تنشغل الهيئات التربوية في عكار بموضوع استحداث مرافق للمنطقة التربوية وتعيين مدير لها، وهم يتفاءلون بأن تكون تلك الخطوة بداية الطريق نحو تصويب عمل المؤسسات التربوية في المنطقة، واكتشاف مكامن الخلل المتعددة في المدارس البالغ عددها 25 ثانوية و160 تكميلية، إضافة إلى تقديم المساعدة اللوجيستية، خصوصا أن الإدارة التربوية في العديد من المدارس تفتقد للرؤية والخطة الناجحة التي عجزت طوال السنوات الماضية عن إيجاد حلول لمشاكل التعليم في عكار، وارتفاع نسب التسرب الكبيرة، بحسب العديد من مدراء المدارس، ما يطرح العديد من علامات الاستفهام حول الأسباب والحلول التي يمكن اللجوء إليها والتي من شأنها رفع مستوى التعليم .
ويقر التربويون في مختلف البلدات العكارية بوجود العديد من المشاكل التي تعيق تقدم المدارس الرسمية، منها ما هو عام ويعد جزءاً من مشاكل القطاع التربوي في لبنان ومنها ما هو خاص بمحافظة عكار التي لطالما كانت بالنسبة للمنطقة التربوية في الشمال الحديقة الخلفية التي يتم تجاهلها. وقد تم طرح تلك المشاكل ومناقشة الحلول مع وزير التربية حسان دياب في زيارته إلى عكار، الذي أقر بدوره بمشاكل التعليم وأهمية أن نحدد أي تربية وتعليم نريد. كما أن العديد من المدارس الواقعة في المناطق الجردية تعاني من فوضى عارمة، حتى أن بعضها يكاد أن يكون وهمياً وهي بالكاد تلتزم بالدوام الرسمي حتى منتصف النهار، وما يشجع على حالة الفوضى هو غياب الرقابة والمساءلة.
ويمكن القول إن معاناة المدارس الرسمية في عكار تختلف عن باقي المناطق الأخرى، فليس خافياً على أحد أن مدارس عكار تعد النموذج الأسوأ للمدرسة الرسمية في لبنان، خصوصاً من ناحية الأبنية والتجهيزات البعيدة كل البعد عن المباني المدرسية النموذجية، وليس المقصود بالنموذجية تلك المجهزة بقاعات للمحاضرات والنشاطات ومختبرات علمية وتطبيقية أو مسارح وقاعات موسيقى، بل النموذجي في عكار هو بأفضل الأحوال المبنى اللائق الذي يقي التلاميذ من عواصف وبرد الشتاء، ويحميهم من الرطوبة، واحتمال حدوث انهيارات في الجدران المتصدعة والمتشققة. ذلك الواقع دفع بالعديد من أبناء القرى وفاعلياتها، بالتعاون مع البلديات والهيئات التعليمية وبدعم مجالس الأهل، (التي يحق لها طلب المساعدات والهبات على خلاف الهيئة الإدارية للمدارس)، إلى إنشاء وتجهيز بعض المباني على نفقتهم الخاصة، في محاولة لتأمين سقف آمن يحمي الطلاب.
وتشهد العديد من صروح التعليم في عكار التي شيدت بسواعد أبنائها، وإن على مراحل متعددة بحسب الإمكانيات المادية، على عصامية العكاريين الذين ألفوا استهتار الدولة، وأجبروا على إيجاد الحلول بأنفسهم. وتلعب البلديات والمجتمع المدني دوراً هاماً في دعم المدرسة الرسمية في عكار، حيث تسعى البلديات وتحديداً في البلدات البعيدة عن مركز المحافظة مع المدارس، إلى تأمين الدعم المالي والعيني لها، وذلك عبر تأمين المازوت للتدفئة وتقديم العديد من التجهيزات حتى أن بعض البلديات قدمت مساحات واسعة لوزارة التربية بهدف حثها على القيام بتشييد مبان جديدة. وتعد بلدة عندقت التي قدمت 10 آلاف متر مربع، وقرى وادي خالد التي قدمت 12500 متر وسجلت لصالح وزارة التربية نموذجاً عن البلدات العكارية التي تسعى جاهدة لتحسين واقع التعليم فيها. أما الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني فيتركز دورهم في مركز المحافظة حلبا والبلدات المجاورة، حيث يتم تجهيز بعض المختبرات، وتقديم بعض وسائل الإيضاح، إضافة إلى إشراك الطلاب بنشاطات شبابية ودورات تقوية ولغة وحلقات تدريب.
وينتقد عدد من مدراء المدارس حفلات التدشين التي كثرت في حكومة الرئيس سعد الحريري، والتي كلفت مبالغ كبيرة كانت كافية لترميم نصف مدارس المنطقة، كما أن العديد من المدارس وبالرغم من رداءة البناء وانعدام التجهيزات، تحقق نتائج ممتازة كـ«مدرسة عكار العتيقة الرسمية»، و«المسعودية»، و«مدرسة البرج الرسمية»، التي تضم 431 تلميذاً، وتبلغ نسبة النجاح فيها 94 في المئة. ويشير مدير «مدرسة البرج» جهاد خضر إلى «ضيق المبنى الذي بالكاد يسع التلاميذ، ما دفع بالإدارة إلى ترميمه بمساعدة البلدية، ومجلس الأهل، كما تم بناء غرفتين من الأترنيك على السطح في محاولة لاستيعاب الطلاب»، لافتاً إلى أنه يرفض تسجيل العديد من التلاميذ بسبب ضيق المبنى وعدم تجهيزه بالشكل المطلوب.
