مجانية الكتب الرسمية: تطبيق عملي لإلزامية التعليم؟

سيدرج اقتراح قانون مجانية الكتب المدرسية الذي تقدم به النائب سامي الجميّل على أول جلسة للجنة التربية النيابية. المشروع على أهميته ليس، بحسب الخبراء التربويين، أولوية في إصلاح التعليم الرسمي الذي يتراجع الالتحاق به بنحو ملحوظ
فاتن الحاج

لم يحدّد مجلس الوزراء بعد شروط تنظيم التعليم الإلزامي في المرحلة الأساسية حتى عمر 15 سنة، والمجاني في المدارس الرسمية، رغم مرور 5 أشهر على إقرار القانون في المجلس النيابي في 3 آب الماضي. أخيراً، خرج النائب الكتائبي سامي الجميّل باقتراح قانون مجانية الكتب المدرسية لتلامذة التعليمين الأساسي والثانوي الرسمي، بما هو «تطبيق عملي لإلزامية التعليم ومجانيته»،

وطلب تسريع دراسته في اللجان النيابية تمهيداً لإقراره قبل 6 أشهر على الأقل من بداية العام الدراسي المقبل، مستبعداً اصطدام الاقتراح بعقبات لكونه «عابراً للطوائف».
لا تتجاوز أعباء المشروع 11 مليار ليرة، وهو رقم لا يذكر إذا عرفنا أن موازنة وزارة التربية لعام 2012 بلغت 1400 مليار ليرة أي ما يوازي 6.8% من الموازنة العامة. ومع ذلك، يقول الجميّل إنّ «الكلفة ليست هي القضية، فإما أن تريد الدولة تخفيف الأعباء عن الناس أو لا تريد، ويمكن استثمار الأموال التي تصرف على الصفقات والمشاريع غير المجدية في هذا المشروع الحيوي». ويستند في مشروعه إلى أن «دولاً كثيرة سبقتنا إلى التجربة التي أثبتت أنها توفر المال العام وتدعم الأسر التي تعاني مفاعيل الغلاء والمصاريف المدرسية». ومن هذه الدول إسبانيا، ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، لوكسمبورغ، السويد، النرويج، فنلندا، اليونان، الأردن والسعودية. وكانت بعض الدول تعطي «شيكات» للتلامذة لشراء الكتب، قبل التخلي عن الإجراء لمصلحة نظام إعارة الكتب القابلة لإعادة الاستخدام، لكون المنحة لا تكفي عادة لشراء كل الكتب، نظراً لتقلب العملة والأسعار. ثم إنّ هذا النظام يسهم في الحفاظ على البيئة.
لكن إذا كان الهدف مساعدة الناس وتحفيز الالتحاق بالمدرسة الرسمية، فإنّ المشروع بحسب أحد الخبراء التربويين، على أهميته، لا يعدّ من أولويات الإصلاح التربوي. فالإصلاح لا يبدأ بتوزيع الكتاب مجاناً بل بمعالجة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى انخفاض مستوى التعليم الرسمي، مقترحاً اعتماد كتاب مدرسي واحد تشرف عليه لجان من المركز التربوي للبحوث والإنماء، وإعداد معلم يحكي لغة علمية ووطنية واحدة. يلفت نظر الخبير تراجع عدد التلامذة في المرحلتين الأساسية والثانوية، من 315 ألف تلميذ في العام 2006 ــ2007 و322 ألف تلميذ في العام 2008 ــ 2009 إلى 296 ألف تلميذ في العام 2010 ــ 2011، وهو الرقم الذي استند إليه الجميّل في مشروعه.
وبالنسبة إلى كلفة الكتب، تقول مصادر وزارة التربية إنّها تراوح بين 20 ألف ليرة و120 ألفاً، بينما تشير أرقام الجميّل إلى أنّها تراوح بين 50 ألف ليرة في الصفوف الابتدائية و250 ألفاً في الصفوف الأخرى، تضاف إلى مليون ليرة يدفعها الأهل للتلميذ الواحد، يفنّدها الجميّل كالآتي: تسجيل (150 ألف ليرة لبنانية)، ملابس (300 إلى 500 ألف ليرة لبنانية)، أجرة نقل ( 100 إلى 300 ألف ليرة لبنانية)، قرطاسية وحقيبة وغيرها (200 ألف ليرة لبنانية).
في مقابل ذلك، يرى الجميّل أنّ وزارة التربية قادرة على توفير الكتب مجاناً عن طريق الإعارة، فيتداولها التلامذة ويعيدونها بعد استعمالها إلى مكتبة المدرسة، وخصوصاً أنّها تنتج الكتب الرسمية وتعيد طباعتها كل عام من دون تغيير في مضمونها، فيما يتلف معظمها ويذهب هدراً.
وعن الإمكانات اللوجستية لتطبيق المشروع، يبدو النائب مقتنعاً بأنّ المدارس الرسمية بلجانها المالية وأمناء المكتبات قادرة على توزيع الكتب على التلامذة واستعادتها بموجب قيود. وإذا كان البعض يتخوف من إرباك سيحدثه المشروع، فقد سبق، كما يقول، لوزارة التربية أن خاضت مثل هذه التجربة مرتين عندما تبرّعت كل من السعودية والإمارات بثمن الكتب. بل إنّ بعض الثانويات الرسمية أخذت مبادرة تدوير الكتب المدرسية ولا تزال تطبق التجربة حتى الآن. وفيما تلفت مصادر وزارة التربية إلى أنّ حياة الكتاب الرسمي تراوح بين 3 و5 سنوات، ترى أن الحذر الوحيد هو القدرة على رصد الأموال بصورة دورية لاستبدال الكتب في حال تلفها. أما الخبير التربوي فيثير مستلزمات أخرى للمشروع، منها أهمية إبقاء الكتب في المدرسة وعدم السماح للتلميذ بإحضارها معه إلى المنزل إلّا بإذن خطي من الأستاذ، تجهيز غرف الصف بخزائن صغيرة لكل تلميذ بمفرده (casier)، لا سيما أنّ المعلم مطالب باعتماد طرائق تدريس حديثة تساعد التلميذ على إنجاز فروضه في الصف. ويؤكد الخبير أن التجربة السابقة أثبتت فاعلية تزويد التلميذ بوثيقة تظهر أسماء الكتب ورقم التسجيل وتاريخه وختم المدرسة وتوقيع المدير وإعطاء الحرية للأهالي لشراء الكتب من المكتبات التي يرونها مناسبة، على أن يسلموا الإيصال بثمنها إلى إدارة المدرسة.
ماذا في اقتراح الجميّل؟ توزع الكتب المدرسية القابلة لإعادة الاستعمال على التلامذة في التعليمين الأساسي والثانوي الرسمي مجاناً على سبيل الإعارة ولمرة واحدة فقط في السنة. وتكون ملكية جميع الكتب عائدة إلى الإدارة التربوية وتستردها في نهاية السنة.
في بداية السنة، يسلم أمين المكتبة في كل مدرسة الكتب المقررة لكل تلميذ مسجل وفق استمارة (bon) تظهر اسم الكتاب ورقمه والحالة التي أعطي فيها ويوقعها أمين المكتبة وولي أمر التلميذ. وفي نهاية السنة، يعيد كل تلميذ الكتب التي أعطيت له إلى أمين المكتبة الذي يكشف عليها، فإذا كانت في حالة جيدة يوقع الاستمارة ليبرزها التلميذ لدى إدارة المدرسة من أجل الحصول على الإفادة بعلاماته المدرسية، وعلى ولي أمر التلميذ أن يدفع ثمن الكتب التي لم تعد صالحة لإعادة الاستخدام أو التي أضاعها أو لم يردّها. وفي حال عدم دفع ثمن الكتاب لا يحصل على الاستمارة اللازمة لنيل الإفادة. يستوقف المراقبين التربويين اشتراط إعطاء إفادة العلامات بدفع ثمن الكتب التالفة، «فهذا لا يجوز قانونياً وأخلاقياً»،على حد تعبيرهم. لكن الجميّل لا يرى سبيلاً لضبط العملية سوى هذا الشرط.
وإذا انتقل التلميذ إلى مدرسة أخرى خلال العام الدراسي، يعيد، بحسب اقتراح القانون، الكتب التي أعطيت له، ولا يمكنه أن يتسجل في المدرسة الجديدة إلاّ بعد أن يبرز إفادة تفيد بأنّه قد سلّم الكتب إلى مكتبة المدرسة السابقة، قبل أن تعطيه إدارة المدرسة الجديدة كتباً بديلة.
تستبدل الكتب المدرسية القديمة أو التي فقدها التلامذة بكتب جديدة بناءً على طلب يرفعه مدير المدرسة ويوقعه أمين المكتبة إلى الإدارة التربوية، بعد الكشف على جميع الكتب المعطاة للتلامذة المسجلين في مدرسته، كما تسلّم المبالغ التي استوفتها المدرسة عن الكتب التي لم تعد صالحة أو فقدت إلى الإدارة المالية المختصة التي تعينها وزارة التربية، وتسلم الإدارة التربوية المدرسة عدداً جديداً من الكتب بعد تسلمها الكتب التي لم تعد صالحة للاستعمال وإحصاءً بما فقد منها.

