عماد الدين رائف
يطلق «تحالف جمعيات الأشخاص المعوقين في لبنان» من قصر الأونيسكو في بيروت اليوم، حملة وطنية تدعو المجلس النيابي اللبناني للمصادقة على الاتفاقية الدولية حول حقوق الأشخاص المعوقين، والتي صدرت عن المنظمة الدولية في العام 2006، ووافقت عليها الحكومة اللبنانية، إلا أنها لا تزال تنتظر على أدراج البرلمان. ويأتي ذلك ضمن احتفالية للتحالف، بـ«يوم المعوق العالمي»، تحت عنوان «الدمج حقنا»، تهدف إلى تعزيز ثقافة الحقوق، تتضمن جلسات عمل تستهدف الوزراء المعنيين بموضوع حقوق الأشخاص المعوقين، وذلك بعد مرور أحد عشر عاما على صدور القانون 220/2000 الخاص بحقوق الأشخاص المعوقين في لبنان، والذي لم يستصدر له سوى مرسومين تطبيقيين، الأول في تسهيل عملية الاقتراع، والثاني في البيئة الخارجية الدامجة. وقد وعد وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور أن يطلق في الاحتفــالية نفسها، المرسوم التطبيقي الثالث للقانون، والمتعلق بإدراج المعايير الدنيـــا للتجهيز الهندسي في البيئة المبنية.
إلا أن أحد أكثر المواضيع المتعلقة بقضايا الإعاقة أهمية الملف الصحي، وذلك الملف لم يلمس إلا لماما في ظل غياب استراتيجية وطنية شاملة، حيث إن عدم توفير الخدمات الصحية كافة، يجعل الشخص المعوق رهين تأطيره ضمن النموذج الطبي، ويجبره مع ذويه، على «ذل الطلب» من المتنفذين، ويبعده عن الاستقلالية، التي هي من أبسط حقوقه. وقد شهدت الفترة التي تلت صدور القانون 220/2000 توجهاً من وزير الصحة آنذاك سليمان فرنجية، لتطبيق مواد القسم المتعلق بالصحة من القانون عبر تعميمين لم يكتب لهما التطبيق، في ظل غياب التوعية والسياسات الدامجة للوزارات، فيما شهد العام الحالي أولى خطوات التطبيق عبر تعميم لوزارة الصحة استهدف تخطي الشخص المعوق عائق الدخول إلى المستشفيات. أما باقي الخدمات الصحية، والاستشفائية، والدواء، والمعينات الطبية، والأجهزة التعويضية، وغيرها... فيبقى معلقاً بانتظار نوايا جدية وخطوات عملية من الوزارات ذات الصلة بتطبيق القانون.
وتعتبر حصة الفرد من الإنفاق على الصحة في لبنان مرتفعة نسبياً حيث تصل إلى 11.3 بالمئة من الإنفاق الحكومي، والتي لا يمكن أن تعلل الوصول غير المتكافئ إلى الرعاية الصحية للمواطنين، كما لا يمكن أن تعلل التفاوتات المناطقية المستمرة من حيث توزع التغطية الصحية. أما نسبة المواطنين الذين يتمتعون بتأمينات صحية فتضعف كلما ابتعدنا عن العاصمة فتبلغ في بيروت 59.1 بالمئة، وفي جبل لبنان 53.8 بالمئة، في حين أنها في النبطية 32.5 بالمئة (وفق تقرير التنمية البشرية الوطني 2008 2009، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي). وتبقى سمة النظام الصحي اللبناني غياب السياسة الصحية المستدامة والمنسجمة. إذ إن المستشفيات الحكومية المنتشرة على طول خريطة الوطن لا تزال غير ملائمة سواء من حيث الجودة، أو الكمية. كما أنه لا يخفى أن نظام التأمـــين الصحي ليس كافياً، حيث إن نصف اللبنانيين (53.3 بالمئة) لا يتمتـــعون بالحـــماية الصحــية، ومعظم الأشخاص المعوقين (10 بالمئة من السكان) من هذه الفئة، إذ إن طريقتهم الوحيدة للحصول على الاستشفاء هي عبر وزارة الصحة العامة. وقد فشلت الحكومات المتعاقبة منذ صدور القانــون 220/2000 الذي ينص على التغطية الصحية الشاملة لتـلك الفئة، في وضعه موضع التنفيذ.
