منذ أكثر من ثلاثة أشهر والجهات السياسية والإقتصادية ومجلس شورى الدولة "تتقاذف" ملف تصحيح الأجور، الى أن أقرّ مجلس الوزراء أخيراً تعيين الحد الأدنى الرسمي للأجور بحدود 675 الف ليرة لبنانية بعد الاتفاق الرضائي الذي حصل بين طرفي الإنتاج، فيما انتظر المواطن/ة طويلاً آملاً ان تتحمل الحكومة مسؤولياتها تجاه حقوقه/ها بما يتلاءم مع حاجاته/ها الصحية والإجتماعية والإقتصادية، والتي تتخطّى في أبعادها موضوع تصحيح الأجور فقط.
وقد جاء العراك السياسي-الإقتصادي ليسقط مقاربة الوزير شربل نحاس الحقوقية والقانونية واقتراحه لمرسوم تصحيح الأجور، مغلباً نهج التسويات المفرّطة بحق العاملين/ت بين الإتحاد العمالي العام والهيئات الإقتصادية.
لقد كان بإمكان مقاربة وزير العمل الحقوقية الجريئة لتحسين المعيشة، أن تضع اللبنة الأولى من إستراتجية حكومية شاملة لتأمين الحقوق الإجتماعية للمواطن/ة، حيث لا تكتفي باقرار تصحيح الرواتب والتكرّم عليه بتقديمات نقل ومنح دراسية، بل تتعدى ذلك إلى إعادة توزيع الثروة الوطنية المركّزة لدى فئات إقتصادية محدودة، من خلال إعادة النظر بالسياسات الضريبية لجعلها أكثر عدالة، وتعميم الرعاية الصحية على الجميع. لكن إسقاط مقاربة نحاس بموافقة 18 وزيراً (باستثناء وزراء تكتل التيار الوطني الحر وحزب الله) جاءت لتكشف للرأي العام مدى تحكم التجاذبات السياسية الحاصلة في البلد بشؤون البلاد والعباد المعيشية وحقوق المواطن/ة الإقتصادية والإجتماعية. وهنا نتساءل هل المطلوب إبقاء المواطنين/ات رعايا لمرجعيات طائفية وتشكيلاتها السياسية التي تعمل على الإستمرار في تقويض الدولة، وتحول دون حصولهم/ن على حقوقهم/ن الإجتماعية، من الدولة مباشرةً ومن دون أي وسيط.
وعليه، قرّرت الحكومة تحديد الحد الادنى الرسمي بـ675 الف ليرة لبنانية، ومن ثم اقرار زيادة على الرواتب والأجور قدرها مئة بالمئة على الشطر الأول من الأجر حتى 400 ألف ل. ل.، على ألا تقل عن 375 ألف ل. ل.، وأخرى نسبتها 9 بالمئة على الشطر الثاني من الأجر بين 400 ألف ل. ل. ولغاية مليون وخمسمئة الف ليرة لبنانية، على أن يصار، بغية احتساب هذه الزيادة، الى تنزيل 200 ألف ليرة لبنانية من الأجر الاساسي. وقد كُلف وزير العمل شربل نحاس إعداد مشروع قانون يرمي الى الإجازة للحكومة تحديد آلية تعويضات النقل واقتراح المقتضى لإعداد منح التعليم للمستخدمين والعمال. وحفاظاً على الانتظام الاجتماعي العام، وعطفاً على الاتفاق الذي تم بين فريقي الإنتاج في قصر بعبدا بتاريخ 21/12/2011، تقرر إبقاء بدل النقل اليومي ومنح التعليم وذلك لحين صدور هذا القانون. وكذلك، أقر مجلس الوزراء احتساب الزيادات من تاريخ صدور المرسوم الجديد ومن دون مفعول رجعي.
في الختام، يتأكّد مرة ثانية فشل، ان لم يكن استحالة، تأمين الحقوق الإجتماعية للمواطن/ة في دولة المحاصصة الطائفية والصفقات السياسية. وبناءً على ذلك، فإن كافة المنظمات المدنية العاملة على موضوع المواطنة والحقوق الإجتماعية مدعوة إلى التكاتف والتحرك معاً من اجل الدفاع عن حقوق المواطن/ة الإجتماعية كسلة متكاملة ومن دون أي تفريط أو تجزئة.