مئات الحافلات تنقل نحو عشرة آلاف تلميذ على طول القضاء ترهل «الرسمية» ينعش المدارس الخاصة في راشيا والبقاع الغربي

استفادت المدرسة الخاصة في منطقتي راشيا والبقاع الغربي، من التداعيات والعثرات التي خلفتها الحرب اللبنانية، على مستوى أداء العمل وحسن تنظيمه في المؤسسات والإدارات الرسمية، وفي مقدمة تلك المؤسسات التي فقدت بريقها وهيبتها، كانت المدرسة الرسمية التي حاصرها الوهن، ووخز عصبها الترهل. ففرّخت على أنقاضها مدارس خاصة بالعشرات، استطاعت استقطاب نسب عالية من الطلاب، لا سيما في مرحلتي الروضات والتعليم الأساسي، لامست في بعض القرى والبلدات نسبة 90 بالمئة من أبنائها، إلا أن تلك النسبة العالية في هاتين المرحلتين، تقابلها نسبة منخفضة جداً من الطلاب الذين انتقلوا إلى التعليم الثانوي الخاص، بحيث لم تتعد 15 بالمئة، بعدما أثبتت الثانويات الرسمية جدارتها وتفوقها، في مواجهة المحاولات الفاشلة والخطط اليائسة، التي دفعت بها بحزم الثانويات الخاصة، لحجز منافذ لها على مقاعد الدرجة الأولى.
عامل الجذب الذي شكلته المدرسة الخاصة، لطلاب مرحلتي الروضات والتعليم الأساسي، لم يأتِ من عبث، إنما جاء نتيجة لفقدان الثقة بالمدرسة الرسمية من قبل الأهل، نظراً للعثرات التي حدّت من دورها الريادي في أثناء الأحداث اللبنانية، حيث تغيبت وزارة التربية عن أداء دورها، لجهة أعمال المراقبة والمساءلة والمحاسبة، إلى جانب افتقادها المعلم الكفوء، وتوقف الدورات التدريبية على مستوى الاختصاصات، وتعيين معلمين متعاقدين بدلاً من فتح دور المعلمين لرفد المدارس الرسمية بأساتذة متخصصين، فضلاً عن تطبيق بعض السياسات العشوائية، واللجوء إلى بدعة إعطاء المنح المدرسية للموظفين في السلكين المدني والعسكري، وتحوّل تلك المنح عند البعض من إدارات مدارس خاصة أو الموظفين إلى تجارة يراد منها الربح. ودفع نمو قطاع التعليم الخاص في البقاع الغربي وراشيا، بالعديد من أصحاب رؤوس الأموال إلى استثمار أموالهم في إنشاء المدارس الخاصة، بالتعاون مع تربويين من ذوي الخبرة، بعدما تبين أن ذلك الاستثمار يدر أرباحاً هائلة، في ظل ارتفاع قيمة الأقساط المدرسية، وسهولة تحصيلها من الأهالي شهرياً أو سنوياً، لكن على الرغم من ذلك فإن الانعطافة نحو المدرسة الخاصة، لم تكن خياراً إرادياً لدى الأهالي، إذا ما قيست بالمخاوف التي تنتابهم، والإرباك الذي يصيبهم بالتشنج، بسبب صعوبة انتقال أبنائهم إلى المدارس الخاصة، والمسافات الطويلة التي يقطعونها يوميا، والمخاطر التي تواجههم على الطرق، إلى جانب هدر الأوقات، وما يصيبهم من إرهاق، ومدى انعكاس كل ذلك على أوضاعهم الصحية والنفسية وعلى مدى قدراتهم الاستيعابية.
ولا يمكن إغفال استفادة المدارس الخاصة من قرارات وزارة التربية، التي قضت بإقفال العديد من المدارس المتعثرة في العديد من القرى والبلدات، وإلحاق إداراتها وهيئاتها التعليمية في مدارس أخرى. ومن بين تلك المدارس متوسطة راشيا، وعين عطا، وعين حرشا، وبيت لهيا، وعيثا الفخار، وكفرمشكي، والعقبة (في منطقة راشيا). أما في البقاع الغربي فقد طالت قرارات الإقفال مدارس عين زبدة، وعميق، وخربة قنافار، في حين لامست نسبة المدارس المتعثرة، أي التي تضم 100 تلميذ وما دون 40 بالمئة. وتتوزع المدارس الخاصة على مستوى منطقة راشيا بين ضهر الأحمر، والرفيد، ومذوخا، أما في البقاع الغربي فتنتشر في مناطق عدة من بينها مشغرة، وخربة قنافار، وصغبين، وجب جنين، ويحمر، وكامد اللوز، والمنارة وغيرها. وتستقطب تلك المدارس غالبية جيل الطفولة من أبناء القرى والبلدات القريبة والبعيدة.