نظرة فوقية لمشكلات أكثر تعقيداً

عواطف السلمان
يوحي اقتراح قانون النائب سامي الجميّل الخاص بمجانية الكتب المدرسية، للوهلة الأولى، بالإحساس بالمسؤولية تجاه تلامذة المدارس الرسمية وهم في غالبيتهم فقراء. لكن هل يعرف من وضع تفاصيل المشروع وضعية الكتاب الرسمي، سعره، طريقة صناعته، ورقه، كلفته الفعلية، ومدى الربح أو الخسارة المحققة منه؟ هل يدرك هؤلاء أنّ صناعة الكتب المستوردة تسمح للتلميذ بأن يدرس فيها سنوات عدة، فيما صناعة الكتب الرسمية رديئة للغاية؟ هل اطّلع أصحاب الاقتراح على حجم العمل والوقت الذي ستستهلكه إدارات المدارس في توزيع الكتب المعارة واستعادتها؟ هل يعرف هؤلاء أنّ ربط إعادة الكتب سليمة بإفادات العلامات سيدخل المدرسة في دوامة لا تنتهي؟ وهل يعرفون أيضاً أنّ مشكلة الكتب تبقى بسيطة إذا ما قورنت بالجدران المشققة والنوافذ المغطاة بالنايلون والغياب الكامل للأدوات التربوية الضرورية ووسائل التدفئة؟
إن حل مشكلة المدرسة الرسمية لا يكون بتوفير كلفة الكتب، على أهمية حاجة الأهالي إلى ثمنها، بل بإيجاد حل فعلي لسوء تعاطي وزارة التربية مع المشكلات المتفاقمة(الأخبار9كانو الثاني2012)