تعتمد على دعم البلديات والجمعيات المتفاوت والتوأمة مع مدارس أوروبية
يتشابه حال المدرسة الرسمية في قضاء جبيل بحال شقيقاتها في مختلف المناطق اللبنانية. معاناتها هي نفسها، ومقدار نموها أو تراجعها هو نفسه إلى حد بعيد، خصوصاً أن التعليم الرسمي مرتبط عضويا بسياسات الدولة التربوية، بما هو قطاع عام يتأثر مباشرة بوضع الدولة بتفاصيله كلها، مع الأخذ في الحسبان تفاوت دعم البلديات والجمعيات الأهلية للمدرسة الرسمية بين منطقة وأخرى. ففي قضاء جبيل ست ثانويات هي "ثانوية جبيل"، وفرعاها في قريتي أهمج وحصارات، و"ثانوية عمشيت"، و"قرطبا"، و"ميفوق". وتضمّ مجتمعة نحو 1350 تلميذاً بينهم 750 تلميذاً في "ثانوية جبيل" وحدها.
وتضمّ الثانويات الست نحو 170 أستاذا، بعضهم في ملاك وزارة التربية والتعليم العالي، وبعضهم الآخر متعاقد معها. وبالقياس إلى عدد التلاميذ يتبيّن أن ثمة فائضاً في عدد الأساتذة، إذ هناك أستاذ لكل ثمانية تلاميذ، وهذه نسبة غير متوازنة بحسب مدير "ثانوية جبيل الرسمية" جوزف مخايل. وإذا كانت ثانويتا جبيل وعمشيت تعكسان نموّا نسبيا للتعليم الرسمي في القضاء، من حيث عدد التلاميذ المسجلين للعام الحالي، كما من حيث نسب النجاح في الامتحانات الرسمية، التي تراوحت في "ثانوية جبيل" العام الماضي بين 95 و100 في المئة، فإن واقع فرعيها في أهمج، وثانويتي ميفوق وقرطبا، تعكس التراجع الدراماتيكي للتعليم الرسمي في الريف والمناطق الجبلية، إذ أن عدد التلاميذ في تلك الثانويات يناهز الـ 250 طالباً، ما يجعل لكل أستاذ فيها تلميذان أو ثلاثة.
ويعلّل مخايل تراجع التعليم الرسمي في الريف إلى الهجرة المتزايدة للأهالي إلى المدينة، وكذلك ضعف الإمكانات المادية للمدارس الرسمية بسبب تدني عدد الطلاب سنة عن سنة، وعدم تأمين البلديات والجمعيات الأهلية دعماً كافياً لهاً، هذا فضلا عن غياب المختبرات العلمية التي يتطلب المنهاج الدراسي الحديث وجودها، علماً أن بين الثانويات في قضاء جبيل، وحدها ثانوية جبيل تضمّ مختبرات يمكن القول إنّها تراعي الحداثة التعليمية.
وإذا كان التعليم الرسمي الثانوي في جبيل لا يزال ذا مستوى جيّد على الرغم من المشكلات التي تعانيها الثانويات خصوصا في الريف، فإن التعليم المتوسط والابتدائي الرسمي (الأساسي) في القضاء لم يعرف منذ انطلاق المدرسة الرسمية واقعاً أصعب من ذلك الذي يعيشه اليوم، إن لناحية نسب الإقبال عليها أو لناحية التجهيزات المدرسية وملاءمتها لمتطلبات المناهج الحديثة. ويبيّن عدد المدارس التي أقفلت على مراحل في قضاء جبيل حجم التراجع الذي بلغه التعليم الأساسي الرسمي في القضاء. فإلى مدارس لحفد، جاج، ولاسا التي أقفلت مطلع العقد الماضي، أقفلت خلال السنتين الماضيتين مدارس مشمش (أعيد تشغيلها روضة مطلع العام الحالي) جدّايل، وقرطبون. ولا تزال سبع مدارس للتعليم الأساسي تعمل في الريف، علما أنّ عدد التلاميذ فيها لا يتجاوز الـ 300، وهو عدد مرشح الى الانخفاض في السنوات المقبلة، إذا ما بقي حال الريف على ما هو عليه من التقهقر. فمتوسطة ترتج على سبيل المثال سجّل فيها 16 تلميذا هذه السنة بعدما كانت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي تستقبل سنويا نحو 400 تلميذ.
