خلال الأسابيع الماضية تلقى أهالي التلاميذ في غالبية المدارس الخاصة إشعارات بزيادة الأقساط بنسب تتراوح بين 10% و40%. معظم التكتلات المدرسيّة بكل أقسامها وتياراتها رفعت أقساطها بذريعة الزيادة الأخيرة على الأجور زاعمة أنها رتّبت أعباء إضافية على ميزانية المدرسة، فنقلت هذه الأعباء إلى ميزانيات الأسر.
محمد وهبة
لم يكد النقاش يبدأ حول زيادة الأجور قبل أشهر، حتى بدأت المدارس الخاصة بالحديث عن زيادة الأقساط. وعندما أقرّت الزيادة على الأجور والرواتب، تلقى الأهالي في معظم المدارس العاملة في لبنان، إشعارات تطالبهم بالمزيد لأن القسط زاد، وعليهم أن يموّلوا كلفة زيادة الأجور. لكن الواقع أن قطاع التعليم يعدّ واحداً من أكبر الأعمال المربحة في لبنان. هو «بزنس» يتستّر بشعارات عن مؤسسات تؤدي رسالة ولا تبغي الربح، فالتعليم سوق ضخمة تتألف من المدارس الخاصة غير المجانية.
ووفق المعطيات المتوافرة، تبيع هذه المدارس خدمة التعليم لنحو 500 ألف تلميذ (او زبون)، بمعدل قسط سنوي يبلغ 3.5 ملايين ليرة، أي أن الحجم الإجمالي لهذه السوق (من دون الانفاق العام على التعليم الرسمي والمدارس الخاصّة المسمّاة مجانية ومن دون المساعدات الخارجية والتبرّعات المختلفة) يصل إلى 1750 مليار ليرة، أو ما يعادل 1.16 مليار دولار أو ما يوازي 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي. هي سوق فيها الكثير من المال والاستراتيجيا التي تتحكّم بنشوء الدول وتكوين المجتمعات واستمرارها.
تقسم هذه السوق في لبنان إلى تكتلات عديدة ذات طابع أو خلفيات دينية ومذهبية في غالبيتها، يعود تأسيس معظمها إلى حقبات سابقة، وقد تجمّعت أخيراً تحت اسم «اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة». يضم التجمّع المدارس الكاثوليكية، والانجيلية، والارثوذكسية، والمدارس الاسلامية (المصطفى، المقاصد، مؤسسات أمل التربوية، المبرات الاسلامية...)، مدارس العرفان، ويضاف إلى هذه المجموعة التي تشكّل الغالبية للتجمّع، بعض التجمعات المدرسية الصغيرة مثل المدارس الافرادية الخاصة، وأصحاب المدارس التعليمية الخاصة...
هذا التجمّع يبحث دورياً في العديد من المواضيع التي تهمّ مصالحه، سواء المالية والإدارية والتربوية. وفي اللقاءات الأخيرة، أي خلال الاشهر الأربعة الماضية كان الموضوع المالي في أساس النقاشات، لا سيما حين كانت مسألة الأجور على نار حامية. لم يكن هناك أي نقاش حول مبدأ زيادة القسط بل كان حول حجم هذه الزيادة. فالمعروف أن القوانين المرعية الإجراء تفرض على إدارات المدارس تقديم موازنات سنوية، وفق نموذج لدى وزارة التربية، تذكر فيها كل عناصر الكلفة لتحديد قيمة القسط السنوي على التلميذ الواحد. ثم تُرفع الموازنة إلى لجان الأهل، «فإذا وافقت عليها تحال إلى وزارة التربية لتصديقها واعتمادها. أما إذا لم توافق عليها لجان الأهل، فعلى وزارة التربية فتح تحقيق بتفاصيل الموازنة والفواتير التي استندت إليها والتأكّد من مدى صحتها»، يقول رئيس اتحاد لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية جوزف بطيش.
هذا النموذج مرسوم بدقّة على أيدي المعنيين في وزارة التربية، حتى أن بطيش وصف المدارس بأنها «مثل الفنادق والموتيلات». فالنموذج يرتكز على القانون 515 الذي يحدّد عناصر القسط من مكوّنين وحيدين: 65% من أعباء ونفقات الأجور والرواتب، و35% من النفقات الأخرى (تأمين، رقابة طبية، مصاريف إدارية وعمومية مثل التدفئة والماء والتبريد والهاتف والبريد والإيجارات....). فيتم احتساب هذه الأكلاف وقسمتها على عدد التلاميذ المسجّلين في السنة الدراسية ليُحتسب القسط السنوي على التلميذ الواحد. أي أن لكل مدرسة أو تكتل مدارس كلفة مختلفة عن الأخرى، ولكل طريقته في احتساب هذين العنصرين.
