ليس الأب بطرس عازار غريباً عن الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، فهو لم ينقطع عن متابعة أعمالها ومؤتمراتها منذ عام 1984 حتى 2001، ولطالما عُرف بأنه المستشار غير المعلن لشؤونها الإعلامية. وليست علاقته الوطيدة بالأمانة السبب الوحيد لقربه من مركز الأمين العام، بل ما يحمله أيضا في جعبته من خبرة تربوية تأصّلت في مدارس الرهبانية الأنطونية ومعاهدها التي حضنته وهو في سن الـ13، وتخمّرت في تخصصات متنوعة، جهد في اكتساب معارفها ومنها الفلسفة والحقوق واللاهوت.
في مكتبه الفسيح في الأمانة العامة، استقبل الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار "النهار"، فبدا متمسّكا بثوب رهبانيته الأنطوني، وعلى وجهه ابتسامة مرحّبة، ومحيّا تتجلّى فيه رصانة مميزة لراهب تنضح مسيرته بأسمى الفضائل الرهبانية.
حالة المدارس الكاثوليكية بالنسبة الى عازار "فيها الكثير من الإلتزام برسالة الكنيسة وبالعمل من أجل خدمة الوطن ومن أجل التجديد والتطوير. ولذلك كانت المؤسسات والمدارس الكاثوليكية مهتمة دائماً، خصوصاً في الاعوام الأخيرة بالتحدث عن الجودة والتطوير وتنظيم دورات من أجل تنشئة المديرين وأحيانا لكل الأسرة التربوية داخل المدرسة، ما يدلّ على أن المدرسة الكاثوليكية ناجحة على المستوى التربوي ومستمرة وفيها سعي نحو الترقي والتقدّم نحو الأفضل".
على رغم نجاحها، تعاني المدرسة الكاثوليكية وفق عازار "كغيرها من المؤسسات من قضايا لا علاقة لها بالتربية، وهذا يدفعنا الى السعي مع كثر من المسؤولين التربويين والقيّمين على المؤسسات التربوية نحو حماية المؤسسة والمدرسة الخاصة. فالمدرسة الكاثوليكية هي ابنة الكنيسة، وكما أن الكنيسة ثابتة على الصخرة وأبواب الجحيم لن تقوى عليها، فكذلك المدرسة الكاثوليكية سوف تبقى ثابتة مهما تكن التحديات وسوف تستمر برسالتها".
التحدّيات والتصوّرات
وصف عازار التحديات الخارجية التي تواجه المدرسة الكاثوليكية بالـ"كبيرة جداً". فعلى الصعيد المادي "تشكّل الأعباء الاقتصادية تحدياً كبيراً، لأن الدولة اللبنانية، مع كل التزامنا بها، لا تؤمّن العدالة لكل الناس. وأكبر مثل على ذلك هو الجدل القائم حول مسألة الأجور. تفاجأت من أنهم يعقدون الاجتماعات من دون دعوة أحد من مسؤولي المدارس الكاثوليكية وغيرها. وفي المقابل كان العمال وأصحاب العمل والهيئات الاقتصادية ونقابة المعلمين كلهم موجودون، علماً أن المدرسة في النهاية هي من سيدفع الثمن، لأن الجميع سوف يعملون لمصلحتهم ومن ثم يشنون نقمتهم عليها في حال رفعت أقساطها".
إلى التحدي الاقتصادي أضاف تحدّيا سياسيا وسأل: "أين موقع المدرسة الكاثوليكية على المستوى السياسي؟ فعندما نرى أن التربية في لبنان ترتجل ارتجالا، وأن التشريع غير ملائم دائماً، خصوصاً وأن هناك مواقع في وزارة التربية يشغلها أشخاص بالإنابة والوكالة، وسبب ذلك هو غياب التوافق السياسي، كيف يمكن أن نطلب من المدارس أن تقف على رجليها؟".
