نجحت بلدة شبعا الجنوبية (قضاء حاصبيا) في الحفاظ على مدرستها الرسمية. نجاح تحقق بإضافة 5 «كونتينرات» حديدية بهدف استيعاب تزايد عدد التلامذة الذين يحققون أعلى نسب النجاح في الامتحانات الرسمية والمدرسية. هؤلاء وضعوا مدرستهم في المرتبة الثالثة في محافظة النبطية، معلنين بقاءها على قيد الحياة بعدما أقفلت مدارس «زميلة» في عدد من قرى العرقوب المنسيّة في جنوب الجنوب
عفيف دياب
إن من يزور شبعا في الطقس البارد، وثلوج حارسها جبل الشيخ وشوارعها الخالية من الحركة، يكتشف أنّ النسيان فعل فعله في هذه البلدة. نسيان الدولة اللبنانية لمزارعها على مدى 3 عقود قبل أن تصبح «لازمة» في أغنية طوائفها وعلى مسارح الخطابات السياسية، ونسيان «ناسها» في عمق وادي أشجار جوز وكرز وسنديان وملول تؤنس وحدتهم. ويكتشف الزائر أنّ لتلامذتها قصة لا تشبه حتى قصص أقرانهم في القرى اللبنانية المنسية.
قصة مدرسة شبعا الرسمية ليست إلا فصلاً صغيراً من حكايات البلدة وأخواتها في منطقة العرقوب. مدرسة ولدت عام 1920، ونمت لتصبح في مبنى واحد في عام 1964.
وفي العام الدراسي 2003 ـــ 2004 ارتفعت فوق سطحها الهرم «كونتينرات» حديدية لتستوعب ازدياد عدد التلامذة الذين لا خيارات أمامهم سوى الإصغاء إلى معلميهم، وصوت المطر العازف على أوتار حديد سطوح «الكونتينرات» التي تبرع بها أحد أهالي البلدة لتكون دعماً لمدرسة رسمية توفر التعليم لـ 306 تلاميذ من الروضة الأولى حتى الثامن أساسي لم تستوعبهم الغرف الـ 19، ما اضطر الإدارة الى وضع 5 «كونتينرات» حديدية لاستيعاب العدد الكبير.
ويشرح أحد المدرسين أنه بعد استحداث الفرع الإنكليزي في المدرسة، وإضافة صفي السابع والثامن أساسي، أصبحت القدرة الاستيعابية للغرف الموجودة أمراً مستحيلاً، و«هذا ما ألزمنا بالاستعانة بكونتينرات استفادت منها الثانوية في مرحلة سبقت انتقالها إلى مبناها الجديد». ويضيف إن وزارة التربية أخذت علماً بالواقع الحالي وإن المنطقة التربوية في النبطية تتابع الموضوع مع الوزارة، لافتاً إلى أنّ «الأهالي أجروا اتصالات بمجلس الجنوب الذي أرسل فريقاً وأعدّ دراسة هندسية أظهرت إمكانية إضافة طبقة ثالثة وتشييد مزيد من الغرف».
ويقول أحد أبناء شبعا المتابعين لملف المدرسة مع الجهات الرسمية إنّ بلدتهم تنتظر بدء مجلس الجنوب بتشييد الطبقة الثالثة، و«قد يكون في الصيف المقبل مع انتهاء العام الدراسي الحالي كما علمنا». ويوضح أنّ سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري أخّر تشييد هذه الطبقة، والحكومة الحالية لم تصدر الموازنة العامة، ما أسهم أيضاً في التأخير. ويلفت مدير المدرسة يحيى علي إلى أنّ المنطقة التربوية في محافظة النبطية تتابع عن كثب تطور المدرسة وتسعى إلى الإسراع في تشييد الطبقة. ويشير إلى أنّه يضمّن تقاريره الدورية إلى الوزارة الحديث عن «الكونتينرات» المضافة إلى المدرسة والتي أصبحت من أملاك وزارة التربية، وأنهم مضطرون الى استعمالها بسبب ارتفاع عدد التلامذة. ويكشف الرجل أنّ الإدارة «تستغل كل سنتيمتر في المدرسة، حتى إننا حوّلنا غرفة الحارس إلى صف للتدريس». ويؤكد علي أنّ الدائرة التربوية في محافظة النبطية «وفرت لنا الكادر التعليمي».
