غضب المراجعين داخل المكاتب يهدد بالانفجار
يسأل كثير من المضمونين لدى دخولهم المكتب الإقليمي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في طرابلس صباحا، هل اليوم عطلة، أم أن معظم الموظفين في إجازة؟ فيأتي الجواب من الموظف الغارق بين الملفات والمولج بتلقي الطلبات وإعطاء الموافقات، «هذا من تبقى من الموظفين»، لتمتد صفوف المواطنين بسرعة استثنائية إلى مدخل مبنى الضمان، بانتظار أن يأتيهم الدور لتقديم ملفاتهم، وسط حالة من الغضب الشديد تترجم مشادات كلامية وتدافعا، وإشكالات في أكثر الأحيان، تضع مكتب الضمان في طرابلس يوميا على فوهة بركان قد ينفجر في أي لحظة ويؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
يخلص كثير ممن تبقى من موظفي المكتب الاقليمي للضمان الاجتماعي في طرابلس إلى أن الأمور لا يمكن أن تستمر كما هي، في ظل ما يشهده المكتب من زحمة مضمونين تقابله قلة في عدد الموظفين الذين لم يعودوا قادرين على القيام بالمهام المنوطة بهم بسبب الضغط الهائل الذي يشهده المكتب يوميا، مشددين على ضرورة أن تعي الادارة المركزية في الضمان مسؤولياتها حيال ما يجري، وأن تبادر بشكل سريع الى توزيع عادل للموظفين في محافظة الشمال لتسيير شؤون المضمونين، أو أن تعمل على التعاقد مع موظفين جدد لسد الثغرات القائمة.
وفي إحصاء بسيط لعدد الموظفين في محافظة الشمال، يبدو حجم الغبن والإهمال والحرمان والاستهتار اللاحق بمكتب طرابلس الإقليمي، الذي يضم نحو 35 ألف مضمون يقوم 27 موظفا فقط على متابعة شؤونهم وتخليص معاملاتهم، حيث يقوم موظف واحد بلغ الستين من العمر بتصفية معاملات المضمونين، بما في ذلك الأمراض السرطانية والمزمنة، وموظف واحد لإعطاء الموافقات على الاستشفاء في وحدة ضمان المرض والأمومة، وموظف واحد للصندوق. وتشير الاحصاءات إلى أن مكتب طرابلس يعطي يوميا نحو 150 موافقة في مقابل 30 موافقة تصدر عن كل مكاتب الأقضية التي تعج بالموظفين. وتلفت الإحصاءات إلى أنه في الوقت الذي يتابع فيه 27 موظفا معاملات 35 ألف مضمون في مكتب طرابلس الاقليمي، فان توزيع الموظفين والمضمونين في مكاتب الأقضية يأتي على الشكل التالي:
ـ جبيل: 25 موظفا لـ 12000 مضمون.
ـ زغرتا: 17 موظفا لـ 6800 مضمون.
ـ حلبا ـ عكار: 8 موظفين لـ 5200 مضمون.
ـ شكا: 15 موظفا لـ 5000 مضمون.
ـ أميون: 7 موظفين لـ 3500 مضمون.
ـ البترون: 10 موظفين لـ 2400 مضمون.
ـ بشري: 5 موظفين لـ 900 مضمون.
ويبدو واضحا أن مجموع عدد المضمونين في جميع مكاتب الشمال مع جبيل باستثناء طرابلس هو 35800 مضمون، في حين أن المضمونين التابعين لمكتب طرابلس هو 35 ألفا، أما عدد الموظفين في طرابلس فيبلغ 27، في مقابل 87 موظفا في مكتاب أقضية الشمال وجبيل. وما يزيد الطين بلة هو وجود ثلاثة مكاتب للضمان في مساحة لا تتعدى الـ 15 كيلومترا، تتوزع بين شكا والبترون (نفس القضاء) بـ 25 موظفا لـ 7400 مضمون، إضافة الى مكتب جبيل. وما يضاعف من الظلم اللاحق بمكتب طرابلس هو نية الإدارة المركزية للضمان (بحسب المعلومات) استحداث مكتب في حمانا، ومكتب في الغازية الملاصقة لصيدا، في حين أن قضاء المنية ـ الضنية وهو ثالث قضاء في محافظة الشمال من حيث الكثافة السكانية، لا يوجد فيه حتى الآن مكتب للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. أمام ذلك الواقع تعلو صرخة مزدوجة في مكتب طرابلس الإقليمي من قبل المضمونين، الذين ينتظرون ساعات طويلة لتقديم ملفاتهم ومن ثم نحو سبعة أشهر لصرف معاملاتهم، ومن قبل الموظفين غير القادرين على مواجهة الضغط الهائل في حجم المضمونين، خصوصا أن بعضهم كشف لـ «السفير» أن «المكتب قد يصبح عاجزا عن الدفع وإعطاء الموافقات في حال لم تقم الإدارة المركزية بزيادة عدد الموظفين، أو باعتماد توزيع عادل بين مكاتب الشمال».
وجاء البيان المشترك الذي أصدره «اتحاد نقابات العمال والمستخدمين في الشمال»، ونقابة السواقين العموميين، ليكشف حجم الأزمة التي يعانيها مكتب طرابلس و«تصل إلى حدود الفضيحة»، حيث يتهم البيان إدارة الضمان الاجتماعي بـ «التعاطي مع مكتب طرابلس بسياسة إدارة الظهر، كأنها تريد أن تنتقم من هذه المدينة، في وقت تعج فيه جميع مكاتب الشمال بالموظفين وتفتقر إلى المضمونين». وتساءل البيان: «هل أصبحت الإدارة عاجزة عن توزيع الموظفين في المحافظة الواحدة بشكل عادل؟، أم أن هناك فشلا إداريا أو استهدافا متعمدا لطرابلس، انتقاما من أبنائها لأن ساسة المدينة يتمتعون بالقيم الأخلاقية في زمن أكل فيه الفاجر مال التاجر؟». وتابع البيان: «إننا نحمل إدارة الضمان مسؤولية تفريغ مكتب طرابلس الإقليمي من معناه ومن موظفيه، خصوصا أن أي مكتب آخر في الشمال يضم خُمس المضمونين الموجودين في مكتب طرابلس، ويعج بالموظفين من دون أن يجدوا عملا يقومون به، ودليلنا على ذلك جولة بسيطة على مكاتب الشمال الفارغة باستثناء مكتب طرابلس المسمى إقليميا».
وتشير مصادر إدارة مكتب الضمان في طرابلس، لـ «السفير»، إلى أنها تعمل ما بوسعها لتلبية حاجات المضمونين وفق الامكانيات المتاحة لها، على قاعدة «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها»، وتعمل يوميا على استيعاب غضب المضمونين، لافتة إلى أن «ما يعانيه مكتب طرابلس على هذا الصعيد يشكل «قنبلة موقوتة» قد تنفجر في أي لحظة»، مؤكدة أن «مكتب طرابلس يستأهل لفتة من قبل المسؤولين المعنيين لمعالجة الأزمات التي يتخبط بها بفعل النقص الحاد بالموظفين».
28 كانون الثاني2012