عماد الزغبي
خلص المحاضرون في ندوة «خارطة طريق نحو تعليم القرن الواحد والعشرين في لبنان» إلى أن «وضع هذه الخارطة يستدعي مواجهة سلسلة تحديات قائمة تبدأ من كيفية المحافظة على الثقافة والهوية، في ظل ظهور أطر وإشكالات دولية وإقليمية واقتصادية وأكاديمية».
ورأى المحاضرون أن «الحقبة الحالية تتميز بسرعة التغيير في مختلف النواحي»، وأنه يتوجب على النظم التربوية أن تتكيف أو تتطور معها للحد من مخاطرها وللاستفادة من إيجابياتها. واعتبروا أنه «من الجنون أن توصد الجامعات الأبواب أمام المد التكنولوجي الجارف، مع التنبه من ان تتحول هذه الجامعات الى جامعات افتراضية ورقمية، وتفرض بالتالي على الطالب الإقامة الجبرية أمام شاشة الحاسوب».
وأجمع المحاضرون على ضرورة فهم حقيقة ما يجري في العالم، وأنه «من الظلم لأجيال المستقبل البقاء على سياسة ردات الفعل، لأن الشأن التربوي لا يحتمل الانتظار». ووجهوا دعوة لدفع التعليم في لبنان الى مستويات المنافسة والتميز لوضع مستقبل زاهر للأجيال الحاضرة والمقبلة.
وقد عقدت الندوة في قصر الأونيسكو مساء أمس، بحضور حشد من رؤساء الجامعات الخاصة، وأكاديميين ومهتمين، بدعوة من «مؤسسة التميز للتعليم والريادة». وأشارت د. منى إبراهيم، باسم المؤسسة، الى أن «الندوة تندرج ضمن سلسلة أنشطة وأبحاث شاملة، وستتوج بإصدار دراسة وطنية».
وتولى مدير عام التعليم العالي د. أحمد الجمال تقديم المحاضرين، مشدداً على «أهمية ندوات كهذه في التخطيط لمستقبل التعليم العالي».
واعتبر عميد المعهد الجامعي للتكنولوجيا في الجامعة اللبنانية د. علي إسماعيل أن «التخطيط للمستقبل قضية ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية، ومهمات تربوية وعلمية، يتطلب رؤى مستقبلية لدى أهل الخبرة والقرار». وشدد على أنه «لا انفصال لقضية التعليم عن أهداف وخطط الحاضر والمستقبل، كما أن العملية التعليمية لا تسير بالدفع الذاتي».
وحدد عناصر ومرتكزات لاستشراف المستقبل، «تتمثل في معرفة شاملة لمعطيات الواقع وللتحديات المستقبلية، حيث لا تطور ينبع من فراغ، وهناك أهداف استراتيجية كبرى تبنى على منطلقات وتوجهات متكاملة».
وعدد إسماعيل التحديات التي تواجه التعليم، ومنها «تحدي العولمة والمنافسة على فرص العمل، وما يتفرع من ذلك من متطلبات في توفير التأهيل والتشغيل، وتحديات المرونة والتحول والانخراط في الحراك الأكاديمي»، معتبرا أنه «حراك يستدعي تقارباً في نظم التعليم وفي البرامج بما فيها أسس التقييم ومعاييره».
وشدد على أن «التربية استثمار للمستقبل، والتعليم خدمة عامة وحق للمواطن، وواجب الدولة ان توفر هذه الخدمة للمواطنين بأمانة ويسر».
وقارب نائب رئيس جامعة الروح القدس - الكسليك الأب د. جورج حبيقة في مداخلته ما بين التعليم العالي في القرن الحادي والعشرين وبين المكننة والأنسنة، وتوقف عند ثلاث نقاط اعتبرها أساسية في موضوع كرامة الإنسان في التعليم العالي في عصر المكننة الجامحة، وهي: الجودة والتميز، ومكننة ذهنية الطالب عبر ربط البرامج الجامعية حصراً بسوق العمل والإنتاجية، والجامعة الافتراضية و«اعتقال الطالب في شاشة الحاسوب».
وشدد حبيقة على ضرورة أن «تحدث الجامعة في القرن الواحد والعشرين نقلة نوعية في التجديد والتكيف مع تكنولوجيا المعرفة المتطورة». وحذر من «أن تتحول بكليتها الى كيان افتراضي وتحول معها الطالب الى متلقن افتراضي وكائن رقمي». ودعا الى ان «تبقي الجامعة ذاتها في كل هذه التحولات الطبيعية، أي مساحة تلاق إنساني حقيقي في تآلف اختلاف المعارف».
ورأى رئيس «مؤسسة التميز للتعليم والريادة» طعان شعيب أن «خارطة الطريق لتحضير المتعلم لتعليم القرن الواحد والعشرين تتطلب جهوداً مشتركة على جبهات عدة، تأخذ بعين الاعتبار المراحل التالية: نشر ثقافة التعليم والتأكد من أن جميع الشركاء ذوي الصلة مقتنعون بأهميته وملتزمون بتحويله الى واقع. وتشكيل هيئة استشارية عليا تضم قادة من قطاعات التربية والتعليم، والأعمال، وأولياء الأمور، والمتعلمين، والمجتمع المدني.. بحيث تتولى إعداد الرؤيا المناسبة والاستراتيجيات وخطط العمل لتحقيق هذه الرؤيا ودعمها. والتأسيس لشراكات حقيقية، قوية وعميقة بين القطاع العام والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع الأهلي لتحضير أبنائنا لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين، وإعطاء الأفضلية لتزويد المتعلم بمهارات القرن الواحد والعشرين من خلال المواضيع الأكاديمية الرئيسية، والتركيز على الكفايات والمهارات المرتبطة بالتفكير النقدي وحل المشكلات، وإحداث التغييرات العميقة في منظومة التربية والتعليم على المستويات كافة».
واختتمت الندوة بنقاش بين المحاضرين والحضور.(السفير 2كانون الأول2011)