع والحرية التي تتمتع بها المدارس اللبنانية، الخاصة والرسمية على حد سواء».
إلا أن إعجاب دو فوشيكور بإيجابيات «الموزاييك» التعليمي اللبناني، لم يحل دون خروجها بخلاصة مفادها «أن ذلك لا يؤدي إلى تكوين مواطن لبناني واحد، بهوية موحدة».
وتسعى دو فوشيكور إلى اختيار كلماتها أيضاً لدى حديثها عن المستوى الأكاديمي للمدارس الرسمية في لبنان، إذ تلاحظ «وجود نوايا جدية للعمل ولتطوير التعليم الرسمي لدى مدراء ومسؤولي بعض المدارس»، في مقابل «إمكانيات محدودة، واعتماد بعض المعلمين طرقاً تقليدية في التعليم، كالتلقين و«البصم» بعيداً عن الوسائل الإيضاحية الحديثة.
وفي ختام زيارة نظمتها مؤسسة «فرانكوفونيا-لبنان» لستة عشرة مدير مدرسة ومعلماً فرنسياً وفرنسياً-لبنانياً، إلى مدارس لبنانية رسمية وخاصة، تبدي دو فوشيكور إعجاب الوفد بالمستوى التعليمي لتلامذة لبنان ومدارسه، مشيرة «إلى توفر تقنيات في بعض المدارس الفرنكوفونية الخاصة في لبنان غير موجودة في معظم مدارس فرنسا».
كما فوجئ الوفد أيضاً بالمستوى اللغوي للتلامذة الفرنكوفونيين في لبنان «الذين يتحدثون فرنسية سليمة بطلاقة قد لا يتقنها عدد كبير من تلامذة فرنسا الذين يغرقون في مفردات اللغة المحكية لبلادهم، بعيداً عن القواعد وأصول اللغة الرسمية»، وفق دو فوشيكور.
وجاءت زيارة الوفد الأكاديمي الفرنسي إلى لبنان في إطار نشاطات مؤسسة «فرانكوفونيا-لبنان» التي أسستها دو فوشيكور في تشرين الثاني 2010، بعدما شعرت بضرورة «المساهمة في إبقاء اللغة الفرنسية حية وفاعلة، وفي تشارك القيم الفرنسية بين الدول الفرنكوفونية»، من دون طلب أي تمويل حكومي فرنسي او حتى من الجهات المانحة الأخرى.
فالمؤسسة تمول نفسها من اشتراكات الأعضاء المحددة رسمياً بخمسة عشر يورو في الشهر، بينما يدفع كثيرون مبالغ أكبر. ويتحمل المشاركون في الأنشطة والرحلات تكاليف تذاكر سفرهم، بينما تتخذ المؤسسة من العادات المتوسطية في الضيافة سبيلاً لتوفير كلفة الإقامة، فيستضيف اللبنانيون الفرنسيين الزائرين وبالعكس.
وعليه، افتتحت المؤسسة باكورة نشاطاتها بوفد طلابي وتعليمي فرنسي زار مدينة زحلة في الصيف المنصرم، وقام بتنظيم لقاءات وورش عمل لتلامذة المدارس في المنطقة، هدفت إلى تقوية لغتهم الفرنسية بطريقة غير مباشرة. وضربت المؤسسة، وعبر زيارة الوفد خلال الصيف إلى البقاع ومكوثه فيه، بعرض الحائط بالتحذيرات الأمنية التي وردتها من أكثر من جهة. «نريد ان نبرهن للعالم وللفرنسيين أن لبنان بلد تمكن زيارته والعمل فيه، وخصوصاً العيش فيه»، تقول دو فوشيكور، التي تأسف كون التحذيرات الأمنية التي انهمرت على الوفد صيفاً، وخصوصاً بعد قضية خطف ألأستونيين، حالت دون زيارته مدارس مدينة بعلبك ومحيطها.
ومهدت دو فوشيكور لزيارة الوفد وعمل المؤسسة في لبنان بزيارة شخصية قامت بها عام 2010، التقت خلالها بمديري بعض المدارس وبمنسقي اللغة الفرنسية فيها. قالت لهم «ندفع ثمن تذاكر السفر وتتدبرون الباقي»، وعليه طلب العديد من المدارس التعاون مع المؤسسة بما يتيح تطوير أساليب التعليم وتبادل الخبرات بين الجهتين.
تقول دو فوشيكور إن المؤسسة تسعى للاستفادة من خبرات المدارس الرسمية في تعليم اللغة العربية الفصحى والصحيحة، «فاللغة المحكية العربية بعيدة نوعاً ما عن اللغة الفصحى، ومع ذلك يتمتع التلامذة بمستوى لغوي جيد، وهذا ما نريد ألاستفادة منه».
وتشير دو فوشيكور إلى أن المؤسسة تسعى إلى الاستفادة من خبرة لبنان بالتحديد، كون الجاليات العربية الأخرى الموجودة في فرنسا، لا تتمتع بالمستوى اللغوي العربي عينه. وتلفت إلى افتتاح مدرسة في مرسيليا لتعليم اللغة العربية ليس لتلامذة الجاليات العربية فقط، وإنما للفرنسيين الراغبين بذلك أيضاً. واختارت السفارة الفرنسية في بيروت مؤسسة «فرانكوفونيا-لبنان» لتكون صلة الوصل والمبادرة إلى تنظيم المبادلات بين لبنان والمدرسة التي تعلم اللغة العربية في مرسيليا.
وفي إطار التعاون الأكاديمي نفسه، نظمت المؤسسة زيارة عمل لمديرين ومعلمين لبنانيين إلى مدارس كاثوليكية خاصة في فرنسا لتبادل الخبرات، كما تعد لاستقبال تلامذة من مدارس من مناطق لبنانية مختلفة ولدى عائلات فرنسية في فرنسا لتقوية لغتهم الفرنسية ومساعدتهم على نسج علاقات مع اقرانهم الفرنسيين.
وعقد بعض مديري المدارس الفرنسية، من المشاركين في الوفد الفرنسي، اتفاقات توأمة مع مدارس لبنانية لوضع خطط للتعاون ولتعزيز خبرات الطرفين، ولتنظيم دورات تأهيلية للمعلمين بمساعدة من القنصلية الفرنسية في لبنان التي تقدم الدعم للمؤسسة وتسهل عملها.