طوبيا زخيا: التغطية الصحية الشاملة حق لكل اللبنانيين

«لا أحد يعلم لماذا تقدّم وزارتا الصحة والشؤون الاجتماعية خدمات صحية؟». بهذا السؤال كشف رئيس مجلس إدارة صندوق الضمان طوبيا زخيا، عن معوقات تطبيق التغطية الصحية الشاملة. ففي لبنان، تطاول المحاصصة الخدمات الصحية، وتصنّف اللبنانيين ضمن فئات مختلفة. الحلّ بتعميم خدمات أساسية بصرف النظر عن الانتماء والكلفة

1) يتضمن قانون إنشاء الضمان الاجتماعي مراحل عديدة تنتهي بالتغطية الصحية الشاملة، لماذا لم تطبق جميعها؟

ـــــ عندما أنشئ الضمان الاجتماعي في عام 1962، أي منذ نحو 50 عاماً، تطرّق قانون الضمان إلى التغطية الصحيّة الشاملة على مراحل، لكننا عدنا إلى الوراء بعد كل هذه الفترة وبات الضمان الحالي يشبه الضمان الفرنسي في عام 1962 لأن عقلية الضمان الاجتماعي غير موجودة. هكذا تحوّل الصندوق إلى ما يشبه شركة تأمين وانخرط في عملية خلق الفئات لا خلق المنفعة العامة.
في الواقع، إن التقديمات الصحية في لبنان التي تعدّ حقاً إنسانياً للجميع، باتت مرتبطة بجهات معيّنة تحصره بفئات محدّدة تخلقها هي، فعلى سبيل المثال خلقت فئة لمنحها هذه الخدمات من خلال «بطاقة صحية» عبر وزارة الصحّة، وخلقت فئة أخرى مبنية على معايير «الفقر» لمنحها تقديمات عبر وزارة الشؤون الاجتماعية. لا أحد يعلم لماذا تقدّم وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة خدمات الطبابة والاستشفاء؟ وفي عام 2000 أُقرّ قسم جديد للمضمونين بعنوان «اختياري» بدلاً من «إجباري». علماً بأنه لا يمكن أن يكون الضمان الاجتماعي «اختيارياً» لكونه مبنياً على التضامن بما هو عنصر أساسي، وهذا يعني تسديد الاشتراكات منذ الانتساب والاستفادة بحسب الحاجة، لا كما يحصل حالياً من تجاوز لمفاهيم التضامن وربط التقديمات بسداد الاشتراكات، فهذا يشبه عمل شركات التأمين حيث يسدّد ثمن البوليصة بحسب درجة المخاطر.
وبالنسبة إلى التمويل، فإن الفئات التي خلقت خارج الضمان كانت مموّلة من الخزينة العامة، على عكس القاعدة التي تتحكّم بعمل الضمان والقائمة على الاشتراكات التي تموّلها ثلاثة أطراف: العمال، أصحاب العمل، والدولة.

2) ما هي أسباب غياب الصندوق عن النقاش المتعلق بالتغطية الشاملة؟

ـــ رغم أن نظام التغطية الصحية الشاملة قابل للتطبيق وهو ضرورة مبدئية، رفض وزير العمل السابق بطرس حرب الفكرة بكاملها، وقال إن لديه مشروعاً خاصاً به. أما بالنسبة إلى الضمان، فمجلس إدارته لا يريد مناقشة التغطية الصحية الشاملة، لأن المجلس هو لإدارة الضمان وليس لتطويره، لا بل يرون أنفسهم غير معنيين بالموضوع(!)

3) أي مبادئ يجب الاستناد إليها لتطبيق نظام التغطية الصحّية الشاملة؟

ـــــ يجب خلق منفعة عامة لا فئات من بين اللبنانيين، فتُمنح التقديمات الصحية للجميع بصرف النظر عن كلفتها، على عكس ما يحصل حالياً في الضمان حيث يعاني صندوق المرض والأمومة من عجز مالي، وذلك رغم أن الضمان الصحي للأجير يتوقف بعد بلوغه سن التقاعد، أي حين يكون بأمسّ الحاجة إلى هذه التقديمات. لذلك يندفع المتقاعد إلى البحث عن تغطية صحية من حسابه الشخصي، أي من شركات التأمين بشروط صعبة وبكلفة مرتفعة، فعلى من يتقاعد أن يذهب إلى شركة تأمين أو يصبح شحاداً، ومن يبقون مضمونين بعد سن الـ64 هم السائقون العموميون والأطباء، وباقي الفئات «غير موجودة». وبعد إقرار التغطية الشاملة، يمكن إقرار نظام الشيخوخة.
وفي المبدأ هناك نظامان للضمان الاجتماعي في العالم؛ ففي انكلترا هناك ضمان لكل الناس مموّل من الضريبة، مقابل نظام مختلف في ألمانيا حيث يموّل من الاشتراكات. ثم ظهرت أنظمة جديدة مبنية على خليط من النظامين، مثل الضمان الاجتماعي الفرنسي المموّل من الاشتراكات ومن الضريبة في الوقت نفسه، فالاشتراكات في فرنسا تمثّل حالياً 48% من تقديمات الصحة، فيما تموّل الخزينة 36% من التقديمات، والباقي مصدره ضرائب مباشرة على سلع معيّنة.

