«Tablet» لكلّ تلميذ بـ180 ألف ليرة

هل ينشر لبنان التكنولوجيا الرقمية في قطاعه التعليمي بمستوى ما يحدث في الهند مثلاً؟ الإشارات تبدو مشجّعة مع بدء المرحلة التجريبية لبرنامج «لوحة إلكترونية لكل تلميذ» الذي يُنفذ بالتعاون بين وزارتي التربية والاتصالات، ويقوم على استغلال التطور الملحوظ الذي تحقّقه البلاد في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إضافة إلى دعم حكومي للأسعار يُفترض أن يؤمّن اللوحة (Tablet PC) بكلفة 180 ألف ليرة لكل طالب مدرسي.
تقوم فلسفة المشروع على مسألتين: الأولى، أضحى دمج أساليب التعليم المتطوّرة في النظام الأكاديمي مهماً جداً لتوسيع آفاق الطلاب وإعدادهم من مقاعد المدرسة لعالم لا ينفكّ يزداد تعقيداً وتنافسية من حيث أساليب التعليم وقنوات سوق العمل. الثانية، مع انطلاق تقنية الجيل الثالث (3G) على الهاتف الخلوي (وعلى اللوحات الإلكترونية)، هناك مجال واسع لمنح الطلاب فرصة للاستفادة منها عبر إطلاق خدمات جديدة وتطبيقات (Applications) تُنزّل على اللوحات تُفيد الطلاب في مواضيعهم الأكاديمية، وتسمح لهم بولوج مستمرّ ـــ والأهم آمن ـــ إلى شبكة الإنترنت لتبقى معلوماتهم محدّثة في كافّة المواضيع التي تهمّهم، طبعاً مع إمكان تنزيل المنهج التعليمي على اللوح والتخلّي في نهاية المطاف عن الحقيبة المدرسية التقليدية الثقيلة، التي يزداد إزعاجها في عالم يزداد خفّة ومرونة.
ويُقسّم المشروع الطلاب إلى شرائح عمرية (بين 6 و10 أعوام، بين 10 و14 عاماً، بين 14 و18 عاماً)، على أن يتغيّر المحتوى الأساسي المحمّل على اللوح وفقاً للفئة العمرية والمستوى الأكاديمي الذي تنتمي إليه، مع العلم بأنه يختلف بين التعليم ووسائط الترفيه المختلفة الهادفة.
وقد أعلن وزير التربية والتعليم العالي حسان دياب، في اجتماع بشأن الموضوع أمس، أنّ 4 شركات مصنّعة للكمبيوترات اللوحية «التزمت رسمياً بتقديم الأجهزة مجاناً للتجربة». وتوقّع أن «يكون لدينا في شباط (الشهر المقبل) نحو 200 جهاز من شركات مختلفة للتجربة، على أن تتضمّن الأجهزة المناهج التي جرى تحويلها إلى نظام رقمي». وقال: «ونحن في صدد تطوير مكننة المناهج في هذا الوقت لينتهي التدقيق فيها وتحسينها في آخر هذا الشهر».
وفي المرحلة الأولى ستُستثنى صفوف الشهادات الثانوية من التجربة «لكي لا يسبّب الموضوع إرباكات»، كما أوضح الوزير، مؤكّداً أنّ الطلاب سيختارون هذا النظام «لما فيه من تسهيل وجاذبية»، حيث سيجري «تحويل المواد واحدة تلو الأخرى إلى مواد تفاعلية، وتفتح أمام التلميذ خيارات كبيرة من المواقع التي تزوّده المعلومات والاختبارات العلمية والمراجع».
ومع انتظار نتائج المرحلة التجريبية لهذا المشروع، يبقى السؤال عن الأسعار؛ كم سيتكلّف الطلاب لركوب موجة التكنولوجيا أكاديمياً؟ بحسب حسان دياب، في إطار البرنامج المدعوم، «لا يتكلّف التلميذ أكثر من 10 آلاف ليرة في الشهر الواحد، على مدى عام ونصف العام»، أي 180 ألف ليرة في الإجمال.
