نظام التقاعد والحماية الاجتماعية بانتظار قيام الدولة

لطالما شكّل اقرار مشروع قانون انشاء نظام للتقاعد والحماية الاجتماعية (ضمان الشيخوخة) حلماً عزيز المنال لفئات اجتماعية واسعة. وتكمن أهمية هذا المشروع في الاستقرار النفسي والسلام الاجتماعي الذي يؤمنه للعامل وللأجير، من خلال المعاش التقاعدي والخدمات الطبية والاستشفائية، اذ انه قادر لحظة نفاذه على إفادة شرائح مترامية من محدودي الدخل والفقراء والضعفاء.
إن نظام التقاعد والحماية الاجتماعية مطروح اليوم للنقاش على طاولة اللجنة الفرعية المنبثقة من اللجان النيابية المشتركة بعدما أشبع درساً من جديد في اللجان وأدخلت عليه تعديلات تتفق مع رؤية كل أطراف الإنتاج. وتبلغ كلفته التقديرية الإجمالية لهذا النظام وفق احدث المعطيات المتوافرة والمبنية على القواعد الإحصائية لصندوق ضمان المرض والأمومة نحو ألفي مليار ليرة. أما الكلفة الصافية الإضافية– بعد حسم ما تنفقه الدولة راهنا (2009) على القطاع الصحي عبر وزارة الصحة ومساهماتها في أنظمة التأمينات العامة وشبه العامة– فتقدر بنحو 1100 مليار ليرة لبنانية.
تتطلب تغطية هذه الكلفة الإضافية استحداث مطارح ضريبية تطال الأرباح غير المرتبطة بعوامل الإنتاج، أي الفوائد والأرباح الناتجة عن التحسين العقاري وعن المتاجرة بالأسهم، وذلك لتلافي محظورين أساسيين: زيادة كلفة العمل النظامي المأجور لدى المؤسسات عبر الاشتراكات وزيادة كلفة المعيشة عبر الضرائب على الاستهلاك.
إلا أن البعض يرى أن المشروع تشوبه بعض الثغرات كإغفال تحديد نسبة المعاش التقاعدي من حجم الراتب عند نهاية الخدمة، كما أنه لا ينص صراحة على ضمانة الدولة ومساهماتها بالنسبة للفرع، ما يعرّض الفرع الجديد للانهيار. إضافة إلى أن انجاز وإنجاح مشروع التقاعد والرعاية الاجتماعية يجب أن يترافق مع ورشة إصلاح مؤسسة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، سواء كان الصندوق هو المشرف على تنفيذ مشروع ضمان الشيخوخة، أو سواء تمّ إيجاد هيئة مستقلة لإدارة المشروع الجديد، بإختصار فإن إصلاح الضمان الاجتماعي هو ممر إلزامي لإنجاح مشروع التقاعد.
ختاماً، إن لبنان اليوم وفي ظل الوضع الإقتصادي الحالي وندرة الموارد المالية من الصعب أن ينتقل بمفهوم الرعاية الاجتماعية من الاجتزاء والتقصير والعدالة العرجاء الى رحاب الرعاية الشاملة التي تجعل كل مواطن يشعر بالطمأنينة والعزة والكرامة والإنسانية. كما أن إقرار مشروع التقاعد والحماية الإجتماعية يصطدم بالمعوقات الموجودة والنابعة من تحديد الجهة المسؤولة عن تنفيذ هذا المشروع عند إقراره، في ظل تضارب المصالح والمسؤوليات ما بين وزارتي العمل والصحة والصندوق الوطني للضمان الإجتماعي وغياب الرؤية الواحدة داخل الحكومة.