تربويو الكورة يناشدون الحكومة العمل لإنقاذ مدارسها الرسمية

يتراجع حضور المدارس الرسمية في الكورة مع رحيل الرعيل الأول من المربين، إذ تسجل نسبة تدن لافتة، في مستوى التعليم الرسمي، لغياب الحافز لدى كل من المعلم والتلميذ على العطاء، وبالتالي حرمان الطالب في مدرسته الرسمية من امتلاك مواهب التربية والتعليم العصرية، في بنيان يحتاج لإعادة تأهيل منهجي ومعماري. في حين تشهد الكورة اليوم نهضة مدارس خاصة، لا سيما منها المدارس المتخصصة في اللغة الإنكليزية، مع توجه غالبية الأهالي لتعليم أبنائهم فيها، يتقدمهم في ذلك من عادوا من البلاد التي تتكلم الانكليزية، إلا أن مدارس الكورة الإنكليزية الرسمية، تقتصر على «ثانوية بطرام»، و«تكميلية كفرحزير». أما «تكميلية فيع»، فهي تدرس تلك اللغة بدءا من الصف الرابع الأساسي. وذلك من أصل خمس ثانويات رسمية، وما يقارب العشرين تكميلية، في مقابل ست ثانويات خاصة لغتها الأساسية الانكليزية، و12 ثانوية فرنسية. ويلحظ انعدام المواصلات بين القرى الكورانية، ما يسبب إشكالاً في توجه الطلاب إلى المدارس البعيدة عن قراهم، بعدما أقفلت أبواب الكثير من المدارس الرسمية، إذ تعدى عدد المربين عدد الطلاب فيها، وذلك في بترومين، وبدبا، وعابا، وكفرقاهل، وضهور الهوا، وبشمزين، و«أميون للبنات»، التي دمجت بـ «مدرسة الصبيان»، بالإضافة إلى اجدعبرين، وبتعبورة، وبصرما، وغيرها.. ما يكبد الأهالي مشقة النقل، الذي يجدونه مؤمناً في المدارس الخاصة.
ويقصد غالبية أبناء منطقة القويطع مدارس البلمند، برغم بعدها الجغرافي عنهم. ويستبعدون المدرسة الرسمية الوحيدة في كفرحاتا لصعوبة النقل إليها، برغم تميز نتائجها في الامتحانات الرسمية. علما أن غالبية المدارس الرسمية، على خلاف ما كان يحصل في الماضي، باتت ملجأ للطلاب المتقاعسين الذين ترفض استقبالهم المدارس الخاصة بهدف حصولها على شهادة بنجاح كل طلابها في الامتحانات الرسمية.
من جهة اخرى، تطالب فئة كبيرة من الكورانيين وزارة التربية، في ظل ارتفاع أقساط المدارس الخاصة، التي طالتهم قبل أن يستفيدوا من الزيادة على الأجور، بتعزيز التعليم الرسمي، ليدخل الثقة لديهم في نيل ابنائهم المستوى التعليمي الذي نهلوا هم منه، بفضل الرعيل الأول. إلا أن الإدارات التربوية اليوم، تواجهها تحديات جديدة وتفرض عليها قبول طلاب بدون شروط تذكر، وتكون أسيرة الأساتذة المتعاقدين في المواد التعليمية الأساسية، مثل الرياضيات، واللغة الانكليزية، والفلسفة، والمواد الإجرائية.. وذلك ما يؤكده مدير «ثانوية خليل سالم - بطرام - الرسمية» سهيل سرحان، معتبراً أن «المتعاقدين وإن خفت نسبتهم مع تفعيل دور كلية التربية، إلا أن الحاجة ما زالت تفرض نفسها في بعض المواد للنقص في أساتذتها، والمتعاقد يدرس في أكثر من مدرسة، ما يضطرنا للرضوخ لإرادته وتوزيعه للحصص».