ووفقاً لإيضاحات معنيّين بهذا المشروع، فإنّ الشريحة المستهدفة ستكون 10 آلاف تلميذ في المرحلة الأولى «لنصل في نهاية المطاف إلى 500 ألف تلميذ في لبنان». وبحساب سريع، يُمكن القول إنّ كلفة المشروع المدعوم على الطلاب المستفيدين ستكون 60 مليون دولار (ولاحتساب الكلفة النهائية يُفترض إضافة الدعم الذي ستدفعه الحكومة).
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا المشروع تعرّض أخيراً لكثير من الانتقاد الإعلامي، على قاعدة أن رائحة صفقة تفوح منه. ولكن وفقاً لتأكيدات جميع الأطراف التي اتصلت بها «الأخبار»، فإنّ هدف هذا الكلام لا يعدو كونه كلاماً سياسياً للتشويش على مشروع يُمكن أن يكون له ـــ إذا طُبّق بنجاح ـــ انعكاسات كبيرة على القطاع التعليمي، وتباعاً التكنولوجي والاقتصاد ككلّ.
وهذا ما ينقلنا إلى الشق التجاري من المشروع، حيث تؤكّد مصادر وزارة الاتصالات أنّ النقاشات جرت لتحديد من هي الشركة التي يُمكن أن تقدّم أفضل الأسعار للتعامل معها بين مجموعة تضمّ 11 شركة، على صعيد الأداة (Tablet) والمحتوى (Content). وقد يكون موضوع الاختيار إلى حدّ ما معقداً، ولكن ما يُفيد المشروع هو تلك المنافسة القوية التي يشهدها هذا القطاع الثانوي في جانب المصنّعين: بداية هناك شركة «Apple» التي تتصدّر السوق بلوحتها «iPad»، غير أنّ سعرها غير تنافسي إذ إن أرخص لوح تُقدّمه تجارياً يفوق سعره 500 دولار حالياً. ثمّ هناك شركات أخرى مثل «Samsung» و«HP» و«Acer» و«Lenovo»... وهناك أيضاً اللوح الذي قدّمته أخيراً شركة «Amazon»، المسمّى «Kindle Fire» الذي يبلغ سعره 200 دولار تقريباً (في سوق الولايات المتّحدة).
ولكن مع ربط المشروع بالقطاع التعليمي ـــ حيث الفئة المستهدفة هي طلاب من دون مدخول ـــ يظهر الدعم الحكومي للسعر أساسياً. وتُمثّل تجربة الهند في هذا الإطار مثالاً رائداً لبرامج تمكين الطلاب تكنولوجياً عبر اللوح الإلكتروني المنخفض الكلفة... كثيراً.
فقد أطلقت وزارة التربية في بلاد الـ1.2 مليار نسمة أخيراً اللوح الشهير «سماء» (باللغة الهندية الرسمية «Aakash») الذي يبلغ سعره المدعوم للطلاب 35 دولاراً فقط، وسعره التجاري 50 دولاراً. وتهدف الوزارة من برنامج تطوير اللوح إلى تأمين هذه التكنولوجيا إلى أكثر من 220 مليون تلميذ، وفقاً للطلب الذي رفعته الحكومة الهندية إلى شركة «Datawind» التي كانت مكلّفة بتطوير هذا اللوح المسمّى «الأرخص في العالم»، وإن كان غير واضح ما إذا كانت هذه الشركة ستقدر على تلبية الطلب الهندي، وبالتالي إمكان اللجوء إلى شركات أخرى للتصنيع. ويبدو أكيداً أن الخطوة الهندية المنطلقة من فكرة تأمين التكنولوجيا للفقراء تحديداً ستحثّ الشركات المختلفة على نسخ التقنية لخفض الأكلاف إلى مستويات دنيا، ما يعود بالفائدة على البرامج المشابهة في كافة أنحاء العالم، وفي لبنان تحديداً.(الأخبار18كانونالثاني2012)