غلق فاتن سماعة الهاتف بسرعة وعصبية، فور سماعها أن زميلتها في التعليم الرسمي قد ضاع عليها نحو أربعة ملايين ليرة بدلاً من ضم خدماتها عن أعوام تعاقدها في التعليم الرسمي لتضاف إلى رصيدها منذ عام 2008، يوم دخلت في ملاك التعليم، من أجل الحصول على مستحقّاتها من درجات.
تحتار فاتن (اسم مستعار) من أين تبدأ لمعرفة مصير الملايين الخمسة التي دفعتها إلى أحد زملائها لمتابعة معاملتها في وزارة المال من أجل ضم الخدمات. تجري اتصالاً بمسؤولها للتحقق من صحة الخبر في شأن توقيف (و. ب)، ولمعرفة ما يجب عليها ان تفعله، يأتيها الجواب بأن عليها الانتظار ريثما يجري بعض الاتصالات.
تمر الدقائق على فاتن كأنها ساعات، تترك مكتبها للحظات، ثم تعود وتنظر إلى الهاتف، لعله يأتيها بخبر يقين. وبعد قليل من الوقت، يأتي الجواب، «عليك مراجعة وزارة المال لمعرفة الحقيقة، شريطة ان تسحب من دائرة شؤون الموظفين إيصال الدفع (الورقة الصفراء) التي سبق وسلمها إياها (و. ب) بعدما ادعى انه دفع ما يجب عليها، وأخذ بدل أتعابه. وعلى الفور لم تتردد فاتن في طلب نسخة من دائرة الموظفين.
وكان النائب العام المالي، القاضي علي إبراهيم، قد ادعى على الموظف في وزارة التربية - دائرة الشمال الموقوف (و. ب) في جرم اختلاس أموال عامة وتزوير واحتيال وقد ارتكب الجرم في بيروت. وأحاله موقوفاً على قاضي التحقيق في بيروت فؤاد مراد للتحقيق معه. وعلمت «السفير» أن التحقيق مستمر وقد يشمل أشخاصاً آخرين متورطين في العملية.
وكشفت معلومات لـ«السفير» أن قيمة المبالغ التي تم اختلاسها من الموظفين أو المعلمين الذين أرادوا ضم خدماتهم عند التحاقهم بالخدمة تصل الى عشرات الملايين من الليرات اللبنانية.
وفاتن التي روت قصتها أمام زملائها قالت: «فوجئت في اليوم التالي عند توجهي إلى وزارة المال بأنني لم أدفع أي قرش بطريقة رسمية، وان الورقة الصفراء التي املكها مزورة». تتوقف قليلاً، وتتابع بحسرة: «كنت قد ادخرت بعض المال لشراء سيارة، وفي وضعي الحالي سأخسر نحو خمس درجات من راتبي، لقاء ضم 11 سنة خدمة. ففضلت أن أدفع مجدداً، وأنتظر ما سيقوله القضاء..». وهذا ما حصل، فقد دفعت خمسة ملايين و311 ألف ليرة، ولسانها لم يتوقف عن «لعن الساعة التي دفعت فيها لـ(و. ب)»، وعادت بعدها إلى دائرة شؤون الموظفين وأودعت الإيصال الأصفر لحفظ حقها.
حال فاتن مشابهة لحال مئات المعلمين، إن لم نقل لأكثر من ذلك، خصوصاً إذا ما علمنا بأن عمليّات التزوير بدأت منذ عام 2005/ 2006، إلا أن الإحصاء الدقيق لعدد المتضررين من هذه العملية لم يحدد بعد، ريثما تتم مراجعة الطلبات التي رفعت إلى دائرة الموظفين، خصوصاً أن عدد الذين دخلوا الملاك مذ ذاك يتجاوز عددهم الخمسة آلاف معلم.
وأوضحت معلمة تعرضت لعملية الاختلاس أنها عام 2005 دخلت ملاك التعليم في وزارة التربية، وطلب إليها ضم سنوات خدمتها في التعاقد. فكلفت المدعى عليه (و. ب)، الذي كان مولجا بهكذا أمور، ضم خدمات ست سنوات، وسلمته مبلغ أربعة ملايين وثلاثمائة ألف ليرة، ليتم دفعها إلى وزارة المال. ومنذ فترة قصيرة تبين أن المعلمة لم تدفع أي شيء إلى وزارة المال. وقالت: «عندما سألت المدعي عليه نفى تورطه وقال إن الموضوع يطال أناسا كباراً..».
وأشارت المعلمة إلى أنه «بعد التدقيق في ملفات عشرات المعلمين، تبين أنهم خُدعوا كما خُدعت».
وكشفت المعلومات أن ما فضح عملية التزوير هو ختم وزارة المال، الذي توقف العمل به منذ عام 2005، علما بأن الإيصال الأصفر صحيح، وكذلك الرقم المتسلسل، حتى أن ضم سنوات الخدمة تم بفعل تقديم الإيصال، الذي يؤكد أن صاحبه دفع ما يجب عليه إلى وزارة المال. لكن الحقيقة أن المعلم دفع ماله، وحصل على إيصال مزور، بينما وزارة المال لم تحصل على الأموال، وفي هذه الحال هناك طرفان تعرضا للخداع، هما وزارتا المال والتربية. الأولى لم تحصل على أي قرش، والثانية، نفذت المطلوب لجهة ضم الخدمات ودفع بدل الدرجات. أما الطرف الأكثر تضرراً فهو المعلم الذي «أكل الضرب» وبات عليه الدفع من جديد، وإلا فإنه سيحرم من الدرجات، وربما يجب عليه دفع ما أخذه ما لم يسدد ما عليه.
وقد أثار شيوع خبر عملية الاختلاس، إلى مسارعة عدد من الموظفين الذين سبق وتعاملوا مع المدعى عليه (و. ب) إلى دائرة شؤون الموظفين للتدقيق في ملفاتهم، ما أربك الدائرة ووضعها في وضع لا تُحسد عليه، وأول ما تبين أن معظم الذين تعرضوا لعملية «النصب» هم من منطقة شمال لبنان، إضافة إلى عدد من المعلمين والموظفين في بيروت والجنوب، وفق ما أكدت مصادر في وزارة التربية. وأوضحت المصادر أن أكثر المراجعات التي تلقتها هي من منطقة الشمال، «حتى أن هناك معاملات سبق ونفذها المدعى عليه قد أصبحت في دائرة الشك». ولفتت إلى أن معلمين توجب عليهم دفع مبالغ لضم الخدمات تصل إلى 12 مليون ليرة.
وفي انتظار ما سيقوله القضاء الذي ادعى على كل شريك ومتدخل في جرم الاختلاس، يبقى المعلمون والموظفون الذي ضُمت خدماتهم في الأعوام السبعة الأخيرة في حيرة من أمرهم، نتيجة ضياع ما سبق ودفعوه من أموال، مع خوف من إعادة الدفع من جديد، خصوصاً أن المبالغ المتوجبه عليهم كبيرة، وهم لم يصدقوا أنهم انتهوا منها.(السفير 13 شباط2012)