أمّا في بلدات ساحل قضاء جبيل، فهناك ست مدارس للتعليم الأساسي منها ثلاث في مدينة جبيل وتضم كلها نحو 1600 تلميذ. وإذا كانت حال المدارس الساحلية أفضل من حال نظيراتها في الريف إلا أن واقعها يعكس عموماً المأساة التي يعيشها كل ما هو رسمي أو عام في لبنان. فالمباني هي هي، منذ سبعينيات القرن الماضي، ولم يطرأ عليها سوى تحسينات قليلة. كذلك التجهيزات الصفية فهي من القرن الماضي، وما عادت تلائم متطلبات المنهاج الجديد. وتستفيد المدارس من دعم بعض الجمعيات الأهلية، ومن اتفاقات توأمة مع مدارس أوروبية تؤمن لها بعض التجهيزات مثل أجهزة الكمبيوتر وسواها.
ففي متوسطة جبيل الثانية حيث يتلقى نحو 350 تلميذا تعليمهم، يشكو المدير أنطون الخويري من عدم وضوح الرؤية التربوية "الرسمية"، وغياب سلطة تربوية فاعلة تواكب التعليم الرسمي وتعمل لنموه، مشيراً إلى أنّه وأفراد الهيئة التعليمية في المدرسة البالغ عددهم 75 مدرسا يعملون بعدّة ثمانينيات القرن الماضي. ويوضح خويري أن المستوى التعليمي في المدرسة الرسمية هو نفسه في المدرسة الخاصة، معتبراً أنّ تدني نسبة الإقبال عليها مردّه أولا إلى الصورة الخاطئة التي كونّها اللبنانيون عنها في السنوات الأخيرة، إضافة إلى افتقارها الى التجهيزات الصفية الحديثة، وسوء حال مبانيها. لكنّ اللافت أن قلة قليلة من المعلمين "الرسميين" يسجلون أولادهم في المدرسة الرسمية! والجدير ذكره أنّ المكتب التربوي في جبيل أقفل أخيراً، وألحق فيه أساتذة على شفا بلوغهم السن التقاعدي يؤدون أدوراً لوجستيه بين مدارس جبيل ومقر المنطقة التربوية في بعبدا. فلا رقابة فاعلة على المدارس، كما لا تنظم دورات تدريبية للأساتذة والمدرسين، في وقت سبّب إقفال دار المعلمين، عدم ضخ دم جديد في الجسم التعليمي لا سيما في المرحلة الابتدائية، يضاف إليه صعوبة التعاقد مع مدرسين متخصصين. كما يشكو مديرو غير مدرسة تفشي ظاهرة الوساطات السياسية والإدارية في مجال تسهيل انتقال المعلمين من مدارس بعيدة عن المدينة إلى أخرى أقرب إليها، ما يؤدي إلى فائض في عدد المعلمين قياساً الى عدد التلاميذ، حيث في متوسطة جبيل الثانية على سبيل المثال معلمّ لكل 4,5 تلاميذ.
ويقترح مخايل أن يتمّ تخصيص كل من المدارس المتوسطة الثلاث في جبيل بحلقة دراسية واحدة، بعد أن قسّم في المنهاج الحديث التعليم الأساسي إلى ثلاث حلقات. وبذلك يتم توزيع الأساتذة كل وفق اختصاصه فلا تعود مدرسة تفتقر إلى مدرسين لمادة معينة في وقت تعاني مدرسة أخرى من فائض في عدد مدرسي المادة نفسها. باختصار، يدعو واقع المدرسة الرسمية في قضاء جبيل إلى التأمل في مدى التراجع الذي بلغه التعليم الرسمي في لبنان خصوصا في التأسيسي منه، ما يستدعي إطلاق ورش عمل لإنقاذ ما تبقى من المدرسة الرسمية بما هي مرفق أساسي في حياتنا الوطنية لا يمكن لأي سبب من الأسباب تجاهل أهميته.(السفير 28كانون الأول2011)