الوزان لـ«السفير»: وعود بحلّ خلال الأيام المقبلة.. والموظفون: الإضراب مفتوح
يمكن الجزم وبلا أدنى تردّد أن مستشفى رفيق الحريري الجامعي وقع ضحية التعطيل الحكومي المتمادي وما نجم عنه من فراغ، تُساءل عنه كل الأطراف بلا استثناء. ووفق منطق الأمور التعطيلي السائد في البلاد هذه الأيام، لا يبدو أن في الأفق حلاً ولو جزئياً لأوضاعه المالية الرازحة تحت عجز مزمن منذ إنشائه، اللهم إلا في حال ارتأى الممسكون بزمام السلطة وهذا خيال محض بطبيعة الحال - الاضطلاع بوظائفهم الأولية البديهية، التي تتصدّرها تسيير شؤون المرفق العام تحت كل الظروف، وبصرف النظر عن المصالح الفئوية الضيّقة، أولاً وفي الأساس.
فقد انعكس الإهمال الرسمي المنهجي نقصاً ملحوظاً في المستلزمات الطبية واللوجستية التي لا يمكن العناية بالمرضى من دونها. ذاك أن الأطباء باتوا عاجزين عن تأمين الحد الأدنى من الخدمات العلاجية الضرورية لضمان سلامة المريض، فكيف الأمر بإجراء عمليات جراحية معقدة، تتوقف عليها حياة المريض، في الحالات الحرجة على وجه الخصوص؟
رئيس مجلس الإدارة المدير العام للمستشفى د. وسيم الوزان يميل إلى التخفيف من وطأة المعلومات المتداولة حول أوضاع المستشفى، ويقول لـ«السفير» «تأخرنا 9 أيام فحسب عن تسديد رواتب الموظفين فقامت قيامتهم، وعطلوا العمل داخل المستشفى». فمردّ التأخير، برأي الوزان، إلى «الروتين الإداري الذي يشتدّ بصورة دورية ما بين شهري تشرين الثاني حتى شهر نيسان من العام الذي يلي، متسبباً بأعطال ومشاكل في عمل غالبية المرافق العامة». إذ «ننتظر في العادة وصول الاعتمادات من وزارة المالية كي ندفع رواتب الموظفين من جهة، وكي نسدّد فواتيرنا من جهة ثانية. إلا ان التأخير الدائم الذي يتزايد خلال هذه الفترة التي تمتد لحوالى 5 أو ستة أشهر تخلق مشاكل لغالبية المستشفيات الحكومية لا تستطيع ضبط تداعياتها طوال السنة، فترتد سلباً على أوضاعها العامة، وعلى مستوى خدماتها في آن».
«فآخر مرة تلقى فيها المستشفى دفعة من وزارة الصحة العامة كانت في تشرين الثاني الفائت، ومذّاك لم تصلنا أية دفعة»، يوضح الوزان. ويتابع «كنّا طلبنا سلفة خزينة من مجلس الوزراء لتسيير أمورنا ريثما تصلنا الاعتمادات المخصصة لنا وعلى أن نغطيها لاحقاً من قيمة تلك الاعتمادات. لكن، لسوء الحظ، توقّفت جلسات مجلس الوزراء عن الانعقاد للأسباب المعروفة، فتأجل البحث في الموضوع».
هذه الأزمة المالية أدت، وفق الوزان، إلى «تراكم الفواتير المترتبة للمورّدين (عددهم يفوق المئة). وبنتيجة الأمر توقف هؤلاء عن تزويد المستشفى باللوازم الطبية لحوالى عشرة أيام. ومنذ حوالى اليومين تلقينا وعداً من أعلى المراجع بالدولة اللبنانية، بان النظر جار في كيفية تامين الدعم المالي الضروري للمستشفى، ولو عبر القفز فوق الروتين الإداري الذي تحتاجه عملية كهذه».