وفي العام الحالي، فتحت خطوة وزارتي الصحة والشؤون المتمثلة بإلزام المستشفيات الحكومية والخاصة المتعاقدة مع «الصحة» باستقبال الأشخاص المعوقين الحامين لبطاقة الإعاقة فيها، بغض النظر عن السقف المالي لتلك المستشفيات، باب الأمل أمام تطبيق القانون، في ما يتعلق بالقسم الثالث منه. وقد أتت تلك الخطوة في مؤتمر صحافي مشترك للوزيرين وائل أبو فاعور وعلي حسن خليل في 29 تموز الماضي، وعلى الرغم من أن آلية تنفيذ ذلك ليست سهلة، إذ يتعلق الأمر بإلزام المستشفى باستقبال الأشخاص المعوقين، واجتيازهم عقبة مكتب الدخول، حيث أرفق بتعميم من وزارة الصحة، على أن يبرز الشخص «فقط بطاقة الإعاقة، وهي المستند الوحيد اللازم لدخول صاحبيها إلى المستشفى، حتى في حال تجاوز السقف المالي، من دون العودة إلى وزارة الصحة»، على حد تعبير خليل. ويتمم المعاملات مراقب من الوزارة. مع وعد من الشؤون بتقرير شهري حول حسن تطبيق ذلك التعيميم، ومدى تجاوب المستشفيات معه. وتعود تلك الخطوة إلى فقرة محددة من القانون 220/2000، المادة 29 (فقرة ج)، التي نصت على أنه «إذا كانت الجهة الضامنة هي وزارة الصحة العامة، تغطي هذه الوزارة جميع النفقات داخل المستشفى، حتى في حال نفاذ الأسرة المخصصة لها، وفقاً للإجراءات المعمول بها. على أن يصدر قرار عن وزارة الصحة العامة يحدد تلك الإجراءات».
ولا يخفى أنها خطوة صغيرة في طريق طويلة، كان يمكن أن تنتهي قبل أحد عشر عاماً، فالتغطية الصحية المنصوص عليها في القانون، تتعدى الدخول إلى المستشفى (المادة 27)، إلى العمليات الجراحية على أنواعها، وتقويم الأطراف، والاستشفاء، في مراكز متخصصة كما تشمل المعدات، والأدوات الضرورية لإنجاح العمليات الجراحية، التي لا يزال الشخص المعوق يدفع فواتيرها من جيبه الخاص. كما يدفع الشخص المعوق مبالغ كبيرة للمعينات الطبية، والأدوية، والأجهزة التعويضية، والأطراف الاصطناعية، والعلاج التأهيلي، والفيزيائي، والانشغالي... بالإضافة إلى مطلب بالغ الأهمية يتعلق بالتأمين، وتقييم وتوحيد أسعار الخدمات الصحية، وإعادة التأهيل، وخدمات الدعم (المادة 32 من القانون).
تعاميم لم تطبق
وتعميم الصحة ليس الأول من نوعه، إذ إنه بعد مرور عام واحد على صدور القانون، أصدر فرنجية تعميمين بالغي الأهمية، كان مصيرهما الإهمال لعدم وجود آليات ملزمة. تعلق التعميم الرقم 41، الصادر بتاريخ 18 حزيران 2001، بتأمين التغطية الشاملة للأشخاص المعوقين. ونص على أنه «يطلب إلى جميع المستشفيات والمؤسسات الصحية الخاصة المتعاقدة مع وزارة الصحة العامة، عدم تقاضي أي فروقات ناجمة عن تقديم العلاجات الطبية والجراحية للأشخاص المعوقين حاملي بطاقة المعوق الشخصية الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية وإرفاق صورة عن تلك البطاقة في الملف المقدم للوزارة»، مع تأكيد وزارة الصحة على أنها «تعلق أهمية قصوى وتؤكد على تنفيذ مضمون التعميم تحت طائلة المسؤولية والمساءلة». وقد بلغ التعميم بتاريخه إلى الجهات المعنية كافة، إلا أن ما يؤسف له أنه مر عليه أكثر من عشر سنوات من دون تطبيق فعلي. أما التعميم الثاني في عهد فرنجية فقد حمل الرقم 42، في التاريخ نفسه، وهو حول بتنفيذ بعض مواد القانون 220/2000، (المادتان 30 و31)، أي ما يتعلق بالبيئة الهندسية الدامجة في المؤسسات الصحية والمستشفيات، حيث طلب من «المديرية العامة للصحة، ضرورة تأمين حاجات الأشخاص المعوقين لجهة تيسير الدخول والوصول والاستعمال أثناء تصميم أبنية ومداخل وحدات المراكز الصحية والمستوصفات الحكومية والخاصة عند تجهيزها»، بالإضافة إلى أنه «تلحظ المراكز الصحية ضمن خططها التوعوية العامة حيزا للأشخاص المعوقين لا تقل عن عشرة بالمئة من كل الأنشطة المنفذة وخاصة في برامج التدابير الوقائية والصحة الإنجابية». ومن نافل القول إن ذلك كله لم ينفذ، بشهادة المسوحات الميدانية التي قام بها اتحاد المقعدين اللبنانيين إثر إعادة إعمار ما دمره عدوان تموز من العام 2006، عبر حملة «عمر للكل وما تعيق قدراتي الحملة الوطنية نحو بيئة دامجة».