ويدرّس في ثانوية بطرام، التي يتسجل فيها 319 طالبا وطالبة، تسعة من الأساتذة المتعاقدين، أما أساتذة الملاك فعددهم 42، في حين يتقاعد منهم في السنة الحالية ستة، وفي السنة المقبلة أربعة، وبعدها يغادر آخر ثلاثة من الرعيل السابق. وفي «تكميلية بطرام» التي تسجل فيها 473 طالبا وطالبة، يوجد ثلاثة أساتذة من المتعاقدين، و54 أستاذا في الملاك، يتقاعد منهم السنة الحالية أربعة وفي السنة المقبلة تسعة، لتتفاقم عندها المشاكل التربوية في كثير من المدارس. وذلك بسبب النقص في أساتذة التخصص وعدم القدرة السريعة لتلبية ذلك الشأن مطلع كل سنة دراسية. في حين أن المطلوب، كما تشير مديرة «ثانوية دده الرسمية» هيام قبرصي، «توزيع الأساتذة على المدارس في فصل الصيف، وليس بعد شهر من انطلاق العام الدراسي»، ما يؤثر سلباً على إقبال الطلاب على التعليم الرسمي، إضافة إلى حلول أساتذة جدد مكان القدامى، وغالبيتهم من الإناث، لتوجه الذكور نحو مهن تؤمن مردودا مالياً يكفي احتياجات العائلة إلى جانب عمل الزوجة.
ويسجل مقابل كل 25 معلمة أستاذ واحد، ما يؤثر على مستوى التعليم الرسمي مقارنة بالسابق، لا سيما في المراحل الثانوية، كما يلفت المدير السابق لثانوية بطرام إدمون نصر، «حيث كان أساتذة التعليم الرسمي يشكلون بيضة القبان في المدارس الخاصة، ويمتلكون ثقافة عامة يفتقد إليها بشكل عام جيل اليوم كما الاندفاع في العطاء، والموهبة في التعليم، والمتابعة، وإجراء الدراسات، والاطلاع على دورات الامتحانات الرسمية، والخبرة التعليمية والخضوع لدورات تدريبية..». وبرأي كثير من التربويين، فإن ما يجري اليوم أدى إلى تحويل الرسالة إلى «مهنة من أجل كسب المال فقط لدى البعض».. كما أن عدم التزام الوزارة بالمناهج الحديثة، وإجراء التقييم المستمر، وتبني الدعم المدرسي، وتفعيل الأنشطة اللاصفية، وتعزيز اللغات الأجنبية من المراحل التعليمية التأسيسية، وتجهيز الملاعب الرياضية، وصيانة المباني.. أدى إلى تراجع الإقبال على المدارس الرسمية، لا سيما أن مبانيها بشكل عام بحاجة لتأهيل منذ سنوات بعيدة. وذلك ما يؤكده كل من مدير تكميلية بطرام الرسمية سيمون خوري بدعوته «مجلس الإنماء والاعمار»، لترميم المدرسة التي شيدت عام 1931، وجدد بناؤها عام 1968، يقول: «سبق أن قدمنا عدة طلبات لتأهيلها، لكن من دون جدوى».
في حين يناشد مدير «تكميلية فيع» كميل نجار المعنيين «إنقاذ المدرسة بجدرانها المتصدعة والتي تعود لعام 1955، ولا قدرة مالية لأي جهة محلية بدعمها». كل ذلك ساهم في توجه طلاب الكورة نحو المدارس الخاصة، لاهتمامهم الكبير في التحصيل العلمي، فيما يتوجه عدد من طلاب الأقضية الأخرى إلى مدارس الكورة الرسمية، حيث سجل في ثانوية بطرام 145 طالبا من طرابلس وجوارها، و165 من المناطق الجبلية، و16 من «القرى الشيعية الخمس». ولم يبق من المدارس الرسمية الناشطة في الكورة، إلا ما يعد على أصابع اليد الواحدة، وأهمها في دده، وبطرام، وكفرحاتا. لذلك لا تتعدى نسبة التسرب المدرسي في القضاء الـ 2 في المئة في صفوف الكورانيين، و5 في المئة في صفوف الوافدين إليها أو القاطنين فيها.
ولا شك أن المدرسة الرسمية تعاني كسائر المؤسسات الرسمية بسبب الضعف في ميزانيتها، وذلك ما يجعلها تحتاج لرعاية ودعم من الخارج، إلا أن الأزمة المالية اليوم مستشرية على الجميع من دون استثناء، من البلديات إلى الجمعيات الأهلية، والنوادي، وصولاً إلى لجان الأهل التي تقف عاجزة لضعف إيراداتها المالية، والتي إن فعلت إيجابا تساهم في تكريم الطلبة المتفوقين أو المشاركة في الاحتفالات العامة. (السفير 15 كانون الاول2011)