اللافت في مدرسة شبعا هو نسب النجاح التي تحققها في الامتحانات الرسمية والتي تطاول بصورة عامة 96 في المئة. والمفيد ذكره أنّ نمو المدرسة الرسمية في بلدة شبعا، والاستعانة بـ«كونتينرات» حديدية لمواكبته، جاءا أيضاً بعد إقفال 3 مدارس خاصة خلال فترات سابقة ومتتالية، ما أحدث ضغطاً قوياً على المدرسة الرسمية الوحيدة في البلدة التي تجهد لكي تبقى صامدة وتستوعب تزايد أعداد التلامذة، ولا سيما أن شبعا لا تعرف ما يسمّى التسرب المدرسي. ويقول أحد المتابعين للشأن التربوي في شبعا إنّ إدارة المدرسة أضافت الفرع الإنكليزي و«الكونتينرات» لسببين اثنين: الأول لتخفيف المعاناة عن الأهالي الذين كانوا يرسلون أولادهم إلى مدارس مرجعيون بسبب اللغة الإنكليزية، والثاني تحسباً لإقفال المدرسة لاحقاً بعدما أخذ عدد التلامذة في الفرع الفرنسي يتراجع بنسب كبيرة». هذا التحرك «الشبعاوي» وافتتاح الفرع الإنكليزي أسهما في الحفاظ على المدرسة مفتوحة، والصمود بعكس زميلاتها في كفرحمام وراشيا الفخار والفرديس وميمس التي أقفلت بسبب العدد المحدود للتلامذة. ويضيف الرجل إنّ الخطة نجحت و«أبقينا المدرسة قائمة، وهناك اليوم 120 تلميذاً في المرحلة الأساسية ـــــ القسم الإنكليزي خارج شبعا، نعمل على استعادتهم إلى مدرسة البلدة في العام الدراسي المقبل». ويردف إنّ متوسطة شبعا تلقى دعماً من الأهالي الذين يساعدون في توفير مادة المازوت للتدفئة، والتعاقد مع مدرسين إذا لزم الأمر (في المتوسطة 11 مدرساً في الملاك، و19 متعاقداً، و3 متعاقدين على حساب البلدية).
وفي بلدة شبعا أيضاً ثانوية رسمية تضم حالياً 200 طالب وطالبة، وهي ناشطة كشقيقتها المدرسة المتوسطة، ما رفع عدد الطلاب والتلامذة المقيمين في البلدة إلى 506، عدا عن الأعداد التي تتوجه يومياً إلى مرجعيون. لكن المفارقة الكبيرة تبقى في التوجيهات والتعاميم الحزبية التي يبدو أنها تعمل على استهداف المدرسة الرسمية في كبرى بلدات العرقوب. ويقول أحد أبناء البلدة إنّ الجماعة الإسلامية تمنت على مناصريها تسجيل أولادهم في مدرسة الإيمان الخاصة بهم في بلدة الهبارية، وإن قادة من تيار المستقبل نصحوا مناصريهم أيضاً بتوجيه أولادهم نحو الدراسة في مدارس خاصة تخصّ قادةً أو موالين للمستقبل في حاصبيا، مبدياً أسفه لإدخال السياسة بما يهدد المسار التربوي العام في البلدة. ويرى أنّ «الصراعات السياسية الضيقة قد فوّتت فرصاً كثيرة على شبعا ورفع مستوى الخدمات فيها».