كما يطالب أهالي بلدة المراحات بتشييد بناء مدرسي خاص بهم، ويعتبر الأهالي أن الوقت قد حان لتشييد مبنى يليق بأطفال البلدة، الذين سئموا الترحال من مكان لآخر حتى استقر بهم الأمر داخل الطابق الأول من جامع البلدة، وهو بالرغم من كونه أفضل من المباني السابقة، كونه أنشئ حديثاً إلا أنه ما يزال بحاجة للعديد من أعمال الصيانة، كما أن الرطوبة ومياه الأمطار التي تجتاح المبنى شتاء وتدخل الصفوف تفتك بالطلاب وتعرضهم للاصابة بالعديد من الأمراض. ويقر العديد من مدراء المدارس الرسمية في عكار بدور مجالس الأهل التي تتمتع بموازنة خاصة منفصلة عن صندوق المدرسة، في تجهيز ومساعدة المدارس على تأمين العديد من احتياجاتها، خصوصاً لجهة تأمين التدفئة في فصل الشتاء ودفع أجور الحجّاب والحراس، إضافة إلى تمويل الأنشطة الفنية والرياضية، وتسجل بعض لومها على مجالس الأهل التي تدخل إلى المدرسة فقط لاعتبارات عائلية ومن أجل «الوجاهة». ويشير هؤلاء إلى أن «دور مجالس الأهل لم يفعّل بشكل جدي سوى في العشر سنوات الأخيرة»، مؤكدين أنه «باستطاعة المجالس فعل الكثير، لكن استهتار الأهالي يجعل مدراء المدارس يتولون إرشادها وتوجيهها حتى أن بعضها لا يجتمع وفق الأصول المحددة». ويشير رئيس الهيئة الادارية السابق لمجالس الأهل الرسمية في عكار ياسر الحج إلى دور مجالس الأهل «المساعد للمدرسة في القضايا المالية، فهو يقدم دعماً إضافياً للمدرسة، لكن غالبية المدراء يسعون إلى تحجيم ذلك الدور وجعله مرتبطاً بقضايا معينة». كما أن «غالبية مجالس الأهل في عكار تعمل لغايات سياسية أكثر منها تربوية بهدف نيل رضى بعض المسؤولين».
كما تعَدد مشاكل المعلمين وبالتحديد المتعاقدين الذين يؤمنون سير العمل في العديد من المدارس الرسمية في عكار، خصوصاً الجردية منها والتي تعتمد بشكل كلي على المتعاقدين ومنها مثلاً مدارس وادي خالد و«مدرسة حبشيت»، التي يتكون كادرها التعليمي من عشرة أفراد، سبعة منهم متعاقدون، وهم يقطعون مسافات طويلة للوصول إلى أماكن عملهم، ما يجعلهم يتغيبون لأيام عدة في أوقات البرد القارس.
ويشير أحد مدراء المدارس (فضل عدم ذكر اسمه) إلى حال الارباك التي يتسبب بها المتعاقدون، خصوصاً «إذا ما تغيب أكثر من ثلاثة أساتذة في اليوم الواحد، لأنه لا وجود لأساتذة احتياط». ويلفت إلى أن مدرسته «تضطر لإقفال أبوابها بوجه التلاميذ أيام الإضرابات والاعتصامات بسبب تغيب الكادر التعليمي بأكمله». في مقابل ذلك الواقع، وبالرغم من الصعوبات والعراقيل التي يصعب إحصاؤها وبالرغم من نسب التسرب الواضحة والتي يختلف بشأنها مدراء المدارس التكميلية عن الثانوية، يشير التربويون إلى تدرج تلك النسبة وارتفاعها مع ارتفاع المرحلة التعليمية «حيث لا تتجاوز الواحد في المئة في مرحلة الروضة والحلقة الأولى، بينما ترتفع إلى 7 في المئة في الحلقة الثانية، وتقارب الـ 20 في المئة في الحلقة الثالثة وذلك بسبب تحول العديد من الطلاب إلى التعليم المهني». كما أن النسب تتفاوت بين الذكور والإناث حيث يتوجه العديد من الذكور نحو تعلم المهن، بعد رسوبهم المتكرر. كما أن بعض الفتيات في القرى والأرياف تغادر المدرسة في هذه المرحلة إما للزواج أو للعمل. وتستمر النسبة في الارتفاع لتبلغ 35 في المئة في المرحلة الثانوية. وبالتالي فإن من ينهون المرحلة الثانوية لا يتجاوزون 28 في المئة في أفضل الأحوال.(السفير 23 كانون الاول2011)