كميات قليلة من الأتربة والحجارة المنهارة على ملعب مدرسة «المهنية الدولية في بلدة بحنين» ـ المنية أمس الأول، كانت كفيلة بإنهاء حياة الطلاب عبد الرحمن وأسامة وأحمد، الذين خرجوا من عناء الدرس إلى فترة الاستراحة على أمل العودة لاستكمال دراستهم إلى جانب زملاء لهم، ومن ثم تمضية عطلة نهاية الأسبوع في أحضان أهاليهم. منازلهم بكت أحجارها حزناً على ربيع طمر تحت تراب الانهيار، قبل أن يدفن نهائياً في مقابر بلداتهم، مخلفاً وراءه قبل الأسى واللوعة والغضب، تساؤلات كثيرة حول أسباب الانهيار وعدم اتخاذ الإجراءات المسبقة لمنع حصوله، خصوصاً أن مسرح الحادثة يشير إلى وجود إهمال لجهة عدم إقامة جدار عازل، يفصل بين التل الترابي وبين ملعب المدرسة، وإن كان ذلك لا يحول دون وقوع «القضاء والقدر»، حيث إن الكميات القليلة المنهارة، وبحسب كثير من المطلعين، قد أثارت كثيراً من الاستغراب لجهة ما نتج عنها من خسائر في الأرواح بالرغم من أن الانهيار جزئي.
ولعل الصدفة لعبت دورا كبيرا في حصول الكارثة، التي كان يمكن لها أن تكون حادثا عرضيا، لو كان الطلاب في يوم عطلة أو لو تأخروا ثوانٍ عن الخروج إلى الاستراحة في الملعب، أو لو أنهم لم يعتلوا الجدار المنهار للتعرض لأشعة الشمس، أو لو ان شاغلي المبنى المستأجر أقاموا دعامات إسمنتية لذلك التل الباطوني الذي يتجاوز بأضعاف سور الملعب. لكن الحادث المؤلم بكل تفاصيله فتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول الجهة المخول لها إعطاء الرخص لتلك المدارس، والاطلاع على واقع المباني ومطابقتها للمواصفات المطلوبة، خصوصا أن المبنى المذكور يفتقد إلى الحد الأدنى من الشروط المتعارف عليها، فضلاً عن أن رخصته هي لاستخدامه مبنى سكنياً، وليس مدرسة، لكن أي سؤال بذلك الخصوص تبقى الإجابة عليه ناقصة ما دام أهل السياسة، هم سماسرة العمل وشركاء في بعض الأحيان بمشاريع تربوية مشابهة.
وشكلت الحادثة التي سلم ذوو الضحايا على أنها «قضاء وقدرا» جرس إنذار لمن يعنيهم الأمر للمسارعة في تدارك كوارث مماثلة قد تطال عائلات أخرى على غرار عائلات الطلاب الثلاثة، الذين ودعوا فلذات اكبادهم بنثر الورود واطلاق الزغاريد.
لا تفاصيل أو معلومات اضافية غير تلك التي تداولها أبناء المنطقة، وما تم تسريبها من بعض الجهات المتابعة لملف التحقيقات، والتي أفادت جميعها أن التوقيفات اقتصرت على ابن صاحبة ومديرة المدرسة ح. و.، فضلا عما تردد عن أن المبنى لا يملك رخصة لمزاولة التعليم، ويتم التغاضي عن الموضوع بغطاء من جهة سياسية، ساعدت في العام 2004 صاحبة المدرسة في استحصالها على رخصة إنشاء المدرسة في المنية، قبل أن تنتقل في العام 2007 إلى موقعها الحالي، حيث جرى استئجار المبنى السكني من شخص من آل حمزة من قضاء عكار، وتحويله إلى مدرسة ومعهد مهني. ويتألف المبنى من طبقتين تعلوان مخازن تجارية، جرى تقسيمهما إلى 20 غرفة للتدريس، وتحويل كاراج السيارات إلى ملعب لا تتجاوز مساحته 20 مترا مربعا، ويضم نحو 80 طالبا وطالبة، أما المخازن فتستخدم كملعب شتوي!
بالأمس ووري الطلاب الثلاثة عبد الرحمن الصديق (16 عاماً) من بلدة بحنين، وأسامة زريقة (12 عاماً) من المنية، وأحمد الرفاعي (8 أعوام) من بلدة ببنين العكارية، في الثرى، بعدما نقلوا بعد الحادثة إلى «مستشفى الخير» في المنية، وسلموا إلى عائلاتهم الذين كانوا تجمعوا عند باب المستشفى في مشهد غاضب، بدت فيه أي محاولة للاقتراب من الآباء أو الأمهات أشبه بالمهمة المستحيلة، لكون العصبية كانت مسيطرة على الجميع والحزن يلف المكان الذي تحول إلى ساحة عزاء.
