الاعتماد على المؤسسات الخاصة والمبادرات الفردية
تدخل أم محمد مصطحبة طفلها، أحد المراكز الصحية في بلدة ببنين (كبرى بلدات عكار)، للمعاينة والاطمئنان إلى صحته، بعدما عمدت إلى إدخال إخوته الأكبر سناً مستشفى آخر في قضاء المنية، الأقرب إلى منطقتها من المستشفيات في محافظة عكار. تقول أم محمد للممرضة التي تستقبلها عند الباب إن حرارة طفلها مرتفعة منذ أكثر من يومين، وهي عاجزة عن اصطاحبه إلى عيادة طبيب مختص. وقبل تسجيل اسم الابن في لائحة المرضى، تعاجلها باستفسار عن سعر المعاينة في المستوصف.
حال أم محمد مثل حال غالبية العكاريين العاجزين عن توفير العناية الصحية لأبنائهم خلال فصل الشتاء المعروف بكثرة الفيروسات وانتشار الأمراض الصدرية وانتقال العدوى بشكل واسع، تحديداً بين الأطفال.
تشهد المستوصفات المنتشرة في عكار زحمة مرضى طيلة أيام الأسبوع، حتى ساعات متأخرة من الليل. وتشكل تلك المستوصفات ملجأ للأهالي لمعاينة أطفالهم في ظل الأوضاع الاقتصادية السيئة، خصوصاً التي تؤمن استشارات طبية في مختلف الاختصاصات، حتى أن العديد منها يحل مكان المستشفيات لجهة معالجة الحالات المتطورة.
ينتشر في عكار 50 مستوصفاً من ضمنها خمسة مستوصفات حكومية، أما الباقي فقد تم تلزيمه لمؤسسات خاصة وفق عقود تعاون مع وزارة الصحة التي تسعى إلى الحصول على دعم المؤسسات لضمان تغطية الرعاية الصحية في مختلف مناطق عكار وتطبيق برنامج "اللقاح الوطني". وفي الوقت الذي تشهد فيه بعض المناطق، كجرد القيطع مثلاً، تخمة في عدد المستوصفات (7)، تعاني مناطق أخرى من عدم وجود أي مركز صحي (منطقة أكروم) لتوفير الإسعافات الأوليّة وحتى اللقاحات للأطفال. مما يدفع بـ"طبابة قضاء عكار" إلى التعاون مع العيادات الخاصة لتطبيق "البرنامج الوطني للقاحات".
اللافت في الأمر، أن الوضع الصحي في عكار التي تضم ما لا يقل عن 400 ألف نسمة، لم يشهد أي تطور لجهة تلبية حاجات المنطقة كمحافظة، بل ما زال كما هو عليه منذ أعوام، ولم يتم زيادة عدد المراقبين الصحيين التابعين لطبابة القضاء الذي يضم خمسة مراقبين فقط، ثلاثة منهم على وشك التقاعد، ما يجعل الفريق الطبي غير قادر على ممارسة مهماته وفق المطلوب جراء النقص الفادح في الكادر البشري والتكنولوجي. هذا الواقع دفع بـ"طبابة القضاء" إلى التعاون والتنسيق مع المؤسسات الخاصة والحكومية، وتحديداً البلديات التي تعمد في الأعوام الأخيرة إلى توظيف مراقبين صحيين والمساهمة في حملات التلقيح.
يلفت طبيب قضاء عكار حسن شديد إلى "أهمية دور البلديات في تأمين الرعاية الصحية في المناطق البعيدة نسبياً من مركز المحافظة التي لا تضم أي مركز صحي". ويؤكّد "أننا نسعى لمشاركة البلديات كلها في الرقابة الصحية عبر تشجيعها على استحداث لجان طبية تقوم بالتنسيق معنا لإيصال الخدمات الصحية الى المناطق". ويتوقّف عند "تعاون العديد من البلديات في هذا الاطار كما حصل مع بلدية تلمعيان الواقعة في سهل عكار حيث نعاني نقصاً فادحاً في عدد المراكز الصحية. وقد عمدنا، بالتنسيق مع البلدية، إلى دمج المستوصف الرسمي للبلدة والمبنى البلدي، إذ كان المستوصف عاجزاً عن تقديم الخدمات بسبب رداءة البناء". ويدعو شديد إلى "ضرورة السعي لاستحداث مراكز رعاية صحية أولية في المحافظة، تكون كفيلة بتقديم الإسعافات الأولية وصور التخطيط والأشعة والإنعاش في المناطق النائية ما من شأنه معالجة المريض بشكل جيد وضمان وصوله إلى مستشفيات المنطقة بالطريقة الصحيحة".
ينطلق المدير الطبي لـ"مركز الايمان الصحي" في بلدة ببنين الطبيب كفاح الكسار، من "معاناة العكاريين وعجزهم جراء الأوضاع الاقتصادية الصعبة عن تأمين الرعاية الصحية لأطفالهم". ويشير إلى أن "بلدة ببنين التي يزيد عدد سكانها عن الثلاثين ألف نسمة تعاني من ظروف صحية صعبة، بالرغم من وجود ثمانية مستوصفات، وذلك جراء الأوضاع الاقتصادية المتردية، إذ يعتمد أكثر من 80 في المئة من سكان البلدة على الزراعة وصيد الأسماك، ما يجعلهم عاجزين عن دفع تسعيرة المستوصفات التي تراوح بين 7 آلاف و10 آلاف ليرة".
ويحذر الكسار من "وجود العديد من المستوصفات التي تعمل بطريقة استثمارية لا تراعي الضوابط القانونية وشروط وزارة الصحة، ويجب مراقبة عملها، فالعديد منها يبيع الأدوية". ويؤكد أن "غياب الرعاية الرسمية وانعدام دور وزارة الصحة أدّيا إلى طفرة في هذه المستوصفات، وعدم التنسيق بين الأطباء يؤدي في العديد من الأحيان إلى تكبيد الأهالي مصاريف إضافية".
يضيف أن "الوقت قد حان لتضع الحكومة خطة للرعاية الصحية وضمان حياة لائقة للمواطنين الذين يقفون يومياً على أبواب مكاتب السياسيين للحصول على خدمة طبية أو تأمين تكاليف دخول مستشفى".
15 شباط2012