يحظى التعليم الرسمي في معظم دول العالم بالأولوية، ومقياس نجاح التلميذ تحدده المدرسة الرسميَّة. وهناك موازنات ضخمة ترصدها الدول للتعليم تشكل نسبة لا يستهان بها من الناتج المحلي.
العودة الى المدرسة في السنة الدراسية 2011- 2012، أخذت منحى مختلفاً في لبنان، وسط مشكلات اجتماعية ومعيشية ومطالبة بزيادة الرواتب للمعلمين وزيادة الاقساط المدرسية. لذلك ضاعفت هذه العودة الهموم والأعباء لدى الطبقة الوسطى من اللبنانيين، وهي التي ما زالت تؤمن بضرورة العلم والتعلم لأبنائها.
متطلبات التعليم المتوافرة في المدرسة الخاصة، والمشكلات التي تعانيها المدرسة الرسمية، دفعت الطبقات الوسطى والفئات الاجتماعية المتوسطة الى التوجه نحو التعليم الخاص الذي شكل حلاً لأزمة تعليم الأبناء، لكن كلفة هذا التعليم كبيرة وتأخذ أكثر من نصف دخل العائلة. في حين أن تكاليف الدراسة لا تقتصر فقط على الأقساط بل تنسحب على أسعار الكتب والحقيبة المدرسية والقرطاسية والنثريات التي تمتد فصولها تسعة أشهر، في مقابل أن يلقى التلميذ في المدرسة الخاصة العناية بما يحفظ كرامته وكرامة أهله.
أما الطبقة الفقيرة التي تضطر مكرهة لزج أولادها في المدرسة الرسمية، فتبدأ مأساتها من مرحلة تسجيل الأولاد في المدرسة، حيث يمارس المدير دوراً، يكون أحياناً استنسابياً في قبول الأولاد، ورأيه مفصلي في عودتهم الى مدرسته أو مغادرتها، كما في ترّفعهم أو رسوبهم، خصوصاً في المدارس النائية، حيث الأحكام متروكة لأصحاب الشأن وكأن الدولة تنازلت عن مسؤوليتها التربوية.
وفي دراسة لمؤسسة "تراخوس" للبحوث عن واقع العودة الى المدرسة الرسمية، أن الوضع المأسوي للتلامذة في عدد من المناطق ينتهي بتسرب التلميذ. والدراسة استطلعت 100 ولد متسرب من المدرسة تركوها قبل انهاء الصف السابع، منهم من يعمل في "دليفري" في محال سمانة كبيرة "سوبر ماركت" ومنهم من يتسكع في الطرق منتظراً من يرشده الى أي عمل ليتقاضى عليه أجراً.
وكان السؤال، لم تركت المدرسة؟ أجاب 89% منهم، "كنا زرابة في المدرسة حتى في الصف السابع لم نتعلم حتى القراءة باللغة العربية...".
عدم تعلم التلميذ القراءة يفقده الحافز للتعلم، فيصبح غريباً عن الكتاب الذي يحمله بين يديه، ويفقد اهتمامه بالتعلم، ما يؤدي الى رسوبه المتكرر وترك المدرسة.
واشتكى 85% من التلامذة عبر أهلهم للمدير بأنهم لا يلقون الاهتمام في الدرس "بفك الحرف" ولم تحل المشكلة.
أما عن دور المدرسين في مسيرة حياتهم التعلمية فجاءت الاجابات كالآتي:
92% من المتسربين أفادوا أن السبب الأول لترك الدراسة هو سوء معاملة عدد من المعلمين. وترداد جملة مفيدة وهي "أنتم تتعلمون ببلاش...". 83% منهم خضعوا لمراقبة شديدة وكأنهم في سجن.
80% اشتكوا من عدم السماح لهم بالذهاب الى الحمام. 95% اشتكوا من استدعاء ذويهم مرّة أسبوعيا بحجة تقويمهم، والنتيجة كانت الضرب في البيت والضرب في المدرسة. 75% منهم طلب المدير تعيين مدرس خصوصي لهم في المنزل وهو يعلم بأن أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية لا تسمح بذلك. 4% فقط لاضافة مدخول الى العائلة. 26% أفادوا بأن بعض المعلمين في غياب دائم عن المدرسة وحين يحضر الى المدرسة يكدِّس الدروس كلها عليهم. 88% منهم سئموا الاهانات المتكررة لهم والتي غالباً ما تطاول وضعهم الاقتصادي.
وعن دور المعلم أو المعلمة كأب أو أم أجاب المتسربون أن 79% من المعلمين والمعلمات كان يتعمّد القول أنه لو كان لديه أولاد مثلنا لقتلهم. 59% أفادوا أن المدرسة لم يكن فيها مراحيض.
29% أفاد بأن الملعب لا يستخدم الاّ للاصطفاف. 41% أفادوا أن المراحيض الموجودة غير صالحة أو غير نظيفة ولا تصلح للاستخدام. 77% قالوا إن الصفوف قذرة وتنبعث منها الروائح الكريهة. 40% من منطقة عكار والبقاع قالوا إن لا تدفئة في الشتاء وجدران الصفوف تنش.
وعن سؤال: كيف تصف الوقت الذي أمضيته في المدرسة: أجاب 78% أنه متعب، 20% ليس في ذاكرته، 2% ممتع.
هل أنت على استعداد للعودة الى المدرسة لو أتيحت لك الفرصة؟
أجاب 89% بالنفي المطلق.
ماذا تتوقع أن تصبح عندما تكبر؟
33% أجابوا أنهم الآن يعملون في المهنة التي يريدونها. 45% قالوا إنهم يتطلّعون للانخراط في الجيش. 22% يحلمون بمرافقة أحد زعماء المنطقة التي ينتمون اليها واذا لم يتيسر لهم ينخرطون بأحدى الميليشيات.
وفي سؤال، هل تعتقد أن وضعك المعيشي هو السبب في تركك المدرسة؟ 55% أجابوا ان الفقر لا يشعرون به لأنهم اعتادوا عليه. 36% اعتبروا المدرسة، وان كانت مجانية، لكن المدرسين قساة. 9% نعم الفقر هو السبب الذي وضعنا في هكذا مدرسة.(النهار 22 كانون الأول2011)