ومع الأهل تجمع عدد من الطلاب، من زملاء الضحايا، والذين كانوا في حال من الذهول واللوعة على فقدان زملائهم، «لا نعرف ماذا حصل بالضبط، لحظات وانهارت علينا الأتربة، كنا خرجنا مع بعضنا البعض من غرف التدريس إلى الملعب، ومنا من وقف وسط الملعب أو في إحدى الزوايا، والبعض وقف إلى جانب الحائط أو اعتلاه، كما درجت العادة». حديث الطلاب يكاد يكون واحدا، «لاحظنا نحن الذين نقف وسط الملعب سقوط بعض الحجارة، وبسرعة فائقة شاهدنا كميات من الاتربة انهارت على الزاوية التي يقف بها «الشهداء» الذين حوصروا بين ما تبقى من الحائط والأتربة المنهارة. وعلت الصرخات وتجمع الأساتذة وحضر عناصر الدفاع المدني والجيش اللبناني، وعملوا على انتشالهم مستعينين بجرافة حضرت الى المكان».
وعلمت «السفير» أن المدرسة ستغلق أبوابها إلى أجل غير مسمى، في وقت قام فيه وفد من إدارتها بتقديم العزاء إلى العائلات المفجوعة، التي لم تبادر إلى رفع أي دعوى قضائية، بحسب ما اكد محامي المدرسة محمد الخير، حيث قال: «إن الحادث قضاء وقدر، وهذا أمر سلم به الجميع، خصوصا أن الانهيار لم يكن من التل الترابي الملاصق للملعب، بل من مكان خلفي، بسبب العوامل الطبيعية». وأضاف الخير: «إن توقيف المشرف على المدرسة، يأتي ضمن إجراءات أولية يقوم بها القضاء، كون هناك ضحايا سقطوا، وغير صحيح أن المدرسة لا تملك رخصة لمزاولة العمل، فهناك إجازة من وزارة التربية لمزاولة المهنة تجدد سنوياً، لحين استكمال الشروط المطلوبة».
وأجرى رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي اتصالات بذوي الطلاب الثلاثة الذين قضوا تحت انقاض مدرسة بحنين المهنية، مقدما اليهم التعازي. وأوعز ميقاتي إلى الأمين العام لـ«الهيئة العليا للاغاثة» العميد ابراهيم بشير لإجراء التحقيقات اللازمة واعداد تقرير. وطالب نواب المنية ـ الضنية أحمد فتفت، كاظم الخير وقاسم عبد العزيز، في بيان مشترك، «بفتح تحقيق سريع بالكارثة»، داعين الحكومة إلى «إنشاء هيئة إدارة الكوارث اليوم قبل الغد، إذ إنه من غير المقبول أن يكون البلاد والعباد متروكين لقدرهم كما حصل في المنية، وقبلها في مبنى الأشرفية، والأمثلة في هذا الإطار لا تعد ولا تحصى»، كما طالبوها بـ«عدم الاكتفاء بتعويضات مالية، كما تعودنا بعد كل كارثة، تمثل إهانة لكل القيم الانسانية وانتهاكا لأبسط قواعد حقوق الانسان واعتداء جديدا على الضحايا وذويهم». وشدد النواب على «ضرورة أن يتحرك وزير التربية حسان دياب سريعا من أجل الكشف الشامل على جميع المدارس، وتفعيل دور لجنة الإشراف الهندسي، علما أن هناك الكثير من المدارس الرسمية في المنية ـ الضنية تعاني من التشققات والتصدعات»، محملين إياه «مسؤولية أي كارثة قد تحصل في هذه المدارس».
من جهته، تابع دياب الحادث، وفق بيان، لفت إلى أن «انهيار تلة ترابية محاذية لجدار حماية الملعب، بسبب أعمال النفق الجارية بالقرب منها». وفور تبلغه نبأ الحادث «كلف دياب رئيس منطقة الشمال التربوية حسام الدين شحادة تفقد الموقع ورفع تقريره، كما كلف الإدارة إجراء اتصالات بمديرية الدفاع المدني للتحقق من مسببات الحادث وأضراره البشرية». ودعا دياب «المدارس والمؤسسات التربوية الخاصة إلى إجراء كشوفات هندسية على مبانيها وملاعبها ومنشآتها الرياضية وسياراتها، بغية التحقق من أي خلل وتداركه قبل وقوع الكوارث، تحت طائلة الملاحقة القانونية وتحميلهم مسؤولية أي ضرر يلحق بالتلامذة».
وفي المواقف، أبدى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان حزنه الشديد لسقوط الطلاب، وتعاطف مع ذويهم وزملائهم، مشدداً على وجوب إجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة الأسباب الحقيقية لما حصل.
كما دعا وزير المالية محمد الصفدي الأجهزة القضائية والأمنية للتحقيق في الحادثة، مؤكداً أنه «على الجهات المعنية تحمّل المسؤولية عن التقصير وعن التعويض على أهالي الضحايا والجرحى».