ويتمنى الأهالي لو أن المدرسة الرسمية تستعيد أيام العز، التي عرفتها في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ليتخلصوا من الضائقة التي تفتك بأعصابهم، إن على المستوى المادي أو على المستوى النفسي. ويلفت حسين سليم ريدان إلى أن أبناءه يقطعون يوميا مسافة تزيد على الخمسين كيلومترا ذهاباً وإياباً من عين عطا إلى مدرستهم في ضهر الأحمر، في ظل أجواء تسيطر عليها الأخطار، نتيجة البرد والصقيع في فصل الشتاء، «ما يجعل أبناءنا عرضة للإصابة بالأمراض، إلى جانب مخاطر أخرى تتهددهم على الطرق التي يسلكونها، حيث تجتاحها الثلوج والصفائح الجليدية، كون مناطقنا جبلية وتعتريها صعوبة المسالك». ريدان وصف خيار النزوع نحو المدرسة الخاصة عند الأهل، باللاإرادي، لأن معظم المدارس الرسمية، خاصة في مرحلتي الروضات والأساسي، قد فقدت دورها الطليعي الذي حققته أيام زمان، فحلّ محلها التعليم الخاص، حيث الاهتمام أكثر، والمراقبة أفعل، والنتائج أفضل. لكن ذلك لا يسري على الكثير من المدارس الرسمية، التي ما زالت تحافظ على تميزها عن الخاصة، كما في بلدة عيحا وكوكبا وكفرقوق ومشغرة بعلول والرفيد. وحذر ريدان من تحرك الحافلات المدرسية على الطرق الجبلية في أيام الجليد، مشددا على ضرورة رعاية الطلاب من قبل المسؤولين في المدارس الخاصة، خصوصا أن جلهم لا يدرك المخاطر التي قد يتعرضون لها، وما قد يتأتى عن التغاضي عن الطلاب وحركاتهم، داعيا المسؤولين إلى توعية الطلاب وتقديم النصائح اليومية لهم.
ويصف المواطن شاهين جابر حركة الحافلات المدرسية في ضهر الأحمر بـ«المواكب التي تجتاح الطرق صباحا وعند انتهاء الدوام»، لافتاً إلى أنه أحصى أكثر من 250 حافلة مدرسية تدخل إلى بلدة ضهر الأحمر يوميا، تقل أكثر من ثمانية آلاف طالب وطالبة من الطلاب من كل قرى القضاء ومن البقاع الغربي أيضا. كما يستقبل «مركز عمر المختارالتربوي»، و«مركز صلاح الدين»، و«مدرسة شنلر» في خربة قنافار، و«الجامعة اللبنانية الدولية»، و«الروافد»، و«الأبرار»، ومدارس «المقاصد»، و«الراهبات» في مشغرة، و«مدرسة الإمام الحسين» في يحمر، ومدارس صغبين، وجب جنين، والقرعون وغيرها، ما يزيد على عشرة آلاف طالب وطالبة.
الاختصاصي في طب الأطفال الدكتور وسيم يونس لفت إلى أن «الأطفال معرضون للإصابة بالأمراض الناتجة من تقلبات الطقس والصقيع، لا سيما أن الانتقال اليومي لمسافات بعيدة إلى المدارس، قد تسبب لهم آلاماً وأوجاعاً في البطن والرأس وفي الأعصاب، ويعرضهم أيضا للإصابة بالكريب الالتهابات وبالإسهال المعوي، بالإضافة إلى أمراض أخرى قد تكون معدية»، موضحاً أن «المسافات الطويلة قد ترهق أعصابهم وتعيقهم عن متابعة تحضير واجباتهم المدرسية». وقال: «ليس هناك من أرقام محددة للإصابات السنوية بين الأطفال نتيجة لذلك، إنما من المؤكد أن المئات من هؤلاء هم عرضة لتلك الأمراض، حيث منهم من تتم معالجته في المستشفيات، بينما العدد الأكبر يتلقى العلاج على أيدي الأطباء».
المشرف التربوي طه الدسوقي، أكد «رعاية شؤون الطلاب رعاية كاملة، والتعاطي معهم بمسؤولية عالية»، لافتاً إلى أن «إدارات المدارس الخاصة تراقب عن كثب الطلاب خلال عمليات الانتقال في الحافلات المدرسية، وذلك بإشراف المعلمين والمعلمات، كما نتقيد بأمور من شأنها الحفاظ على سلامتهم، حيث تقل كل حافلة معلمة أو أكثر لمرافقة الطلاب ومراقبتهم». وأضاف: «إلى جانب ذلك فإننا نتولى النصح والإرشاد يومياً للتلاميذ، ونوجّه التنبيهات لهم من بعض الأمور التي قد تعرّض سلامتهم للخطر، كما نركز كثيرا على إعطاء الندوات والمحاضرات التي تهتم بالآداب العامة والسلوكية الصحيحة، فضلا عن متابعة العملية التربوية بكل تفاصيلها وحيثياتها، لنتمكن من بناء قاعدة تربوية صحيحة».(السفير 13 شباط2012)