من المتوقع أن تعلن إدارة مستشفى بعبدا الحكومي، والعاملون فيه، خلال الأيام القليلة عن حفل لإعادة افتتاحه بحلّة جديدة، بعد إنجاز ترميم أحد أقسامه وتجهيزه تجهيزاً كاملاً. أمر قد يعيد الحياة إلى المستشفى، بعد نحو عشر سنوات من الإهمال الذي عاناه، ما جعله يتخلّف عن تلبية حاجة أهالي المنطقة إليه من جهة، وعن دوره كأحد أهم المستشفيات الجامعية من جهة ثانية
ميلانا المر
يبتسم فيليب شرفان، ويهزّ رأسه مستسلماً، عند سؤاله لماذا لا يقصد مستشفى بعبدا عندما يحتاج إلى الطبابة. العم فيليب ناهز الستين من العمر، قصد مختلف مستشفيات المنطقة، لكنه لم يفكر يوماً في الدخول إلى المستشفى الحكومي القريب من منزله. لماذا؟ يشير بيده إلى جهة المستشفى ويقول: «هذا المستشفى منسيّ من جانب الدولة، فكيف سيكون حاضراً في حياة المواطنين؟ هو مبنى آخر من مباني الدولة المهملة، لم يجدوا طريقة بعد للاستفادة منه لجيبهم الخاص».
انطبعت هذه الفكرة في عقول أهل المنطقة منذ زمن، ما عادوا يتذكرون أيام عزّ المستشفى. آخر خبر سمعوه عنه، يعود إلى عام 2003. كانت هناك محاولة لتحسينه، إلا أن المتعهد الذي تولى المهمة، وقسّم المستشفى إلى قسمين بناءً على رغبة المموّلين، تركه على هذه الحالة وهرب بعدما أعلن إفلاسه.
اليوم يبدي العم فيليب استعداده للتفاؤل، عندما يسمع خبر إعادة افتتاح المستشفى قريباً، لكنه يعترف بأنه سيبقى حذراً «لأنه مشروع تابع للدولة»، والأخيرة لطالما خيّبت أمله خلال حياته الطويلة. موظفو المستشفى أكثر تفاؤلاً، لا يخفون أنهم استمتعوا بفتح معدات البروتوكول الفرنسي في آذار من العام الماضي، بعدما نُفّذ الشرط الذي منع استخدامها 13 سنة. كان الفرنسيون قد اشترطوا، عند تسليم المعدات الطبية الجديدة، ترميم مبنى المستشفى ليصبح قادراً على استيعاب هذه التقنيات المتطورة التي قدموها. وبسبب استحالة تنفيذ الشرط في السابق، بقيت المعدات مكدّسة في علبها بانتظار التنفيذ. أما اليوم، بعد انتهاء الترميم الأوّلي للمستشفى، الذي غطت وزارة الصحة تكاليفه، فبات من الممكن استخدامها والاستفادة منها.
وينتظر المستشفى الحصول على الجزء الثاني من المال، الذي وعده به وزير الصحة العامة علي حسن خليل، لتغطية مصاريف ثابتة تكدّست مع مرور الأيام بقيمة 3 مليارات و750 مليون ألف ليرة. سيُصرف جزء من هذا المبلغ على أدوات طبية وصحية إضافية، المستشفى في حاجة ماسة اليها، والجزء الآخر سيُستخدم لتسديد ديون قديمة مستحقة ومتراكمة على المستشفى منذ سنوات عدة.
يقول المدير العام للمستشفى، فريد الصباغ، إن «الحاجة كانت ماسة إلى مبادرة الوزارة، فبهذه الطريقة رممنا القسم العامل من المستشفى، وزدنا قدرة استيعاب المرضى من 25 سريراً إلى 50، إضافة إلى ترميم الأقسام بطريقة مؤقتة للاستفادة من المعدات الفرنسية».
هذا الأمر ساعد المستشفى أيضاً على استعادة جميع الهبات التي كان يفترض أن يحصل عليها منذ عام 2003 ولم تصل إليه، ومنها الهبة الإيطالية التي ستغطي تكاليف العمل في القسم الثاني المقفل حالياً، بعدها سينقل المستشفى عمله إلى القسم المرمّم من قبل الطليان، ويتفرّغ لإصلاح القسم الذي يحتله الآن بمساعدة أمّنها مجلس الإنماء والإعمار من القرض الإسلامي.
