دراسة للرابطة المارونية حول اللاجئين الفلسطينيين في لبنان

مرّ مرور الكرام القرار الذي اصدره وزير العمل السابق شربل نحاس قبل مغادرته الوزارة، بتنظيم آلية منح إجازة العمل للأجراء الفلسطينيين في لبنان وتحديد المستندات المطلوبة للحصول عليها. مع أنه لم يؤخذ بالآراء والتحفظات التي أبداها عدد كبير من المسؤولين والنواب وفي مقدمهم كتل نواب الكتائب و"التغيير والاصلاح" و "القوات اللبنانية". أما الرابطة المارونية التي تصدت دوما لأي حركة سياسية قد توحي "التوطين" او ادخال اللاجئين الفلسطينيين في النسيج الوطني فالتزمت الصمت علما انها تخوض في حلقاتها المركزية والفرعية مناقشات عميقة ومفصلة في هذا الموضوع أفضت الى تمويل دراسة يمكن وصفها بـ الاستراتيجية تحت عنوان "لبنان واللاجئون الفلسطينيون نحو حوار بنَاء"، أعدها الباحث زياد الصّايغ، واشرف على جداولها الإحصائيّة الاستاذ الجامعي غابي بجّاني، وذلك في اطار المركز المارونيّ للتوثيق والأبحاث، وتعرض هذه الدراسة الجوانب المختلفة لوجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وأعدادهم والابعاد المترتبة على ذلك، خصوصاً الاقتصادية والاجتماعية.
وتقدم دراسة الرابطة المارونية بالاعداد ما تصفه بـ "البعد الرقمي لقدرات لبنان الاقتصادية والاجتماعية ومعدلات النمو والبطالة وتوافر الثروات الطبيعيةـ إلى المعطيات الديموغرافية الشديدة التعقيد التي تجعل مجرد التفكير في توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان قنبلة شديدة الانفجار". وتجري مقارنة معززة بالأرقام بين الاقتصاد اللبناني واقتصادات الدول العربية المحيطة بلبنان، الغنية والفقيرة، وبين توزع أعداد الفلسطينيين الكبيرة في لبنان برقعته الجغرافية الضيقة وأعدادهم الضئيلة في تلك الدول المترامية الأطراف والشاسعة المساحات والتي تتوافر الثروات الطبيعية فيها بمعدلات تفوق أضعاف حاجات أهلها وسكانها. فضلاً عن حاجة تلك الدول الى يد عاملة متوافرة بكثرة في صفوف اللاجئين الفلسطينيين الذين تضيق بهم السوق اللبنانية، علما أن هذه السوق لا تكفي اللبنانيين، مما يدفعهم إلى الهجرة بكثافة خطيرة من بلدهم الذي يعاني أزمات خطيرة وديونا باهظة تثقل على أبنائه. وتشير الدراسة باستغراب إلى أن الدول النفطية في الخليج تستقدم مئات آلاف العمال الأسيويين والأفارقة وتقفل أبوابها في وجه الفلسطينيين القادرين على تلبية حاجاتها إلى اليد العاملة.

