مجدلاني: المسائل التقنية قد تحلّ خلال شهرين.. والهيئة التأسيسية علاجها سياسي
غصن: على إدارة نظام التقاعد أن تكون خاضعة لصندوق الضمان الاجتماعي
هل يكتب النجاح للنقاشات الجدية الدائرة في اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة حول «نظام التقاعد والحماية الاجتماعية» (ضمان الشيخوخة)؟
قد يبدو الجواب على سؤال كهذا في بلد كلبنان مجرد ضربة حظ. فالأوضاع الداخلية لا تزكّي تفاؤلاً من هذا النوع، في ظل اعتكاف «محرّكات» الدولة الصدئة ممثّلة بالحكومة مجتمعة، لا برئيسها فحسب، وفي ظل مجلس نواب فقير الحال يشرّع بالقطارة. هذا معطوفاً على الأوضاع الإقليمية المضطربة، ذات الآفاق المتفاوتة والمتضاربة، والتي لا تشي باحتمال تسجيل انجاز بهذه الأهمية في هذا الظرف الصعب وغير المسبوق.
انجاز لطالما شكّل حلماً عزيز المنال لفئات اجتماعية واسعة تتوزع في طول لبنان وعرضه. ومن شأن وضعه في التنفيذ فعلياً أن يخلق شبكة آمان اجتماعي تقي اللبناني العادي شرور المرض والعمر الطويل في آن. ذاك أنها قادرة لحظة نفاذها على إفادة شرائح مترامية من محدودي الدخل والفقراء والضعفاء ممن لا يجدون في شيخوختهم معاشاً يتعكزون عليه، أو مستشفى يتلقون فيه طبابة باستطاعتهم تغطية تكاليفها قبل أن يفارقوا الحياة.
بيد أن هذه اللوحة القاتمة والتي لم تبرح شاشة البلاد طيلة عقود، لا تملك، من جهة ثانية، المسوغ المنطقي الضروري لفرض حجر على التفاؤل والمتفائلين في آن معاً، خصوصاً متى امتلكنا أدلة ظنّية على إمكان حصول العكس.
«فاللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة بوسعها، فيما لو ظلت وتيرة اجتماعاتها على ما هي عليه، أن تنهي دراسة مشروع القانون المتعلق بنظام التقاعد في مدة لا تتجاوز الشهرين». هذا التفاؤل، المشوب بحذر بيّن طبعاً، لا يفارق فاه رئيس لجنة الصحة النيابية عاطف مجدلاني، ولو أنه يستدرك بالقول إن هذه المدة ضرورية لتذليل العقبات التقنية، لا العقبات السياسية المتعلقة بمرجعية الهيئة التأسيسية لنظام وصندوق التقاعد، المولجة مهام إدارة النظام والسهر على حسن سير عمله. ويردف متسائلاً «هل سيعمل هذا النظام بوصفه جزءاً لا يتجزأ من صندوق الضمان، أم سيستحدث صندوقا مستقلا له؟». انطلاقاً من هذا السؤال يمكن الانطلاق نحو تعيين العقبات السياسية التي قد تعترض طريق المشروع.
مجدلاني، الذي يترأس في الوقت عينه اللجنة الفرعية المكلّفة دراسة مشروع النظام التقاعدي والحماية الاجتماعية، لا ينفي لـ«السفير» الصعوبات والتحديات الماثلة في أفق إقرار مشروع بأهمية وحساسية المشروع المطروح. لكنه، من جهة ثانية، يؤكد أن «الاجتماعات الأخيرة للجنة الفرعية، لاسيما التي عقدت خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، بيّنت أن القدرة على استيعاب الملاحظات التقنية المقدمة من قبل الاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية قائمة».
«كما أن الملاحظات التي وفرتها لنا اللجنة المصغّرة والمؤلفة من خبراء في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، كنا كلّفناهم بإعداد ملاحظات حول المشروع تصب في هذا الإطار»، يضيف.
وتتمحور ملاحظات لجنة الضمان حول ثلاث نقاط. أولاهما، تحديد الحد الأدنى للمعاش التقاعدي. ثانيتهما، الاشتراكات المسددة والمستحقة. وثالثتهما، العمر، وذلك لناحية من هم ملزمون بالدخول إلى النظام، ومن يعطون حق الاختيار. ويوضح مجدلاني أن التقدم في النقاش حاصل، والتعديلات تتوالى من عقدة الى أخرى.
وحول استقلالية الهيئة التأسيسية، يوضح مجدلاني أن «غالبية الأطراف موافقة على هذه النقطة، لاسيما الهيئات الاقتصادية وتكتل التغيير والإصلاح وفرقاء 14 آذار، فضلاً عن أن المشروع الحكومي المحال إلينا يوصي بذلك»، لافتاً الى أن الاستقلالية تخفف من مشاكل نظام التقاعد عبر فصل الضمان الصحي عن التقاعد.
