اقفلت السنة 2011، على صورة قاتمة في الجامعة اللبنانية، فيما التعليم العالي لم يشهد تغيرات في بنيته. فالجامعات الخاصة استمرت ثابتة وشهدت نمواً في عدد طلابها، أما اللبنانية فما زالت تراوح في دائرة الأزمات والمشكلات، رغم تعيين رئيس جديد لها.
لم تشهد الجامعة اللبنانية في تاريخها أزمات كالتي شهدتها في 2011. خسرت الجامعة الكثير من رصيدها، وان كانت تضم أكثر من 70 ألف طالب وطالبة، بينما زاد عدد الطلاب في الجامعات الخاصة أيضاً بنمو فاق نمو اللبنانية، الجامعة الرسمية الوحيدة في لبنان، والتي لا تزال تخضع لمركزية شديدة. المشكلات نهشت جسم الجامعة وسمعتها، وهي من دون مجلس جامعة، بعد آخر تعيين للعمداء في 2004. وهي تستمر في ظل فتاوى واجتهادات قانونية متعددة ومتنوعة، لكن من دون عمداء أصيلين لكليات الجامعة ومعاهدها، وهم الذين يشكلون مجلس الجامعة ليقوم بالدور المنوط به على الصعد الاكاديمية والادارية.
بقيت الجامعة تعاني فراغاً طيلة الأشهر التسعة الاولى من 2011. وكانت تراكمت المشكلات الادارية والاكاديمية في الجامعة اللبنانية، منذ ان انتهت ولاية الدكتور زهير شكر في 20 شباط 2011، حين نشأ خلاف مع وزير التربية والتعليم العالي السابق الدكتور حسن منيمنة تطور الى ما يشبه القطيعة بين الوزارة ورئاسة الجامعة، فتراكمت ملفات جرّت مشكلات لم تنته الى اليوم. والقطيعة التي استمرت اكثر من 6 اشهر لم تحسمها استشارة الوزير التي حصل عليها من هيئة التشريع والاستشارات بتكليف العميد الاكبر سناً، فيما لم يستطع رئيس الجامعة المنتهية ولايته ممارسة مهماته كاملة، وهو امر فتح الباب على خلافات بين اهل الجامعة وطعون في صدقية القرارات التي اتخذت خلال المرحلة السابقة. حتى ان بعض القضايا الادارية كاحتساب الدرجات للاساتذة ضاع وسط الخلافات السائدة. وبعدما تسلم وزير التربية والتعليم العالي الجديد الدكتور حسان دياب مهماته الوزارية، طويت صفحة لتبدأ اخرى بعنوان متفائل، هو استعادة الجامعة وظيفتها وتفعيل دورها وتعزيز استقلاليتها الاكاديمية والديموقراطية. لكن الجامعة عاشت خلافات مستعصية، الى ان عينت الحكومة أخيراً الرئيس الجديد للجامعة الدكتور عدنان السيد حسين، لكن بتوافق سياسي ورعاية حزبية أمنت اجماعاً في تعيينه للخروج من المأزق. وفي هذه العملية لم يجر التقيد بالقوانين والانظمة المرعية الاجراء التي تنظم عمل الجامعة، لا سيما القانون 66 وقانون تنظيم الجامعة 75 /67، لكن مجلس الوزراء اتخذ قراره بسبب غياب مجلس الجامعة الذي يرشح الاسماء.
السنة الجامعية 2010- 2011، شهدت بدايتها اضرابا لاساتذة الجامعة اللبنانية استمر نحو شهرين، وأنجز سلسلة جديدة للرواتب، قريبة من سلسلة القضاة. وكان وافق مجلس الوزراء على مشروع القانون الذي اعتبرته رابطة المتفرغين في الجامعة الخطوة الاولى على طريق الإصلاح الشامل في الجامعة اللبنانية وليس هدفاً في حد ذاته. ورأت أن المدماك الأول في عملية الإصلاح هو إعادة الروح الى مجلس الجامعة عبر تعيين عمداء أصيلين وفقاً للقانون رقم 66.
لكن قانون الجامعة، يحتاج أيضاً الى اعادة نظر، تسمح باستعادة المؤسسة لوظيفتها. فكل حريص على مستقبلها، لكونها جامعة الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، يرى انها في حاجة الى إصلاح. ويجمع المعنيون على أنه لا يمكن العملية الإصلاحية أن تسلك طريقها الفعلي من دون رفع اليد السياسية عن هذه المؤسسة الوطنية واستعادة استقلاليتها الديموقراطية وإجراء جردة حساب تبين حجم المخالفات التي حصلت خلال الاعوام السابقة، بهدف الانتقال الى مرحلة أخرى يكون فيها القانون هو المعيار في التعامل مع قضاياها.