ويذكر أن القانون قد اعتمد في تصنيفه للإعاقات (المادة 3 منه) على التصنيف الدولي الصادر عن منظمة الصحة العالمية، وهو تصنيف قديم يعود إلى العام 1980، مختصراً إياها، بالإعاقات الحركية، والبصرية، والسمعية، والذهنية (التي أسماها القانون بالعقلية). ومنها تعتمد قائمة تصنيف الإعاقات وتعدل بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الشؤون الاجتماعية، المبني على توصية الهيئة الوطنية لشؤون المعوقين (وهي هيئة غير فاعلة منذ تأسيـــسها). وإذا كانت الاتفاقية الدولية حول الأشخاص ذوي الإعاقة (2006)، قد نأت بنفسها عن تعريف الأشخاص المعوقين إلا أنها أسست لتعريف واسع يضـــم الإعاقات كلها، ولبنان مدعو إلى التصديق على الاتفاقية وبروتوكولها المرفق من جهة، والعمل على إدراجها في التشريعات المحلية من جهة أخرى، بما في ذلك تصنيف الإعاقات.
بطاقة الإعاقة
بطاقة الإعاقة التي تصدرها وزارة الشؤون الاجتماعية للأشخاص المعوقين، هي ليست بطاقة صحية تماماً، بل بطاقة المعوق الشخصية، وهي تغنيه عن بطاقة الهوية قانوناً. وذلك دفعاً للالتباس الذي أعقب تعميماً حمل الرقم 1 على 203، لوزير الصحة السابق الدكتور محمد جواد خليفة في 7 كانون الثاني 2010، يتعلق بآلية تأمين التغطية الشاملة لاستشفاء الأشخاص المعوقين. إلا أن تلك الآلية بموجب بطاقة الاستشفاء لم تر النور كذلك. أما «بطاقة الشؤون» فتمنح لكل شخص معوق لبناني أدرجت إعاقته في اللوائح المعتمدة (المادة الثالثة من القانون 220/2000). وهي المستند الرسمي الذي يخول حامله الاستفادة من الحقوق أو الامتيازات أو التقديمات التي تحددها القوانين والأنظمة المرعية. أما إذا كانت الإعاقة غير مدرجة في اللوائح المعتمدة الصادرة وفق التصنيف أعلاه، فيعتمد منح البطاقة للشخص المعوق على توضيح من مسؤولي مراكز وزارة الشؤون المعتمدة في بيروت والمناطق. وقد بقيت بطاقة المعوق الشخصية من دون رصيد خدماتي، لا سيما صحياً، طيلة العقد الماضي، وكانت مجرد ديكور إضافي في محفظة الشخص المعوق. يذكر أن معظم الأشخاص المعوقين لا يحملون تلك البطاقة، حيث أصدرت وزارة الشؤون نحو ثمانين ألف بطاقة، في حين أن نحو أربعمئة ألف مواطن لبناني لديهم إعاقات مختلفة (وفق أرقام المجتمع المدني ومنظمة الصحة العالمية في ظل غياب إحصاء رسمي)، ناهيك عن الإعاقات غير المصنفة، أو المتعددة، أو المؤقتة. وقد أثبتت الدراسات المدنية الميدانية التي نفذها اتحاد المقعدين اللبنانيين، في أثناء فترة النزوح إبان عدوان تموز من العام 2006، أن نسبة تقارب 83 بالمئة من الأشخاص المعوقين المستهدفين من خلال برنامج الطوارئ مشروع الإغاثة على كل الأراضي اللبنانية، ليست لديهم تلك البطاقة، وبعضهم لم يسمع بها أصلاً.
