لطالما كان موضوع اعداد كتاب تاريخ موحّد لتلامذة لبنان في كافة المراحل التعليمية يشكّل معضلة حقيقية بسبب اختلاف زعماء الطوائف ومؤسساتها والأطراف السياسية اجمالاً في رؤيتها لتاريخ لبنان، الأمر الذي ينعكس حكماً على لجان التأليف. وهنا، لا بد من التذكير بأنه لكل طائفة من طوائف لبنان التاريخية، ومن ثم الأحزاب التي تمثلها، رؤيتها لدورها وانجازاتها وبطولاتها والتي كثيراً ما تكون متعارضة مع رؤية الطوائف الأخرى.
قبل أقل من سنة ونصف سنة سلك كتاب التاريخ الموحّد طريقه الى الإعداد، بعدما تمكنت اللجنة التي تشكلت في عهد وزير التربية السابق حسن منيمنة، والتي ضمت مؤرخين وأكاديميين وممثلين لقوى 8 و14 آذار وللطوائف كافة ومستقلين، من وضع المنهج العام لكتاب التاريخ المدرسي الجديد في الحلقات الثلاث من التعليم الأساسي حتى الصف التاسع "البريفيه". هذا وقد وافق مجلس شورى الدولة على مسودة الكتاب، وأرسل مشروع مرسوم بشأنه الى مجلس الوزراء السابق في 10/08/2010.
تتناول هذه المسودة الجديدة أهم الأحداث التي عاشها لبنان منذ الحرب العالمية الأولى، وحتى التاريخ القريب، بما فيها ثورة الأرز، حرب اسرائيل على لبنان في تموز 2006، مخيم المعارضة في الوسط التجاري، وأحداث السابع من أيار في العام 2008، بشكل موجز، وبعيداً عن التحليل، بالإضافة الى العمليات البطولية للمقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وتحرير جنوب لبنان، مروراً بابراز دور شخصيات لبنانية كان لها حضورها في البلاد.
لكن، في عهد حكومة ميقاتي الجديدة، قامت اللجنة الوزارية، التي يرأسها الوزير نقولا فتوش والمكلّفة من مجلس الوزراء بإقرار «منهج كتاب التاريخ الرسمي الموحد»، بإدخال تعديلات على المنهاج شملت الغاء الحديث عن "ثورة الأرز" وعن مرحلة ما بعد 14 أذار 2005، وادخال اسماء جديدة لمقاومين للإحتلال الإسرائيلي كالشهيد خالد علوان. وقد اثارت هذه التعديلات عاصفة من الإنتقادات الحادة من قبل جهات سياسية وأحزاب معترضة مثل تيار المستقبل والقوات اللبنانية.
وهنا، لا بد من الإشارة الى أن انتقادات أخرى أكثر جدية برزت وتناولت المقاربة التعليمية التي اعتمدت في وضع المنهاج. وقد شددت تلك الإنتقادات، ابرزها من الأستاذ في كلية التربية الدكتور علي خليفة، على أن مفهوم التعلم والتعليم يتنافى كلياً مع مبدأ التلقين واي محاولة لاختزال التعليم بالتلقين لأسباب سياسية، وبالتالي فإن سرد الوقائع من وجهة نظر مؤلّف الكتاب الذي قد يتعمد إخفاء بعض الأمور وإظهار غيرها هي عملية تعليمية فاشلة. إن الحل لمواجهة النزعة الطائفية في النظر لتاريخ لبنان يكمن في كيفية تطوير قدرات التلامذة على تحليل ونقد مصادر متعددة والتدقيق في مدى قوتها وصحتها. ولتحقيق ذلك، يجب اتّباع مقاربة علمية لتعليم التاريخ كغيره من مواد المنهج وعدم اختزاله في عملية سرد قصص عن الماضي، بل العمل على تطوير مهارات واساليب التحليل التاريخي المنهجي لدى الطلاب.
وفي هذا الإطار، إقترح خليفة مقاربة مختلفة تستند إلى درس الوثائق والمستندات وعرضها لأن ذلك يسمح في حلّ الاختلاف في وجهات النظر، مشدداً على أهمية عرض وجهتي النظر في الأمور الخلافية من خلال درس وثيقتين أو مستندين، الأمر الذي يفترض شيئين: أولهما منهجي من طريق دراسة وثائق وتحليل بيانات، والآخر مبدأي أي القبول بنسبية الحقيقة.
وهنا يبرز السؤال الأساسي حول إذا ما كان هناك فعلاً نية لدى الأطراف السياسية المختلفة بتوحيد الرؤى حول تاريخ لبنان ومن ثم وضع كتاب موحد؟ أم أن تبني مشروع تطوير كتاب تاريخ مدرسي موحد في لبنان قد أصبح طقساً من طقوس الحكومات المتتالية منذ الطائف، والتي تمارس فيها تلك الأطراف هيمنتها الفكرية والثقافية على عقول المواطنين الشباب؟؟
ختاماً، يبدو جلياً أن التفاهم حول هوية لبنانية جامعة أو كتاب تاريخ موحد ليس بالأمر اليسير، فالإنقسامات السياسية والطائفية التي شهدها لبنان منذ عصور لم تسمح بعد بالوصول الى فهم واحد أو رؤية شاملة للمراحل المختلفة التي مرت بها البلاد، بل على العكس ربما يكون الشرخ قد إتسع. لذا، قد يكون من الأجدى في هذه المرحلة الإشارة في منهج كتاب التاريخ الى هذا الإنقسام الموجود في لبنان حول الرؤية والهوية، وترك للقارىء أو التلميذ حق الإستنتاج والتحليل وبناء رأيه الخاص إزاء هذه الآراء والحجج المختلفة. وفي حال لم يتم إعتماد تلك المقاربة، فسيكون كتاب التاريخ عرضة للتغيير كلما تغيّر الفريق السياسي الحاكم في البلد مما من شأنه ان يسبب ضياع في أفكار الطلاب وتشتت في الرؤى.