العملية الإصلاحية لم تنطلق حتى الآن، وهي ضرورية للانتقال الى مرحلة تؤسس لمستقبل أكاديمي وإداري تقرره مجالسها التمثيلية، وفي مقدمها مجلس الجامعة. ومن المهم، اذا كان الحديث عن اصلاح الجامعة حقيقياً معرفة كيف تنظر الحكومة أو الطبقة السياسية الى وظيفتها اليوم، بعدما كانت أم المؤسسات في التعليم العالي.
الغائب الابرز عن الجامعة في 2011 كان طلابها، فرغم استمرار تعليق اجراء الانتخابات الطالبية في الجامعة، بقيت الخلافات تعصف بين الطلاب سياسيا وطائفيا، واستمر الانقسام بين الفروع، حتى ان الحديث عن نظام جديد للانتخابات تراجع الى مرتبة خلفية. ولم يعد هناك أثر لمجالس الطلاب باستثناء سيطرة المكاتب الحزبية الطالبية وتدخلها كمرجعية للطلاب.
لكن في المقابل، لم تكن الانتخابات الطالبية في الجامعات عامل استنهاض للطلاب لمقاربة قضاياهم الجامعية والدراسية، والمشاركة الفاعلة في قضايا المجتمع المدني. كانت أشبه بسلسلة سباق بين القوى السياسية تتكرر كل سنة، خصوصاً في الجامعات الخاصة، وبينها مؤسسات أكاديمية عريقة وتاريخية، للفوز بالمجلس الطالبي أو الحكومة الطالبية، من دون أن يكون فاعلاً على مستوى الجامعة وقضايا الشباب والطلاب.
في بعض الجامعات، الاستحقاق هو تقليد ديموقراطي، تقيده الجامعة عندما يتحول حلبة صراع لا يقوى أحد على وقف تداعياته السلبية. واذا كانت تضع شروطاً وقواعد للعملية الانتخابية، فهذا كان من حقها، وهي ليست مسؤولة عن تراجع قيمة هذا الخيار الديموقراطي وممارسته في الشكل الذي يحوّل الحركة الطالبية موقعاً للفعل وليس أداة في يد القوى السياسية واستطراداً الطائفية، وان كان المستقلون في الجامعات يفرضون وجودهم في حالات معينة، لكنهم لم يستطيعوا تشكيل قوة في مواجهة التيارات السياسية الكبرى القادرة على تجييش قواعدها.
تنافس القوى السياسية على الفوز في الانتخابات الطالبية في الجامعات الخاصة، لم يحول الاستحقاق الانتخابي سياسيا ديموقراطيا بامتياز. هو يصبح كذلك عندما تكون الحركة الطالبية فاعلة بالعلاقة مع مكوناتها في الجامعات الأخرى، لا سيما في الجامعة اللبنانية المشتتة بين الصراعات التي تأخذ أشكالاً سياسية وطائفية خطيرة. ولذلك لا يمكن القول ان الانتخابات الطالبية ناجزة ومتكاملة في 2011 في غياب انتخابات الجامعة اللبنانية التي تشكل عامل الاستقطاب الأول وانتخاباتها تؤثر على مسار الحركة الطالبية اللبنانية كلها.
لا انتخابات في الجامعة اللبنانية اليوم وفي العامين الماضيين بسبب الخلافات التي تحولت صراعات خطيرة في بعض الفروع. ومن الباكر الحديث عن عودة الاستحقاق الانتخابي الطالبي الى هذه الجامعة قبل ان يعاد النظر في واقع الجامعة نفسها.
لكن مشهد الانقسام السياسي بين الطلاب دخل الى اروقة الجامعات كلها، ولم تسلم احياناً من صراعات حادة بين الأطياف السياسية والطائفية داخلها.
الى ذلك ظهرت مشكلة معاهد الدكتوراه، التي تحرك طلاب المعهد العالي للدكتوراه في الآداب، العلوم الانسانية والاجتماعية (فرع العلوم الاجتماعية) رافضين اجراء امتحانات الدخول للماستر والدكتوراه، اعتراضا على القرار 2656 الذي ينظم دخول الدكتوراه من خلال سنة تحضيرية، ولم يتحول القرار مشروع مرسوم لاقراره قانوناً، ما يعني انه يحمل العديد من الثغر القانونية، ما طرح أسئلة كثيرة عن الشهادة وعن الطلاب وعمق التحصيل والبحوث، وما اذا كانت الشهادة معتمدة دولياً، رغم ان نظامها ليس أوروبيا ولا لبنانياً، ولا أحد يعرف الى أي هوية تعود.
كيف تكون المعايير الاكاديمية والجامعية موحدة في التحضير للدكتوراه؟ سؤال، لا المجالس في معاهد الدكتوراه اجابت عنه، ولا الادارة المركزية للجامعة اوضحت، الا بقرار من رئيس الجامعة اعاد طلاب العلوم الاجتماعية الى المرسوم القديم للدكتوراه، وابقى الطلاب في المعاهد الخمسة خاضعين للقرار 2656. كما ان موضوع المناهج لم يلحظ اي تغيير، خصوصا اعادة تقويم نظام LMD، بعد ثغر رافقت تطبيقه.(النهار 31كانون الاول2011)