لم تفت الصباغ أهمية المستشفى الأكاديمية، فأعاد إحياء العلاقة مع رئيس الجامعة اللبنانية د. عدنان السيد حسين، على اعتبار أن مستشفى بعبدا الحكومي هو مستشفى جامعي ولا يجوز أن تبقى العلاقات منقطعة بين المؤسستين. حصلت اجتماعات مكثفة بين الطرفين، وجاءت النتيجة إيجابية، بحيث توطدت العلاقة المهنية، إضافةً الى التزام الجامعة اللبنانية، من جديد، بتنفيذ العقد المبرم بدفع المساهمة السنوية عن سنة 2008، وهي مخصصة لشراء معدات طبية بقيمة 3 مليارات و100 مليون ليرة لبنانية لإعلان مناقصة بحسب القوانين المرعية الإجراء، لتجهيز المستشفى ببعض المعدات الطبية الناقصة، وتحديث الأقسام الطبية بأجهزة متطورة تتناسب مع صفة المستشفى الجامعية.
يختلف مستشفى بعبدا الحكومي اليوم عما كان عليه منذ سنة، حتى وجوه العاملين فيه أشرقت، بعد أعوام كثيرة من المعاناة، وأشهر كثيرة من تراكم الرواتب غير المدفوعة. فقد عانى موظفو المستشفى تقليص الدوام إلى النصف، ومعه تقلّص الراتب أيضاً، بعدما انخفضت مساحة استقبال المرضى بنسبة 60%. أما اليوم، وبعد كل التغييرات التي طرأت في الأشهر القليلة الماضية، فقد بدأ التحسّن التدريجي يظهر على الموظفين من الناحيتين المهنية والنفسية.
يتألف الطاقم الطبي من أهم الأطباء وأشهرهم في لبنان، كما يقول الصباغ، معوّلاً على هذا الأمر لكي يتشجع المرضى ويقصدوا المستشفى الحكومي «الذي يعالج فيه طبيب مشهور بكلفة أقل. لدينا أطباء يشغلون مراكز مدراء أقسام في مستشفيات خاصة، الخبرة لا تنقصنا بتاتاً، ينقصنا اهتمام الدولة بنا». ولا يفوت الصباغ أن يشير إلى أن الاهتمام بالمستشفى لم يكن ليتمّ لولا «لفت نظر نواب بعبدا إليه منذ أكثر من عام، ذكّرناهم بوجود وريد أساسي يفترض أن يكون في خدمة الشعب، لكنه منسي تماماً، لقينا اهتماماً من قبلهم، وها نحن نعمل معاً لتطوير المستشفى وإعادته بكامل خدماته».
عانى هذا المستشفى كثيراً، في رأي رندا ابي عاد، ولم يأخذ حقه أبداً في السابق، وهي تتمنى أن تكون الوعود اليوم صادقة، ويصبح مستشفى بعبدا الحكومي مزدهراً ومقصوداً كمستشفى رفيق الحريري الحكومي، فالمنطقة بحاجة ماسة إلى مشروع مماثل للطبابة. رندا الوافدة من كسروان بعد الزواج مباشرة، أنهت عامها الثالث والثلاثين في المنطقة، وباتت تعرفها جيداً، لكنها لم تشهد مرة واحدة دعماً فعلياً لهذا المستشفى. سمعت في السابق عن هبات كثيرة ومساعدة فرنسية وغيرها إيطالية، لكنها لم تلمس تطوراً على هذا الصعيد. تدعو رندا لنفسها بالصحة الدائمة، إثر سؤالها عن احتمال لجوئها إلى المستشفى الحكومي في حال إصابتها بمرض ما، ثم تجيب «بصراحة ممكن كتير، إذا صدقت الدولة وساعدت على تطويره، طبعاً، لمَ لا، ففي البلد مستشفى حكومي آخر وهو مجهز ويستقبل الناس ويقدم إليهم أفضل ما لديه. ما الذي يمنع هذا المستشفى من بلوغ نجاح الآخر؟».
المنافسة مع الخاص
يأسف المدير العام للمستشفى فريد الصباغ لأن خدمة المستشفى شلّت طيلة هذه السنوات بسبب عائق المال والتمويل. ويلفت إلى أن المستشفى يقع في وسطٍ يضم الكثير من المراكز الطبية والاستشفائية الخاصة، لذلك يجب أن يؤمن الدعم اللازم للمواطن من خلال تركيز اهتمام الدولة على القطاع العام.
الأخبار 24 كانون الثاني 2012