«نصف مرضى مستشفى الفنار في محلة المصيلح ـ قضاء الزهراني منسيون، لا أهل ولا أقارب يزورونهم»، يقول الطبيب المعالج د. حسن طفيلي لتلامذة الصفوف النهائية في ثانوية السيدة للراهبات الأنطونيات في النبطية. التلامذة كانوا يزورون المستشفى للوقوف على واقع المرضى الذين يعانون عزلة اجتماعية، وتقنيناً في الدواء والعلاج، في انتظار إفراج وزارة الصحة العامة عن المستحقات المالية المخصصة للمستشفى، والتي تأتي متأخرة شهوراً وحتى فصولاً.
ويلفت طفيلي على مائدة غداء مشتركة بين المرضى والتلامذة إلى أن نفقة علاج المقيمين في المستشفى تقع على عاتق الوزارة، «لكن المستشفى يعيش حالة عجز دائمة ويضطر لتغطيته بتراكم الديون، بينما تتعاطى معه الوزارة على أساس أنّه مستشفى عادي وهذا لا يجوز». هكذا، تضطر المؤسسة إلى شراء الطعام والغذاء والأدوية من مؤسسات طبية وتجارية لتوفير احتياجات المرضى. ويوضح طفيلي أنّ المستحقات المالية المتأخرة أصلاً لا توازي الاحتياجات الفعلية للمرضى، بل تسدد جزءاً من الديون المطلوبة، ويدخل المستشفى في دائرة ديون إضافية. اللافت ما يقوله الطبيب لجهة عجز المستشفى عن تغطية العمليات الجراحية أو الحالات المرضية للمرضى النفسيين أو العقليين الذين تستدعي أوضاعهم نقلهم إلى مستشفيات خاصة أو حكومية.
وكيف يسد النقص؟ يسأل أحد التلامذة باستغراب. يجيب طفيلي: «نحاول الاتصال بذويهم، فيستجيب البعض، والبعض الآخر يبقى خارج السمع، فنضطر إلى الاتصال بمؤسسات أو مرجعيات خاصة، أو الاستعانة بتقديمات مجانية لبعض المستشفيات».
ثمة مشكلة أخرى توازي الدفع المتأخر للمستحقات، هي أن وزارة الصحة تدفع مبلغاً زهيداً، هو عبارة عن 15 ألف ليرة للمريض المزمن، و24 ألفاً للمريض العقلي؛ «علماً بأن لا فرق بين هؤلاء المرضى في الدرجات وفي العلاج؛ وهذه المبالغ غير كافية، فضلاً عن أن الوزارة تتأخر في دفع مستحقات الأطباء الذين يعاينون المرضى». تتعدد الأسباب التي تأتي بهؤلاء المرضى إلى المستشفى من مختلف المناطق اللبنانية، وبعضهم على درجات علمية ووظيفية متفوقة، لكن وفي حالات كثيرة تأمل السيارة الآتية بهم إلى مقرهم (الأبدي) ألا تعود ثانية، ما يؤدي إلى تراجع حالتهم الصحية والنفسية. سنة، ثلاث، عشر، وربما عشرون سنة، قد تمر على بعضهم من دون رؤية أهلهم ثانية. أحد المرضى لا يزال هنا منذ افتتاح المستشفى، وبات اليوم في سن متقدمة جداً. ومنذ أعوام عدة أتى ذوو مريض آخر وفوجئوا بأنه توفي من سنوات عدة، «لأن وسيلة الاتصال معهم كانت مستحيلة»، بحسب طفيلي.
ومن المشاكل التي يواجهها المستشفى استهتار الأهل وعدم المتابعة بحسب شهادة عادلة اللبان، أرملة صاحب المؤسسة. تقول: «قد نوفر لهم حاجتهم المطلوبة، لكن من أين نأتي لهم بالحنان والعاطفة؟ هناك مرضى كثر يشفون شفاء تاماً، لكن ذويهم لا يستقبلونهم، ما يؤدي إلى تراجع حالتهم النفسية ثانية، فنضطر حينها إلى توفير المنامة والعمل لهم». ويلفت طفيلي إلى أن «العديد من المرضى يشفون نتيجة العلاج، لكنهم لا يجدون من يخرجهم من هنا فيضطرون إلى العمل في خدمة رفاقهم، في المطبخ أو الإدارة».
بطاقة تعريف
مستشفى الفنار مستشفى خاص، أنشأه وزير الصحة الراحل المرحوم عبد الرحمن اللبان هو واثنان من رفاقه في العام 1967، في مكان مميز على تلال بلدة المروانية (الزهراني)، وهو مؤلف من ثلاث طبقات تتوزّع بحسب حالة المرضى؛ وهو مستشفى خاص بذوي الحاجات الخاصة والأمراض العصبية والنفسية والعقلية؛ وكذلك المدمنين على المخدرات، تديره عادلة اللبان وابنتها الدكتورة سمر. يضم المستشفى في جناحه الغربي، الذي يبعد نحو 300 متر عن المدخل الشمالي، حيث يقع مبنى الإدارة، نحو مئتين وخمسين مريضاً متخلفاً عقلياً أو مصاباً بمرض نفسي أو عصبي، من بين هؤلاء المرضى نحو 60 امرأة خصص لهن جناح خاص مع باحة مسيّجة.
(الأخبار 24 كانون الأول 2011)