لم تبلغ التحركات المكثفة والمراجعات الحثيثة، التي تولتها جهات سياسية، ومرجعيات نيابية، ووزارية، ومجالس إدارة ولجان مكلفة، مع المسؤولين المعنيين في وزارة الصحة على مدى السنوات الماضية، خواتيمها السليمة، بشأن انتشال «مستشفى راشيا الحكومي»، من المشاكل التي تعيق حركته التشغيلية، لا سيما لجهة رفع السقف المالي السنوي للمؤسسة، وتوفير الرواتب للموظفين شهريا، ودفع المستحقات التي شرعتها لهم هيئة التشريع والقضايا في وزارة العدل منذ العام 2001، وعدم تأخر الجهات الضامنة بدفع المتوجبات القائمة عليها. ذلك الواقع القائم منذ عشر سنوات ونيف، دفع بالطاقم التمريضي والموظفين الإداريين والماليين والفنيين، إلى تنفيذ اعتصام مفتوح أمام المستشفى، احتجاجاً على عدم قبض رواتبهم منذ ثلاثة أشهر، وعلى عدم ايجاد المخارج القانونية والمنطقية لمطالبهم المشروعة، وذلك من أجل رفع الظلامة المستحكمة بحركة المستشفى، حتى تتمكن من تلبية الحاجات الصحية لأكثر من 200 ألف نسمة من أبناء مناطق راشيا والبقاع الغربي، خصوصا أن الموظفين هم العصب الأساس للحركة التشغيلية في المؤسسة، والعنصر الضامن في تأمين خدمة صحية سليمة وآمنة للمرضى.
وقد رفع المعتصمون اللافتات التي تشدد على عدم تجاهل مطالبهم، والإسراع في بتها واتخاذ القرارات الجريئة بشأنها، حتى لا تتعطل الخدمات الطبية في هذا المستشفى الوحيد على مستوى المنطقة، محذرين من اللجوء الى توسيع إطار تحركاتهم بطرق يكفلها الدستور ويقرها القانون في حال عدم إيجاد الحل الجذري للمطالب، خصوصاً أن معاناة الموظفين تتفاقم في ظل أزمة اقتصادية خانقة، باتت تهددهم في استقرارهم المعيشي وأمنهم الحياتي، رافضين الحلول المجتزأة التي اعتادت الوزارة اللجوء إليها مع كل تحرك، لامتصاص الحركة الاحتجاجية وخنقها قبل أن تتوسع، وتدفع بالقوى الشعبية إلى النزول إلى الشارع للدفاع عن ملاذها الصحي الأوحد والأقرب. ووصف المعتصمون إعطاء سلفة شهر للموظفين من أصل المبالغ المستحقة عن ثلاثة أشهر، بـ «الحبوب المخدرة، التي لا تفيد في ظل زيادة المتطلبات الحياتية، وارتفاع أسعار السلع والحاجيات الضرورية عند المواطنين».
اللجنة المكلفة إدارة المستشقى أكدت عدم قبض الموظفين الإداريين والماليين والفنيين، والطواقم التمرضية، رواتبهم منذ ثلاثة أشهر. وعزت الأسباب إلى قصور السلفة المالية المخخصة للمستشفى، والبالغة 97 مليون ليرة عن تلبية المستحقات المطلوبة، خصوصاً أن ثلث المبلغ يذهب إلى الأطباء، والمبلغ المتبقي يتوزع على شراء الأدوية وتأمين السلع الغذائية وشراء المياه والمازوت، لتوليد الطاقة الكهربائية والتدفئة والصيانة، إلى جانب بعض الضروريات والمستلزمات، فضلاً عن رواتب الموظفين، علماً بأن رواتب الموظفين الذين يبلغ عددهم 60 موظفاً في ملاك المؤسسة، وعشرين آخرين في التعاقد، قد تتعدى وحدها 80 مليون ليرة. ولفتت الإدارة إلى أن السلفة المالية المقررة للمستشفى، هي أقل بكثير من حجم العمل فيه، ما يجعلنا نضطر عند منتصف كل شهر إلى التوقف عن استقبال المرضى، مع العلم بأن قدرة المستشفى اوسع بكثير مما هو قائم حالياً.
وأشارت اللجنة إلى أسباب أخرى تزيد من حجم المشكلة، والمتمثلة بتأخر الجهات الضامنة عن دفع مستحقاتها للمستشفى خاصة وزارة الصحة، حيث الديون تتراكم عليها، وتزداد معها حجم المعاناة إن لجهة رواتب الموظفين أو لجهة قبول المرضى، مع أن المستشفى يتقاضى مبلغ 5 بالمئة من قيمة الفواتير العائدة للمرضى. وذكّرت اللجنة بالحقوق المكتسبة للموظفين، والمتمثلة بمستحقاتهم المالية المشرعة لهم بموجب استشارة هيئة التشريع والقضايا في وزارة العدل منذ العام 2001، وذلك بعد قرار التثبيت في ملاك المؤسسة، والمبلغ المقرر هو بحدود المليار ليرة لبنانبة. وأشادت اللجنة بـ «اهتمام الفعاليات والمرجعيات الوزارية والنيابية السياسية والحزبية، التي لم تتوان عن دعم المستشفى ومساعدته لإيجاد المخارج والسبل الآيلة الى حل بعض المعضلات القائمة منذ سنوات، عن طريق رفع سقف السلفة المالية الى المستشفى، على اعتبار أن السلفة المخصصة لا تعادل ثلث المبلغ المطلوب، لتحريك عجلة العمل في المستشفى وتوسيعها والإندفاعة بها نحو الأفضل». وأعربت اللجنة والموظفون في المستشفى عن أملهم الكبير بوزير الصحة علي حسن خليل، الذي «يقف إلى جانب المطالب المشروعة لمستحقيها، ويوفر الأمان للموظفين الذين تتفاقم معاناتهم في ظل الواقع الاقتصادي المتردي»، مؤكدين أن «حلحلة الأمور ورفع سقف السلفة المالية للمستشفى ودفع المستحقات للموظفين، تتطلب لفتة من الوزير، الذي لن يتوانى عن رفع الغبن والإجحاف والظلامة عن هذا المرفق الحيوي، كي يفعل طاقته التشغيلية ويلبي حاجات المواطنين».