وإذ يعود ليؤكد أن التفاهم حول مبدأ الاستقلالية بات أمراً مفروغاً، لا ينسى التشديد على أن الشيطان يكمن في أغلب الأحيان في التفاصيل.
وقبل أن يختم مجدلاني حديثه، يشير إلى أن وزير العمل السابق النائب بطرس حرب تقدم بتوصيات قيّمة للجنة الفرعية من المفترض ان يتم الأخذ ببعض منها. أمّا أبرز تلك التوصيات فهي: فصل التأمين الطبي للمتقاعدين عن النظام التقاعدي، وإعادة النظر فيه من خلال نظام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في ما يتعلّق بالمرض والأمومة. وتحديد العناصر الأساسية للنظام التقاعدي من خلال دراسة إكتوارية، يقوم بها ويتبنّاها وتنفّذها منظمة العمل الدولية والبنك الدولي مشترِكَيْن، بحيث يتم تثبيت هذه العوامل في نص القانون المقترح للتصويت. ومن أهمّ هذه العناصر، قيمة الحد الأدنى للعائد الحقيقي والثّابت ونسبة الاشتراكات وآلية إعادة النظر بها، والسقوف المعتمدة للمعاشات الخاضعة للنظام، ومدى ارتباطها بالحد الأدنى للأجور أو بمتوسطات الأجور، وقيمة الحدّ الأدنى للمعاش التّقاعديّ، وآلية إعادة تقييمه، ومدى ارتباطه بالحدّ الأدنى للأجور أو بمتوسطات الأجور أو بأسعار الاستهلاك. هذا فضلاً عن موجبات الدّولة اللّبنانيّة في حال حصول خلل ماليّ أو إقتصاديّ.
«العمالي»: تقدّم سريع
رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن يشاطر النائب مجدلاني تفاؤله وحذره في آن. فعلى صعيد دراسة اللجنة الفرعية للملاحظات التقنية المقدمة من قبل كل الأطراف، يؤكد غصن ان تقدماً نوعياً يتحقق على هذا الصعيد.
اذ في جلسة الخميس الفائت نجح ممثلو العمال في فرض تعديل غاية في الأهمية، وفق غصن، يتعلق بالفقرة 3 التابعة للمادة 49 من المشروع، والتي تحدّد الذين يخضعون الزامياً لنظام التقاعد. ففي البداية، كان الخضوع الالزامي يقتصر على من تقل أعمارهم عن الـ55 سنة. فجرى التعديل في اتجاه ان يكون الخضوع إلزامي لمن هم دون سن الـ35 والخاضعين حكماً لأحكام الضمان الاجتماعي، فيما يكون الخضوع اختيارياً لمن هم فوق الـ35. ولكن الخضوع الاختياري يشترط، وفق غصن، أن تكون تعويضات المنتمين إلى الفئة الأخيرة (فوق الـ35) في صندوق نهاية الخدمة تغطي الحد الأدنى من التعويض المستحق بحسب النظام الجديد. وهذا، برأي غصن، يفسح في المجال أمام إفادة من هم فوق الـ55 من ضمان المرض والأمومة بعد بلوغهم سن الـ64 وحتى وفاتهم. فبذلك لا يعود أحد مستثنى من الاستفادة من خدمات فرع ضمان المرض والأمومة بعد التقاعد.
وبرأي غصن تتمحور المسائل العالقة حتى الآن والتي يمكن تذليلها حول نقطة احتساب الحد الأدنى للمعاش التقاعدي. اذ يكتنف الاحتساب طرحان، الأول يربطه بنسبة الحد الأدنى للأجور الفعلي، والثاني يربطه بنسبة من متوسط الأجور تتراوح ما بين 3 الى 10 سنوات. والنقاش لا يزال يدور حول سؤال أيهما أفضل لناحية تأمين معاش لائق للمتقاعد بعد سنوات طويلة من الخدمة.
وعما اذا كان الاتحاد العمالي يؤيد تشكيل هيئة مستقلة لإدارة نظام التقاعد لحظة وضعه في التنفيذ، يقول غصن «على صيغة المقترحة لإدارة النظام مراعاة 3 ثوابت. الأول، أن يدار النظام من أطراف الإنتاج الثلاثة الدولة والعمال وأصحاب العمل. الثاني، أن يكون كل النظام تحت إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. أما الثابت الثالث فيتناول تحديد موجبات الدولة إزاء المشروع، لاسيما لناحية ضمان استمراريته».
أمام ما تقدّم من معطيات ملموسة تدل على أن إقرار مشروع نظام التقاعد والحماية الاجتماعية لا يحتاج إلى معجزة سماوية، يبقى الخوف متربصاً بالجميع من أن يعود الطبع ليغلب التطبّع. فتستحيل اللجان من جديد مقبرة القوانين.
وهو للآسف مما اعتدنا عليه.
7 شباط2012