على هذه القاعدة يأتي التفاخر بين المدارس على درجة التعليم فيها، ودرجة الرفاهية للتلميذ، فتنعكس كل هذه الادعاءات في نموذج الموازنة. ففي الإجمال، يؤكد المطلعون على هذا النموذج وعلى موازنات المدارس المقدّمة إلى وزارة التربية أن من بين البنود الواردة في «نموذج الموازنة المدرسية» ما تُرك مفتوحاً للتلاعب ولنفخ النفقات وتضخيمها من أجل تعظيم القسط السنوي أيضاً. فعلى سبيل المثال، هناك بند «بدل مهمات إضافية، وبند مكافآت ومساعدات، وهناك بند تجديد وتطوير وبند (فارغ) بلا اي عنوان وهناك بند مساعدة للتلاميذ وبنود صيانة وخدمات...».
كل هذه البنود يمكن التلاعب بها. فبحسب رئيس لجنة الأهل السابق في مدرسة الليسيه محمود همدر، إن «وزارة التربية عاجزة عن التصدي لدولة المدارس الخاصة»، مشيراً إلى أن الوضع في الليسيه على سبيل المثال لا يعكس حجم الموازنة المقرّرة، «فالمبنى يحتاج إلى إصلاحات والملاعب صغيرة وغير مؤهلة، أما المسرح فهو بمثابة خردة...». رغم كل ذلك، ترفض المدرسة إظهار الفواتير للبنود المدرجة في موازناتها، فيما «هم يفرضون علينا، منذ 6 سنوات، زيادة سنوية بمعدل وسطي يبلغ 400 ألف ليرة. لكن هذه السنة لم نوافق وأرسلنا تقريراً لوزارة التربية مشيرين إلى أن الزيادة للاقساط غير مبررة».
هذا الوضع لا يقتصر على الليسيه، فالمدارس تزيد أقساطها سنوياً من دون أي معايير واضحة، أما الأمين العام السابق للمدارس الكاثوليكية الأب مروان ثابت فلطالما صرّح معلناً أن القانون يعطي المدارس الحق بزيادة سنوية تصل إلى 10% على قيمة القسط، أما «ما يتعدى ذلك، فللجنة الأهل أن توافق عليه» يقول بطيش.
لكن رئيس نقابة المعلّمين في القطاع الخاص، نعمة محفوض، يشير إلى أن «كل الزيادات الموضوعة على الأقساط غير قانونية»، لافتاً إلى أن المدارس تستغل «لجان الأهل التي تسيطر عليها، فمن أصل أكثر من 2700 مدرسة خاصة (مجانية وغير مجانية) لا يوجد أكثر من 4 أو 5 لجان أهل فاعلة وقادرة. للأسف إن الأهل مستنكفون عن لعب دورهم الفعلي ترهيباً أو ترغيباً».
رغم هذا الوضع، فإن الزيادة المفروضة هذه السنة من قبل إدارات المدارس على أسر التلاميذ، تستند إلى ذريعة واحدة هي زيادة الأجور الأخيرة. فبحسب دراسة المدارس الكاثوليكية عن تأثير زيادات الرواتب والأجور على الأقساط في مدرسة يبلغ عدد تلاميذها 1400 تلميذ، فإن القسط يفترض أن يزيد بنحو 500 ألف ليرة، أي ما يوازي 14.5% من المعدل الوسطي للقسط السنوي البالغ 3.5 ملايين ليرة. غير أن محفوض يتساءل عن مبرّر الزيادات السنوية السابقة، مؤكداً أن «أصحاب المدارس الخاصة تسرق أهل التلاميذ لا بل إن غالبية المدارس تتحدث عن زيادات كبيرة تتراوح بين 400 ألف ليرة ومليون ليرة على القسط السنوي».
40 في المئة
هي نسبة أهالي التلاميذ المتأخرين عن سداد الأقساط المتراكمة عليهم خلال السنوات الماضية وفق رئيس اتحاد لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية جوزف بطيش
470 طالباً في المدرسة
هو معدل عدد الطلاب في المدرسة الخاصة غير المجانية للسنة الدراسية 2010 – 2011، مقارنة مع 215 طالباً في المدرسة الرسمية الواحدة و346 في المدارس الخاصة المجانية