أما عن التصوّر الذي وضعه للعهد الجديد فقال: "أنا جئت لأكمّل، فما بدأه الاب مروان تابت سوف أكمل به، لكنني أرغب في ايجاد آلية للاستمرارية حتى نسير دائماً نحو الأفضل. وهناك مسألة نحن حريصون عليها، نريد أن تكون مؤسساتنا ذات انتماء كنسي، ولا أعني بذلك التعصّب لأنني والكنيسة كذلك نفكّر في المدارس الموجودة في الأطراف وفي المناطق ذات الأقلية المسيحية، فهي تستمر في خدمتها هناك لأنها لا تفكّر بمنطق تعصّبي وليس من أجل الكسب المادي، إنما للقيام بمهمة كنسية تخدم كل الناس إلى أي طائفة أو عرق انتموا. ولهذا السبب أشدد على فكرة الانتماء الكنسي، بمعنى العمل على تحقيق رسالة الكنيسة بين كل الناس، مسلمين ومسيحيين". أضاف "أرغب في القيام بلقاءات تنشئة للمعلمين، فعلى المعلّم أن يكون مهيأً حتى يتمكن من التعليم بروحانية الكنيسة وليس بروحانية أفكاره والحزب الذي يأتي منه".
خرج عازار من اجتماع التهنئة بانتخابه أمينا عاما في الحركة الثقافية في انطلياس بفكرة "العقد التربوي الاجتماعي الجديد" وقد انبثقت فكرته من واقع الأوضاع السياسية "التي يعجز في ظلها أي منا عن التفكير بمفرده، ومن هذا المنطلق، فإن العقد التربوي الاجتماعي الذي سوف يجمع كل الفاعلين في القطاع التربوي يتيح للجميع الجلوس معاً لدراسة المناهج والبرامج وكل النشاطات التي تساعدنا في السير نحو الأمام، بالإضافة إلى دراسة الكلفة وغيرها. سوف نضع أسساً لهذا العقد وآمل أن يتحقق".
الأقساط والمناهج
تنهيدة طويلة سبقت إجابة عازار عن استفسارنا، هل سيكون متساهلا مع رفع الأقساط أم لا؟ واصفاً المسألة بـ"المشكلة الكبيرة"، مضيفا أن "هناك مؤسسات في حاجة الى أن تعيش وتستمر "ليش أنا فيي إتساهل؟" أنا مجبر على الالتزام بالقوانين. أنا مع الشفافية والدقة وتطبيق القوانين وكل ما يدعو إلى راحة الأهل في دفع الأقساط، لكن في الوقت عينه أصرّ على أنه ولا يجوز على الدولة أن تفرض الزيادات وتجلس لتشاهدنا نتقاتل بين بعضنا البعض، عليها أن تكون عادلة مع الجميع، لا يجوز أن تربطنا بمفعول رجعي غير موجود في أي تشريع في العالم، وهو ما يؤدي إلى رفع الأقساط". أضاف "بدل زيادة الأجور التي تلزمنا برفع الأقساط، على الدولة أن تحقّق بعض التقديمات الاجتماعية على البنزين والنقل والغذاء. أين مراقبة الأسعار؟ منذ ثلاثة أشهر سمعنا بأن هناك زيادة على الأجور، فارتفعت الأسعار في الوقت الذي لم تقرّ بعد الزيادة، فأين حماية المستهلك ووزارة الاقتصاد؟ هذه المشكلة سوف تدخل في العقد الذي سوف نعمل عليه".
ورفض التحدّث عن إصلاحات "لأن ذلك سيعني أن هناك خللاً في العهد الماضي، في حين أن لي ثقة كبيرة بتابت ومن سبقه. هناك تطوير وتجديد، نعم، ولكن إصلاحات كلمة كبيرة جدا".
وأوضح أنه "كانت هناك ثقة كبيرة جداً في المؤسسة الخاصة، وأتمنى أن تعود بناء على المساءلة والمحاسبة. نحن هنا للتعاون مع بعضنا البعض ولتطبيق العقد التربوي الاجتماعي مع عيشه بحذافيره من أجل تحقيق التقدّم والتطوير ومن أجل الخير العام".
وطالب الدولة بـ"إعادة توصيف المباني المدرسية، وعدم تدخل السياسة في هذا الموضوع وأحذّر من هذا الأمر. كما أطالبها بتطبيق القوانين التي تتكلم عن مجانية التعليم وإلزاميته، على الأقل في المرحلة الابتدائية".