10 في المئة من السكان
وتذكر الدراسة ان عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجّلين لدى الأونروا هو 425.000 لاجئ منهم 57 في المئة داخل المخيّمات أي حوالي 265.000 لاجئ، و 43في المئة خارجها أي حوالي 180.000 لاجئ. وهم يشكلون حوالى 10 في المئة من إجمالي السكان مقابل 400 ألف لاجئ لا يشكلون أكثر من 2 في المئة من سكان سوريا.
في لبنان حوالي 455,000 لاجئ فلسطينيّ مسجّل في مديريّة الشؤون السياسيّة واللاجئين – وزارة الداخليّة والبلديات ، 57% منهم داخل المخيّمات و 43% خارجها. كتلة العمال منهم تتراوح بين 50 و 70 الفاً، وهي تعمل بحكم الأمر الواقع، ومن دون ضوابط قانونيّة أو ضمانات اجتماعيّة ويسعى اصحاب الاختصاص من بينهم الى الخروج من لبنان. اذ تقدّر نسبة البطالة في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بـ 33 في المئة الامر الذي كان يقتضي من الوزير نحاس درس سوق العمل وتحديد المهن بمراسيم تنظيميّة يصدرها وزير العمل، على أن تبقى الأفضليّة للمواطن اللبنانيّ في اختصاصات محددة بالإضافة الى المهن الحرّة، لأنّ هذا المواطن يعيش على حافة الهجرة، أو حتى العودة من هجرته مصروفًا من عمله بسبب أزمات ماليّة واقتصاديّة (دبي- الولايات المتحدة).
وتناقش الدراسة تفصيلاً مسألة وقف التداول بمصطلح " الحقوق المدنيّة" واستبداله بـ"التقديمات المعيشية والاجتماعية" على قاعدة أنّها تسهيلاتٌ حياتيّة يعبّر فيها اللبنانيون عن تضامنهم مع إخوتهم اللاجئين الفلسطينيين حتى عودتهم. وتشير الى معدلات البطالة المرتفعة في لبنان لدى الأسر الفقيرة و النساء والشباب بنسبة تتراوح بين 9 و14 في المئة و30 في المئة لدى الشباب الجامعي أو المؤهّل الذي سرعان ما يهاجر بعد الحصول على الشهادة المدرسية أو الجامعية مقارنة بسائر دول الشرق الأوسط حيث يقارب معدل البطالة في قطر صفرا في المئة و 2 في المئة في الكويت والإمارات العربية المتحدة.

مخالفات قرار نحاس
وتقول اوساط متابعة للملف ان الرابطة المارونية اسوة بالكتل البرلمانية والاحزاب التزمت الصمت عن المخالفات القانونية الكبيرة التي ارتكبها الوزير السابق نحاس، رغم ان الدراسة المفصلة التي اعدت عن هذا الموضوع وتسلمتها الرابطة والاحزاب المسيحية والصرح البطريركي بشخص المطران كميل زيدان تتضمن تأكيدا على ان كل تعديل قانوني يقتضي اصدار مراسيم تطبيقية له، وليس مجرد قرارات ادارية. وتذكر الدراسة الثانية بالمرسوم التطبيقي الذي اعده وزير العمل السابق بطرس حرب، بالتشاور مع منظمة العمل الدولية والاونروا على قاعدة اعطاء اللاجئين الفلسطينيين حق العمل مع احترام مقتضيات الميئاق الوطني وان لا يؤدي هذا الامر الى التوطين بشكل او بآخر.
وتشير الاوساط الى ان حرب ارسل مشروع مرسومه الى مجلس شورى الدولة الذي أعاده الى حرب انطلاقاً من قاعدة ان حكومة تصريف الاعمال لا تستطيع ذلك بل حكومة عاملة. وتحدد الدراسة ان حرب وضع تصنيفاً للمهن، في حين ان قرار نحاس لا يصنف المهن بين عمال ومهن حرة، مع ما يمثل ذلك للمهنيين اللبنانيين، كما ان مشروع حرب وضع شروطاً منها ضرورة ان تثبت المؤسسات التي تستخدم اللاجئين انها قانونية، وذلك لضمان رضوخها للقانون في حال الاساءة الى العامل الفلسطيني الامر الذي لم يلحظه نحاس. وكذلك لحظ مشروع حرب انشاء دائرة خاصة لضبط "داتا عمل" المهنيين والعمال الفلسطينيين لئلا ينافسوا اللبنانيين، كما شدد على ضرورة ان تشملهم بوليصة التأمين اسوة بالعمال الاجانب لحفظ حقوقهم واهمية ان تعمد المؤسسة التي يعملون لديها الى تسجيلهم في الضمان الاجتماعي. والأهم في رأي الدراسة ان قرار نحاس لا يذكر كلمة لاجئ بل يتحدث عن الفلسطينيين بطريقة تسقط عنهم صفة اللاجئين. وتشير الاوساط الى ان قرار وزير العمل المستقيل يدل على عدم وعي للالية القانونية والدستورية وخصوصاً مراعاة الاستقرار الاشتراعي والمصلحة الوطنية العليا.

27 شباط2012