«إزاء هذه الوعود الرفيعة المستوى قرر الموردون العودة عن قرارهم الآنف، وتالياً واصلوا من جديد تزويد المستشفى بلوازمه»، يردف الوزان.
ويشدّد الوزان في ختام حديثه على انه تلقّى وعداً بإعادة الأمور إلى طبيعتها خلال الأيام القليلة المقبلة، جازماً بأن ما يقال عن ان مستقبل المستشفى مهدّد لا يعدو كونه تحليلاً شخصياً لا يمت إلى الحقيقة بصلة. ففي نهاية الأمر «لا أحد يجرؤ على تحمل مسؤولية إقفال مرفق بهذه الأهمية».
استثناء الحالات الطارئة
أمّا الموظفون البالغ عددهم حوالى الألف فقد أعلنوا إضراباً مفتوحاً منذ يوم الاثنين الفائت، حيث أقفلوا أقساماً حيوية في المستشفى، مستثنين، بطبيعة الحال، كل الحالات الحرجة والطارئة التي لا تحتمل التأجيل. هذا فضلاً عن ايلاء العناية اللازمة للمرضى الموجودين في المستشفى قبل دخول الإضراب في التنفيذ.
وكانت الإدارة أعلنت تضامنها، بحسب أوساط الموظفين، مع مطالب مستخدمي المستشفى في اليومين الأولين ثم عادت وغيّرت رأيها منذ يوم الأربعاء، معتبرة أن استمرار الإضراب يلحق الأذى بالمستشفى وبالمرضى في آن. ومما جاء على لسان الإدارة إبان التفاوض مع ممثلي الموظفين (وفق مصادر الأخيرين) ان «القضية هذه المرة اكبر من المستشفى ومن إدارتها، واضعة الحل برسم مجلس الوزراء، انطلاقاً من السؤال الذي يقذفه الجميع في وجه الحكومة مجتمعة: «هل تريد هذه الحكومة إقفال المستشفيات الحكومية أم دعمها لمواصلة عملها؟».
وفي هذا المجال تقول مصادر الموظفين لـ«السفير» ان «الإضراب مفتوح، ولن يتم التراجع عنه قبل تامين الموارد الضرورية لاستمرارية عمل المستشفى بوصفه مرفقا طبيا هو الأكبر بين كل المستشفيات الحكومية الموزعة على مختلف المناطق. فالحلول الجزئية ما عادت تنفع، وهي في كل مرة تعيدنا الى المربع الاول من المشكلة. فالمطلوب لا أقل من حلّ جذري لمشكلة العجز المالي الدائم في المستشفى، وذلك في اتجاه إعادة صوغ العلاقة بينه وبين الدولة الراعية لوجوده واستمراريته».
وإذ تصف المصادر وضع المستشفى من النواحي كافة بالمزري، تشدّد على ان «النقص الحاد في المواد الطبية ضارب أطنابه على مستوى كل شيء، وصولاً حتى الشيش المعقم الضروري لتنظيف الجروح، وقس على ذلك». كذلك الأمر بالنسبة إلى رواتب الموظفين الذين لم يتقاضوا أية ليرة منذ أكثر من شهرين، تضيف المصادر، وذلك يخالف ما جاء على لسان الوزان من أن التأخير لم يتجاوز الأيام التسعة. هذا علماً أن موظفي المستشفى وفروا خدمات عالية الجودة لأكثر من مليون مريض منذ افتتاح المستشفى في عام 2005.
أما أبرز الأقسام التي توقفت عن استقبال المرضى (ما عدا الحالات الطارئة طبعاً) فهي على الوجه الآتي: قسم العمليات، حضانة الأطفال، غسيل الكلى، الصيانة، المعلوماتية، مكتب الدخول، العلاج الاشعاعي، الأشعة، العيادات الخارجية والخاصة، التمريض، الإدارة (ما عدا المحاسبة)، وتمييل القلب.
11 شباط2012