4) إلى أي مدى يجب مقاربة موضوع التغطية الشاملة من زاوية كلفة التقديمات؟

ــ الكلفة في هذا المجال هي أمر ثانوي. فعلى سبيل المثال هناك قسم الضمان الاختياري الذي انتسب إليه الذين كانوا يحصلون على الاستشفاء على حساب وزارة الصحة، ثم انتقلوا إلى الضمان الاجتماعي ليحصلوا على طبابة واستشفاء. قبل انتقالهم لم يكن أحد يتحدث عن كلفة هؤلاء على عاتق وزارة الصحة، وعندما كانت الوزارة تريد زيادة إنفاقها، فتذهب إلى مجلس الوزراء. أما بعد انتقالهم، فظهر موضوع الكلفة وبدأ الحديث عن التوازن المالي في الضمان فيما رفضت الدولة سداد الكلفة الإضافية. هكذا أصبح هؤلاء في معتقل «غوانتنامو لبنان» لأنه لم يعد بإمكانهم الذهاب إلى وزارة الصحة، فيما تركّز الكلام في الصندوق عن زيادة معدلات الاشتراكات على هؤلاء، أي زيادة الكلفة على المضمونين بعدما توقفت المستشفيات عن استقبالهم. هذه نتيجة مثل هذه السياسات.

5) برأيك ما هي الصيغة الأفضل في لبنان لتمويل النظام الصحي الشامل؟

ــ كان الأفضل أن يكون نظام التقديمات الصحية في لبنان كالمعمول به في انكلترا من أجل أن تصل الحقوق إلى كل المقيمين. لكن هذا الأمر صار متأخراً حالياً. أستحسن أن يكون تمويل الضمان الاجتماعي قائماً على الاشتراكات والخزينة العامة، من أجل إنشاء توازن بين ما هو قائم سابقاً وما هو متوقع مستقبلياً. فللعمال حقوق مكتسبة لا يمكن التفريط بها. وهذا ما حصل تماماً في فرنسا عندما أدخل عنصر الضريبة لتمويل تقديمات الضمان الصحي. حينها توقفت الاشتراكات عن الزيادة، فيما ارتفعت حصّة الضريبة في تمويل التقديمات الصحية من 0.5% في عام 1995 إلى 13% حالياً.

6) هناك من يروّج لوجود صعوبات في تنفيذ سريع للتغطية الشاملة؟

ــ إذا كان بعض الناس يرون أن الأمر مرتبط بتوحيد الصناديق فهذا خطأ لأنه غير ممكن. الجميع بالنسبة إلى الدولة متساوون، ويجب أن يحصلوا على المستوى نفسه من التقديمات الصحية. على الدولة أن تتأكّد من حصول كل لبناني على الخدمات الصحية الاساسية، بعد أن تحدّد أي التقديمات الأساسية التي يجب عليها منحها للجميع بالمستوى نفسه وبصرف النظر عن كلفتها. وبالنسبة إلى الصناديق، فهي ستبقى كما هي عليه حالياً، أي تبقى التقديمات الإضافية لكل صندوق قائمة بما هي حقوق مكتسبة للفئة من الأجراء التي يغطيها.
بعد هذه الخطوة، يجب معالجة الوضع في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ليكون بإمكانه تنفيذ التغطية الصحية الشاملة لنحو 4 ملايين لبناني، فالإدارة بوضعها الحالي غير كافية على صعيد العديد والتدريب...
في المجمل، يحتاج التنفيذ إلى إرادة سياسية دائمة لكونه متصلاً بحياة الناس، فلا يمكن التذرّع بأن الاعتمادات الملحوظة في الموازنة انتهت وأن العمل وفق القاعدة الاثني عشرية، على سبيل المثال، لا يتيح تغطية الإنفاق الإضافي على طبابة المضمونين واستشفائهم.

7) هل يمكن توسيع الضمان الاختياري ليشمل كل اللبنانيين في ظل إصرار بعض السياسيين على رفض التغطية الشاملة؟

ـــــ يمكن تحويله إلى إجباري حتى لا يكون هناك تهرّب كما يحصل حالياً. اللبنانيون يسألون عن سبب عدم ضمانهم صحياً، لكن هذه مسؤولية السياسيين. ضمان الجميع يجب أن يكون سارياً منذ ما قبل الولادة حتى الممات.

سياسة «نعم» و«لا»

هناك 26 عضواً في مجلس إدارة الضمان (10 يمثلون العمال، و10 يمثلون أصحاب العمل، و6 يمثلون الدولة)، فيتأثّر عمل مجلس الإدارة وفق آراء هؤلاء الواردة من خارج الضمان لأن «مفاتيحهم» خارجه أيضاً، فتارة يصوّتون بـ«نعم» وأخرى يصوتون بـ«لا»