صعوبات وعوائق
وعلى الرغم من إقرار القانون 220/2000، التغطية الصحية الشاملة، وخدمات إعادة التأهيل على نفقة الدولة، كما اتبع القانون بتعاميم، إلا أن واقع حصول الأشخاص المعوقين على الخدمات الصحية يبقى مزرياً، رغم الكلفة العالية على الصحة في لبنان فإن معايير التغطية متدنية. ويشير الواقع إلى جملة من الصعوبات تحول دون حصول الأشخاص المعوقين على الخدمات الصحية كلياً أو جزئياً، ومنها: عدم إدراج المعايير الدامجة داخل هيكلية وزارة الصحة العامة والوزارات المعنية، ما نتيجته حرمان موظفي الوزارات والأشخاص المعوقين معاً من أي تقدم باتجاه تطبيق التشريعات. وخضوع توفير الحصول على الخـــدمة للاستنسابية والواسطة وعدم تغطيتها من الوزارة المعنية بنسب كبيرة، والتميـــيز الواضح في التعامل مع الشخص المعوق أثناء إجرائه المعاملات المطلـــوبة، ما نتيجته عدم وصول نسبة كبيرة من الأشخاص المعوقين من حاملي البطاقة إلى تلك الخدمات إلا بعد دفعهم مبالغ طائلة. ذلك بالإضافة إلى عدم توفير العلاج التأهيلي، الفيزيائي، أو الانشغالي، وغيره، لمن يحتاجه من الأشخاص المعوقين إلا بنسب متدنية، ما نتيجته حرمان كثيرين من التأهيل والعلاج، إلا من يملك ثمن ذلك. كما أن إلزامية المكــوث في المؤسسة أثناء تلقى العلاج تكرس العزل وتعطل حياة الشـخص المعوق، وتصعب الحصول على الخدمة.
كما يلاحظ التساهل مع المستشفيات في معايير الوقاية بوضوح، وخاصة من حيث إدراج المعايير الدامجة فيها، ما نتيجته فقدان البيئة المثالية الملائمة للحصول على الخدمات الصحية داخل هذه المؤسسات. بالإضافة إلى انعدام وجود أي أثر للتوعية المتعلقة بالخدمات، أو بتأهيل الكادر الطبي تجاه حاجات الأشخاص المعوقين، ما نتيجته عدم قدرة الجسم الطبي من التعامل مع الحاجات المختلفة، وما قد يتسبب بإعاقات مستجدة، أو تعدد العوق، ناهيك عن الأذى المعنوي والنفسي والإساءة الإنسانية. وبالرغم من تشكيل لجنة «الصحة والتأهيل والدعم» بموجب القانون، إلا أنها لم تفعل ولم تجتمع ولو لمرة واحدة، ما يؤشر إلى عدم وجود نيات جدية لدى الوزارات المعنية لتطبيق القانون.
وقد رفع عدد من منظمات المجتمع المدني تقديما مشتركا إلى «مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان» لمناسبة انعقاد الدورة التاسعة من «المراجعة الدورية الشاملة 2010»، يتعلق بالمراجعة الدورية حول امتثال لبنان بالالتزامات المتعلقة بحقوق الأشخاص المعوقين. وقام كل من «اتحاد المقعدين اللبنانيين»، و«جمعـــية الشبيبة للمكفوفين»، و«الجمعية اللبنانية للمناصرة الذاتية»، و«جمعية أولياء الصمّ في لبنان»، و«هيئة الإعاقة الفلسطينية»، بإعداد تلك المراجعة. وتعرض المراجعة وتحلل البيانات الرئيسية المتعلقة بحق الأشخـــاص المعوقين بالعمل، التعليم، الصحة، وعدم التمييز، وحقوق اللاجئـــين الفلسطينيين المعوقين. وفي ما يتعلق بالصحة في لبنان، تضمـــنت المراجعــة توصيات، لو طبقت لاستطاع الشخص المعوق الحصول على الخدمات الصحـــية الملائمة، ومنها:
إدراج المعايير الدامجة في هيكليات الوزارات المعنية، وبنيتها، وإداراتها ومشاريعها، وقراراتها. واستصدار المراسيم التطبيقية اللازمة ذات الآليات الواضحة، التي تخول الأشخاص المعوقين، الحصول على خدمات العمليات الجراحية والطبابة. وتوفير كل علاجات التأهيل في كل المراكز المتعاقدة مع الوزارة. بالإضافة إلى إجراء مسح طبي شامل، وفق التعريف الدولي للأشخاص المعوقين وإعاقاتهم واحتياجاتهم. وإلزام المستشفيات العامة والخاصة والمراكز الصحية بإدراج المعايير الدامجة، سواء على صعيد التجهيز الهندسي والآلي أو على صعيد أنظمة التواصل. كما طالبت المراجعة بتوعية وتدريب الجسم الطبي والعاملين في المستشفيات في جميع أقسامها تجاه حاجات الأشخاص المعوقين وكيفية التعامل معهم في كل الظروف، وكذلك بتفعيل عمل لجنة «الصحة والتأهيل والدعم»، وإنشاء لجان فرعية لها تلتزم تطبيق القسم الثالث من القانون 220/2000 بكل مواده ومندرجاته. (السفير 3 كانون الأول 2011)